دكتور أيمن الغندور يكتب: تراجع الدعم الدولي لإسرائيل ..قراءة في قرارات الأمم المتحدة

الدكتور أيمن الغندور
الدكتور أيمن الغندور

مع بداية الحرب الوحشية الإسرائيلية على قطاع غزة فى 7 أكتوبر الماضى اعتمدت إسرائيل على دعوى المظلومية فظهرت بمظهر الضحية المعتدى عليها ، وصورت فصائل المقاومة الفلسطينية على أنهم وحوش بشرية حيث نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقا) 3 صور مدعياً إنها "صور مروعة لأطفال قتلوا وحرقوا على يد وحوش حماس". وأضاف مكتب نتنياهو في تغريدة على منصة "إكس": "حماس لا إنسانية، حماس هي داعش". 
 ولقد وجدت دعوات المظلومية الإسرائيلية آذاناً صاغية ، وهوى نفس لدى زعماء وقادة وسياسى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، فانتفض الرئيس الأمريكى مرددا مزاعم نيتنياهو وأكاذيبه فقال فى الكلمة التي ألقاها الرئيس الأميركي خلال اجتماع لقادة الطائفة اليهودية :  إن على الأميركيين رؤية ما يحدث، وإنه "لم يتخيل رؤية إرهابيين يقطعون رؤوس أطفال". وأضاف: "كان هذا الهجوم حملة من القسوة الخالصة، وليس فقط الكراهية، بل القسوة الخالصة، ضد الشعب اليهودي". ثم عادت الإدارة الأمريكية وكذبت هذه الصور بعد تكذيبها من قبل الصحف الأمريكية . 
وفى بداية العدوان على غزة كان هناك دعم دولى كبير لإسرائيل فى عدوانها على غزة ، وتبنى لوجهة نظر إسرائيل فى تسويغها لأسباب الحرب واستمرارها ، ومحاصرة الشعب الفلسطينى ، بدعوى الحق فى الدفاع الشرعى ، وقيلهم إن ما قامت به حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة (حماس والجهاد) هو عمل إرهابى يبيح لإسرائيل الدفاع عن نفسها ، وقد تجلى الدعم الأكبر لإسرائيل والتعاطف معها فى جلسات مجلس الأمن التى عُقدت يومى الأثنين والثلاثاء 16 ، 17 أكتوبر 2023 للتصويت على مشروع قرار روسى لوقف إطلاق النار لاسباب إنسانية فى غزة ، فكانت كلمات مندوبى الدول الأعضاء المساندة لإسرائيل تنطوى على دعم وتأييد كبير لإسرائيل ، وعلى رأس هذه الدول الثلاث دول دائمة العضوية فى مجلس الأمن وهى : الولايات المتحدة الأمريكية ، وبريطانيا ، وفرنسا ، فقالت المندوبة الأمريكية لدى مجلس الأمن تعليقا على رفض مشروع القرار الروسي : "حماس أطلقت الرعب على إسرائيل ، ... وحماس لا تقف لنصرة حق الفلسطينيين في تقرير المصير، يجب أن نعمل سويا لمحاسبة حماس على أعمالها الإرهابية بحق إسرائيل".ومن جانبها قالت المندوبة البريطانية لدى المجلس تعليقاً على رفض التصويت لصالح القرار : "نعمل لمواجهة تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، ولا نستطيع تأييد قرار لا يندد بأفعال حركة حماس الإرهابية". وقالت أيضاً : " كما قال رئيس وزراء الملكة المتحدة فى وقت سابق من نهار اليوم : أفعال حماس كانت ضربة وجودية على مجرد فكرة إسرائيل بصفتها وطنا للشعب اليهودى ، ولا يمكن للمجلس أن يتجاهل أكبر هجوم إرهابى فى تاريخ إسرائيل " ، وبسبب فيتو الدول الثلاث دائمة العضوية بالمجلس رُفض مشروع القرار الروسى ، فلم يحصل القرار على الأصوات التسعة المطلوبة بما فيه الدول الخمس دائمة العضوية ، إذ صوتت 5 دول فقط لصالح القرارهى : روسيا والصين والإمارات العربية المتحدة والجابون وموزمبيق ، فيما صوتت أربع دول هى : الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان ضده ، وامتنعت 6 دول عن التصويت.
واستمراراً لهذا الدعم لإسرائيل فى مجلس الأمن في الثامن عشر من الشهر نفسه صوت أفشلت الولايات المتحدة مشروع قرار برازيلي بسبب استخدام الولايات المتحدة حق (الفيتو) ضده ، بعدما أيده 12 عضوا وامتنع عضوان عن التصويت هما روسيا والمملكة المتحدة. كما فشل مجلس الأمن أيضا في 26 أكتوبر2023 فى تبني مشروعي قرارين أميركي وروسي بشأن غزة .
