مشكلة فلسطين (11)

.
.

بقلم - شنودة الأمير

تحرر وزارة الخارجية البريطانية، بالتشاور مع الصهيونيين، مشروعا أوليا للانتداب على فلسطين في 26 سبتمبر 1919، نصه الأول يحتوي على: الاعتراف بالحقوق التاريخية لليهود في فلسطين، استعادة تصريح بلفور، إنشاء مجلس مؤقت يمثل يهود فلسطين ويهود بقية العالم، السيطرة على الأوقاف الإسلامية من جانب حكومة فلسطين، قانون حول الجنسية الفلسطينية يسهل فوز المهاجرين اليهود بهذه الجنسية، إلغاء الامتيازات، صون الأحوال الشخصية للمسلمين. يضع مانز تزهاجن خطًا جديدًا على الخريطة – قد يكون الأكثر تعاطفا مع الصهيونية في الجانب البريطاني– لأن خط "دوفيل" لا يضمن موارد مائية كافية لفلسطين، ونلاحظ ميل بريطانيا إلى جانب الصهاينة على حساب العرب الذين حاربوا معهم فعليا الدولة العثمانية وساهموا في انتصارهم بنسبة كبيرة، بل لولا التمرد العربي ما هُزمت الدولة العثمانية في هذه الحرب.
ونشير سريعا إلى معدل هجرات اليهود إلى فلسطين، وهي الهجرات التي كانت تشجع عليها المنظمات اليهودية بالخارج، وأحيانا حكومات الدول، ولكن الأحداث الدولية هي الأكثر تأثيرا. تنقسم الهجرة التي تمت فترة الانتداب البريطاني إلى أربع موجات من الهجرة، بحسب كتاب (ذاكرة أمة – جمال سلامة على - من ص397- 400)
الهجرة الأولى ۱۹۱۹ : ۱۹۲۳ 
بلغ عدد المهاجرين فيها نحو ٣٥ ألف يهودي، أي بمعدل ثمانية آلاف مهاجراً سنوياً، معظمهم من روسيا ورومانيا وبولندا، إضافة إلى أعداد صغيرة من لتوانيا وألمانيا والولايات المتحدة، بید أن هذه الموجة قد تقلصت بعد ذلك نتيجة الإجراءات والقيود التي وضعها الاتحاد السوفيتي على هجرة اليهود من أراضيه.
الهجرة الثانية ١٩٢٤: ١٩٣٢ 
في هذه الفترة وصل إلى فلسطين نحو ٨٩ ألف مهاجر يهودي جاءوا في موجات متعددة، معظمهم من الشرائح الاجتماعية الوسطى وأكثر من نصفهم من بولندا، واستغل مهاجرو هذه الموجة رؤوس الأموال الخاصة التي أحضروها معهم لإقامة بعض المشاريع الصغيرة، وبلغ عدد اليهود في فلسطين في نهاية هذه المرحلة قرابة ١٧٥ ألفاً.
الهجرة الثالثة 1933 :  1939
بلغ عدد المهاجرين الذين قدموا في هذه الهجرة إلى فلسطين نحو 215 ألفاً، جاء معظمهم من أقطار وسط أوروبا التي كانت قد تأثرت بوصول النازية إلى الحكم في ألمانيا، التي وصل منها وحدها إلى فلسطين خلال هذه الفترة قرابة ٤٥ ألف مستجلب يهودي ألماني. يذكر أن كلاً من المنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية قد عقدتا اتفاقاً مع الحكم النازي بألمانيا، يهدف إلى تسهيل عملية هجرة اليهود من ألمانيا.
الهجرة الرابعة 1939 : مايو 1948
وهي التي تمت أثناء الحرب العالمية الثانية حتى قيام ما سمي بإسرائيل، وجرت عبر طرق مختلفة، إما بالإبحار مباشرة إلى فلسطين أو بالإبحار إلى موانئ محايدة في تركيا والبلقان ثم الانتقال إلى فلسطين بحراً أو براً.
نعود لسرديتنا التي لا نستطيع رصد كل التفاصيل المتشابكة في مساحة صغيرة كهذه، ولكننا نلقي الضوء على النقاط المهمة في تحريك الأحداث قدر الإمكان، ومن ضمن هذه الإشارات البسيطة أن العسكريين البريطانيين في القدس كانوا غالبا ضد المشروع الصهيوني، بل بعضهم عبّر عن فرضه عليهم بواسطة السياسيين، وأسباب ذلك واضحة، هم بالفعل كانوا يحاربون جنبا إلى جنب مع العرب، وبالتالي هناك إحساس بالمشاركة قوي جدا، وهم على أرض الواقع ويرون مدى رفض كل السكان للمشروع وما سينتج عنه من عنف وتوترات، الخلاصة كانت نظرتهم واقعية وليست خيالية مثل السياسيين الذين بعضهم يملك رؤية أيديولوجية، وبعضهم يريد التخلص نهائيا من مشكلات اليهود في العالم، والبعض –وهذا حقيقي جدا– يتبنى القضية لأن له أصدقاء صهاينة لا أكثر ولا أقل. 
وكان وايتزمان دائم الشكوى منهم –العسكريين البريطانيين– وفي 1920 تحدث مشاجرات بين السكان واليهود في القدس، وتفيد تقارير فرنسية وشهادة مبشرة بريطانية (السيدة نيوتن) أن اليهود من بدأوا التحرش حيث تشير إلى أن يهوديا بصق على أحد أعلام أو صور الجماعة المسلمة القادمة من الخليل لزيارة دينية، ولكن هذه التظاهرة الدينية أخذت بالفعل طابعًا سياسيًا عندما نادى الجميع أن فيصل ملك العرب، وأيضا شعارات لرفضهم الدولة صهيونية، نذكر ذلك حتى تتضح الأمور، وتقف "الجمعية الإسلامية – المسيحية" في وجه الصهيونية، وتقدم طلبات لمحاسبة الصهاينة الذين يشكلون حكومة داخل الحكومة البريطانية.
وفي سان ريمو 1920 جرى التقسيم الأممي لسوريا إلى (سورية، وفلسطين، ولبنان)؛ وضعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، ولأول مرة يتم الاعتراف بحق اليهود في وطن قومي، وتكون هذه اللحظة جوهر تبلور قومية فلسطينية مستقلة تجابه المشروع الصهيوني.

ترشيحاتنا