العالم يتوجه نحو توظيف الأمونيا في الطاقة المتجددة.. تعرف على السبب

صورة موضوعية
صورة موضوعية

يتحول العالم تدريجيا نحو استخدام طاقة نظيفة بعد الشواهد على أن مصادر الطاقة الأحفورية تمثل مشكلة بالنسبة للبيئة، وكانت البداية من تسعينيات القرن الماضي، حيث أطلق على ذلك العقد عقد الرياح، مرورا بالعقد الأول من الألفية، والذي أطلق عليه عقد الطاقة الشمسية، وصولا للعقد الحالي، والذي يشهد اتجاها قويا نحو استخدام الهيدروجين، ولذا يمكن أن نطلق عليه عصر تحول الطاقة، في إطار اتجاه أكثر من 30 دولة نحو تبني استراتيجيات الهيدروجين الأخضر.

 

وقد كانت البداية الحقيقية نحو ذلك الاتجاه من اتفاق باريس للمناخ، ولكن التطورات الجيوسياسية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية والتطورات العالمية لأسعار الغاز كانت دافعا جديدا نحو التسريع بالاعتماد على ذلك النوع من الطاقة.

 

و بالنسبه للأمونيا الخضراء كعنصر هام للتحول نحو الطاقة النظيفة وفي إطار السعي نحو ذلك النوع من الطاقة يتم الاتجاه نحو الأمونيا 3NH، والتي تعتبر حلا بديلا يمكن أن يحقق الأهداف الموضوعة بشأن الاعتماد على الطاقة المتجددة وتقليل الانبعاثات الكربونية، وقد تصبح الأمونيا أكثر أهمية من الهيدروجين -الذي يمثل الوقود النظيف في عملية التحول إلى الطاقة النظيفة- وذلك في إطار سعي العالم للوصول إلى الحياد الكربوني.

 

وبالحديث عن الأمونيا، يمكن تعريفها بأنها عبارة عن غاز يُستخدم في صناعة الأسمدة الزراعية والمستحضرات الطبية وصناعة المبيدات الحشرية والصناعات المعدنية والنسيج والمنظفات المنزلية ومعالجة مياه الصرف الصحي وتنقية المياه وكذلك المتفجرات،وللأمونيا أنواع كثيرة تختلف حسب طريقة تصنيعها، مثل الأمونيا الخضراء والأمونيا الزرقاء والأمونيا الرمادية والأمونيا الفيروزية.

 

ويتم إنتاج الأمونيا الخضراء من خلال التفاعل بين الهيدروجين والنتروجين عند درجات حرارة مرتفعة وضغط عال، ومن ثم فإن من أهم المواد الخام المستخدمة في صناعة الأمونيا الخضراء الهيدروجين الذي يتم الحصول عليه من خلال التحليل الكهربائي للمياه.

 

هذا، وتستخدم الأمونيا الخضراء في إنتاج الأسمدة المحايدة للكربون، ويمكن استخدامها كذلك كوقود شحن محايد مناخيا في المستقبل، بالإضافة إلى ذلك يمكن استخدامها في توليد الكهرباء، ومن ثم يمكن التحول إليها في العديد من المحركات، والتي تستخدم الوقود بكميات كبيرة، كوقود نظيف للشاحنات وسفن الشحن، وتتميز تلك الأمونيا بأنها لا تطلق أي انبعاثات كربونية في حالة استخدامها كوقود.

 

ونتيجة لتلك المميزات لاستخدام الأمونيا أصبحت ثاني أكثر السلع الكيميائية من حيث حجم الإنتاج، بإنتاج سنوي يصل إلى أكثر من 180 مليون طن، وبالنظر للقطاعات الأكثر استخداما، فتعتبر الزراعة من أهم المجالات التي تستخدم فيها الأمونيا، حيث يذهب 80% من إنتاج الأمونيا العالمي إلى الأسمدة و20% فقط للتصنيع، مما يعكس زيادة اعتماد القطاع الزراعي على ذلك النوع من الطاقة.

اما الطاقة المتجددة فهي أقل تكلفة بالإضافة لمميزات الطاقة المتجددة من حيث تقليل الانبعاثات الكربونية وحماية البيئة من التلوث، فقد أعلنت الأمم المتحدة أن الطاقة المتجددة تعتبر الأقل تكلفة مع مرور الزمن، وانعكس ذلك في انخفاض تكلفة الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية بنسبة تصل إلى 85% بين عامي 2010 و2020، وكذلك انخفضت تكلفة طاقة الرياح البرية بنسبة 56%، وكذلك تكلفة طاقة الرياح البحرية بنسبة 48%.

 

وتشير التوقعات إلى أن المصادر المتجددة تؤمن ما يقرب من 65% من الاحتياجات من الكهرباء بحلول عام 2030، بالإضافة إلى إمكانية إزالة ما يقرب من 90%من الكربون بحلول عام 2050؛ مما سيساعد في الحد من الآثار السلبية الناجمة عن تغير المناخ.