ونتيجة للأفعال الوحشية والمجازر والمذابح والتجويع وقصف المستشفيات والمدارس ومقرات الأمم المتحدة بغزة ، وخروج مظاهرات مناهضة للعدوان الإسرائيلى فى معظم دول العالم ، ونتيجة للضغوط العربية والإسلامية على الولايات المتحدة والدول الأوربية ؛ تراجع الدعم العالمى لإسرائيل وتحول التعاطف إلى جانب الشعب الفلسطينى الأعزل فى غزة ، وبعد خمس محاولات في المجلس لاعتماد مشروع قرار حول التصعيد في غزة منذ السابع من أكتوبر ، اعتمد مجلس الأمن الدولي بتاريخ 15 نوفمبر 2023 القرار رقم 2712 الذي يدعو إلى إقامة هُدن وممرات إنسانية عاجلة ممتدة في جميع أنحاء قطاع غزة والإفراج الفوري وبدون شروط عن كل الرهائن ، وذلك بتأييد 12 عضوا وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملكة المتحدة عن التصويت. فبعدما كانت الدول الأوربية دائمة العضوية تتبنى الموقف الداعم لإسرائيل وترفض صدور أى قرار يتضمن هدنة أو وقفاً لإطلاق النار تراجع ووافقت على هذا القرار ؛ بغية تبادل الأسرى والمحتجزين وإدخال المساعدات لغزة .
ونظرا لفظاعة مشاهد الجرحى ، وزيادة عدد القتلى المدنيين ، وانتهاك القانون الدولى الإنسانى ؛ ندد المجتمع الدولى باستهداف المدنيين وقصف المستشفيات والمدارس ومنع دخول المساعدات لغزة ، وطالب مجلس الأمن بوقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات والإفراج عن المحتجزين ، حتى الموقف الأمريكى نفسه بدأ يتغير قليلاً ويستجيب للضغوط الدولية ، فقبيل انعقاد مجلس الأمن للتصويت على قرار "لوقف إطلاق نار إنساني فوري" فى 9 ديسمبر 2023 ، قال الرئيس الأمريكى بايدن الثلاثاء الماضى : " إن إسرائيل ستفقد الدعم الدولى نتيجة للقصف العشوائى للمدنيين " ، وعقد مجلس الأمن جلسة طارئة بناء على طلب الأمارات مدعومة من المجوعة العربية والإسلامية ، وأيضاً طلب الأمين العام للأمم المتحدة (جوتيريش) طبقاً للمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطي الأمين العام حق تنبيه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والآمن الدولييين .
وحظى مشروع القرار بشبه إجماع عليه حيث صوتت لصالح مشروع القرار 13 من الدول 15 أعضاء المجلس ، وامتنعت الملكة المتحدة عن التصويت ، والامتناع يجعل صوتها غير محسوب ، وعلى ذلك فقد وقفت أمريكا وحدها رافضة للقرار ضد بقية أعضاء المجلس المؤيدين له ، وهذا يمثل تراجعا فى الدعم الدولى لإسرائيل .
كما يتبين تغير موقف المجتمع الدولى من دعم إسرائيل فى حربها على غزة من خلال رفض المجتمع الدولى ممثلاً فى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحرب على غزة ، وذلك فى القرارين الصادرين عن الأمم المتحدة طبقا لقرار الاتحاد من أجل السلام ، الذى يعطى الحق للجمعية العامة للأمم المتحدة ، أن تعقد دورة استثنائية طارئة إذا بدا أن هناك تهديد للسلام ، أو خرقاً له، أو أن هناك عملاً من العدوان، لم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بشأنه بسبب استخدام حق الفيتو .
ففى القرار الأول الصادر فى  26 أكتوبر 2023 عقدت الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة بعنوان (حماية المدنيين والتمسك بالالتزامات القانونية والإنسانية)اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار المقدم من الأردن نيابة عن المجموعة العربية وعدد من الدول الأخرى الذى يدعو إلى هدنة إنسانية فورية دائمة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية ، وتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في شتى أنحاء غزة فورا وبدون عوائق ، بأغلبية 120 عضوا ، ورفض  14 عضوا ، وامتناع 45 عن التصويت. 
وفىالقرار الثانى الصادر فى 10 ديسمبر 2023 بعد استئناف انعقاد الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة ، بعنوان (الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة ) بناء على طلب مصر والمجموعة العربية والإسلامية ، حيث طالبت الجمعية العامة بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة، وامتثال أطراف النزاع للقانون الدولي ، وإطلاق سراح جميع الرهائن فورًا ودون شروط، وضمان وصول المساعدات الإنسانية. بتصويت مسجل بأغلبية 153 صوتا مقابل 10 أصوات رفضت القرار هى : النمسا، الجمهورية التشيكية، جواتيمالا، إسرائيل، ليبيريا، ولايات ميكرونيزيا الموحدة ، ناورو، بابوا غينيا الجديدة، باراجواي، الولايات المتحدة الأمريكية، فالدول الممتنعة هى : الولايات المتحدة وإسرائيل ، بجانب ثمانى دول صغيرة ليس لها تأثير كبير على الساحة الدولية ، وامتناع 23 عضوًا عن التصويت ، ولا يحسب صوت الدول الممتنعة ، وهنا يظهر التراجع االدولى الكبير فى دعم إسرائيل .

ترشيحاتنا