أخر الأخبار

مشكلة فلسطين (9)

.
.

بقلم - شنودة الأمير

وسط الحرب تتخذ السلطات العثمانية في الشام إجراءات تعسفية ضد العرب خوفا من تمردهم، مما يعجل بمثل هذه التمردات، كالعادة دائما يأتي العنف بنتائج عكسية، وفي مكة يهاجم "الأشراف" القوات العثمانية ويسيطرون على مكة والحجاز، وتبقى المدينة المنورة تحت سيطرة العثمانيين، وعلى الجبهة المصرية وبعد هزيمتين للبريطانيين في غزة أمام العثمانيين، تقع غزة في أيدي الجنرال اللنبي الذي تم تعيينه حديثا ويستطيع تغيير مسار الحرب بالفعل، وتتجه القوات البريطانية للقدس، وقبل شهر من دخول القدس يرسل بلفور رسالة إلى روتشيلد ستكون الأشهر في هذا النزاع، ونصها:

وزارة الخارجية ... في الثاني من نوفمبر ۱۹۱۷

عزيزي: اللورد روتشيلد

يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عُرض على الوزارة وأقرته:

"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتي بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة بفلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".

وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علما بهذا التصريح.

المخلص

آرثر بلفور

وبعد الحرب يعقد فيصل ابن الشريف حسين، اتفاقية "فيصل - وايزمان" التي تتوافق مع وعد بلفور شكلا ومضمونا،- لابد أن نضيف هنا من أجل توخي الأمانة أن نص بلفور -الذي نقله هو جارث للشريف حسين- كان خاليا من فكرة وطن مستقل وفهم منه الملك السماح لليهود بالهجرة الحرة إلى فلسطين، ولم تكن الحرب قد انتهت بعد، عندما عيّنت بريطانيا أول مندوب سامي لها في فلسطين عام 1920 وهو اليهودي هيربرت صمويل الذي يفتح فلسطين أمام اليهود المهاجرين من ناحية، ويرفع القيود التي فرضتها السلطة العثمانية على بيع الأراضي لليهود.

دعنا نضيف ملحوظة هنا، يرسل سلفان ليفي وهو فرنسي يهودي يمثل مصالح الفرنسيين في فلسطين، يرسل برقية في 8 فبراير 1918 يستخدم فيها كشخص غربي لأول مرة تعبير متمايز – يفرق – بين سوريا وفلسطين، وبين السوريين والفلسطينيين، ويذكر أيضا: "ومن ثم فقد ظهر سخط في صفوف الفلسطينيين. إنهم لا يمكنهم أن يقبلوا أن مبدأ القوميات، الذي يقول الحلفاء إنهم أنصار له، يمكن أن ينطبق على اليهود فيما يتعلق بفلسطين بدعوى أنهم قد سادوا فيها لمدة أربعمائة أو خمسمائة سنة، قبل عشرين قرنا خلت، معتبرين أن العالم برمته من شأنه أن ينقلب لو جرى النظر إلى الأمور بهذه الطريقة. وقد استغربوا بالأخص من رغبة الحلفاء في فصل فلسطين عن بقية سوريا وإضافة سبب جديد للشقاق إلى الأسباب، والتي تدمر بالفعل هذا البلد".

ونضيف أن الفرنسيين والبريطانيين ظلوا لسنوات طويلة يخاطبون التجمعات العربية أن هذا الوعد –وعد بلفور- لا يزيد عن "..ما هو أكثر من منح اليهود حق الإقامة في البلد والحق الانتخابي"، هذه الجملة مثلا على لسان الجنرال كلايتون إلى اللجنة السورية العربية بالقاهرة. العجيب أيضا أن أكثر الدول حذرًا في الاعتراف بوعد بلفور أو تعضيده كانت الولايات المتحدة الأمريكية.

يرأس حاييم وايزمان لجنة صهيونية لزيارة فلسطين، ويمكث بها بضعة أسابيع، ويلتقي الأمير فيصل؛ اللقاء الذي ينتهي باتفاقية "فيصل وايزمان"، ثم يتجه إلى مصر في طريقه إلى أوربا، في هذه الرحلة يضع مقدرات الطائفة اليهودية في فلسطين تحت إدارة اللجنة الصهيونية في كل التعاملات الخارجية، ويحاول خداع العرب بأن الهدف هو حقوق مواطنة متساوية للجميع في فلسطين، ومن ناحية أخرى كل ترتيباته مع البريطانيين على تكوين دولة يهودية مستقلة. قد يكون أبلغ دليل على ذلك هو تكوين (كتيبة الرماة الملكية رقم 40) حيث يرمي منظموها إلى المشاركة مستقبلًا في تحرير أرض الأسلاف بما يتماشى مع تصريح بلفور –بالنسبة لليهود هو ليس وعدا- وهي المرحلة التي ستتم عندما يُصبح اليهود أغلبية.

تحدث مناوشات خفيفة بين العرب (مسلمين ومسيحيين) وبين اليهود بسبب قيامهم بمظاهرات احتفالية في ذكرى وعد (تصريح. رسالة) بلفور.. هل تستحق رسالة وسط آلاف الرسائل السياسية في حرب عالمية الاحتفال؟!!!!

في 4 نوفمبر –بعد يومين من المظاهرة الاحتفالية – يذهب الأعيان المسلمون والمسيحيون إلى ستورس وهو الحاكم العسكري للقدس من قبل بريطانيا، وقدموا له احتجاجًا مكتوبًا، وقالا نصًا: "حتى لو تعين علينا إراقة دمائنا، فسوف نعارض أن يصبح اليهود سادة لفلسطين وأن يسيطروا على القدس".

الوضع السياسي الآن به بعض الفوضى، دعنا نحاول التوضيح. ترى بريطانيا أن "سايكس بيكو" عفا عليها الزمن بسبب التغيرات الجارية، ومصلحتها كدولة مع الملك حسين، فرنسا تدعم دعاة القومية العربية حتى تسيطر على سوريا بحسب العاهدة، هؤلاء القوميين يريدون حكمًا ذاتيًا، ومنقسمون فيما بين تبعيتهم للحجاز كخلافة إسلامية، وآخرون يردون دولة عربية قومية تشمل الشام وبلاد الرافدين، بعيدا عن شبة الجزيرة العربية، بينما ساسة المنظمة الصهيونية ومنظروها يتمسكون بفكرة وطن قومي؛ أي سيطرتهم الفعلية على فلسطين، وذلك لن يتم إلا أن يصبحوا أغلبية في فلسطين يعقبها مناوشات وعنف تستدعي فكرة حق تقرير المصير وبالتالي أغلبيتهم تنتصر وتجد رعاية دولية.

نص رسالة بلفور إلى روتشيلد

ترشيحاتنا