 

 اما شواهد على تزايد الاهتمام الإقليمي بإنتاج الأمونيا كطاقة نظيفة:

 

وانبثاقًا من سعي العالم نحو الطاقة المتجددة، وخاصة إنتاج الأمونيا، اتجهت المنطقة العربية نحو ذلك الاتجاه في ظل سعيها للاستفادة من مميزات ذلك النوع من الطاقة، وكذلك في ظل هدفها بالمحافظة على دورها القيادي في سوق الطاقة العالمية من خلال زيادة الاستثمارات الخضراء، خاصة الأمونيا منخفضة الكربون، باعتبارها من أهم الطرق التي يتم اتباعها من أجل الوصول للحياد الكربوني بحلول عام 2050.

 

كما  مصر تعتبر  من أبرز الدول العربية التي تولي ذلك الاتجاه اهتماما كبيرا، وظهر ذلك في قيام مصر في نوفمبر من العام الحالي بتصدير أول شحنة أمونيا إلى الهند من خلال المصانع المخصصة لإنتاج الأمونيا الخضراء بمنطقة قناة السويس، ويعتبر ذلك بداية لخطة الدولة التي تستهدف الاستحواذ على حصة من 5 إلى 8% من السوق العالمية للهيدروجين.

 

وتتضمن خطة الدولة المصرية أن تصبح مصر مركزًا إقليميًّا لصناعة الهيدروجين الأخضر، خاصة مع امتلاكها جميع المقومات لإنتاج جميع أنواع الطاقة المتجددة، مما سينعكس في جذب استثمارات أجنبية، في ظل توفر المقومات والتسهيلات الممنوحة من الحكومة للمستثمرين.

 

وفي سياق متصل، تقوم الدولة ممثلة في رئيس الوزراء بالتباحث مع شركة بنشمارك باور إنترناشونال لإنتاج الأمونيا الخضراء بخليج السويس بشأن قيام الشركة بضخ استثمارات تصل إلى ما يقرب من مليار دولار، وتتضمن تلك الاستثمارات إقامة محطة للتحليل الكهربائي بقدرة تصل إلى نحو 400 ميجاواط لإنتاج حوالي 183 طنًا يوميًا من الهيدروجين الأخضر، مما سيوفر قدرة لإنتاج 1000 طن يوميا من الأمونيا الخضراء.

 

يلذكر أن الحكومة المصرية قد وقعت 9 اتفاقيات لتنفيذ عدد من المشروعات لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة المتجددة خلال مؤتمر قمة المناخ COP27 التي أقيمت بمدينة شرم الشيخ في نوفمبر من العام الماضي بإجمالي استثمارات سيصل إلى 85 مليار دولار، كما منحت الحكومة حوافز لتلك الشركات التي وقعت هذه الاتفاقيات لسرعة البدء في تنفيذ مشروعاتها مثل منح الأراضي اللازمة لإنتاج الطاقة، وكذلك توصيل البنية التحتية اللازمة للبدء في تنفيذ المشروعات. 

 

ثانيًا: الإمارات:

 

اتخذت الإمارات نفس الاتجاه من خلال استثماراتها في شركة "فيرتيلغوب"، والتي أعلنت في نوفمبر الماضي عن تسليم أول شحنة من الأمونيا المنتجة من خلال مصانع إنتاج الشركة بمصر، والتي سوف تستخدم في إنتاج رماد الصودا لصالح شركة (HUL) في الهند، ولم تقتصر الشركة على ذلك، حيث تعمل الشركة على تطوير بعض المشاريع في مجال الاستدامة البيئية، ومن تلك المشاريع مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر بمصر، والذي يستهدف إنتاج ما يقرب من 15 ألف طن سنويًا من الأمونيا اعتمادًا على مصادر الطاقة المتجددة.

 

ثالثًا: السعودية:

 

تعمل المملكة العربية السعودية على اتجاهين متوازنين، فبجانب استمرارها في القيام بعمليات التنقيب على البترول تقوم بتبني اتجاه الطاقة المتجددة من خلال شركة "معادن"، والتي أعلنت في وقت سابق عن قيامها بتصدير أول شحنة من الأمونيا الزرقاء المنخفضة الكربون إلى الصين، وتعتبر الأمونيا الزرقاء وسيلة أساسية يتم انتهاجها من أجل الحد من انبعاثات الكربون في سلاسل التوريد حول العالم، حيث تُستخدم بشكل كبير في إنتاج الأسمدة والأغذية، وفي القطاعات الصناعية وصناعة البتروكيماويات.

 

رابعًا: قطر:

 

تخطط دولة قطر لإتباع أقرانها من الدول العربية في مجال الطاقة المتجددة، حيث صرح وزير الدولة لشؤون الطاقة سعد بن شريده الكعبي عن اتجاه قطر لإنتاج الأمونيا من خلال إنشاء أكبر مصنع لإنتاج الأمونيا الزرقاء في العالم بطاقة إنتاجية تصل إلى 1.2 مليون طن سنويًا، وأوضح أن المصنع سيكون الأكثر استدامة، ومن المنتظر أن يعتمد المشروع على تطبيق تقنية احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه لالتقاط وعزل نحو 1.5 مليون طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون.

 

وختامًا، يمكننا القول بأنه على الرغم من أن الاستثمارات العالمية في الطاقة النظيفة آخذة في الازدياد، فإن الاستثمارات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل لا تزال قليلة على الرغم من توافر كثير من المقومات التي يمكن استخدامها لتحقيق هدف خفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول 2050، وبالتالي تجب زيادة الاستثمارات في قطاع الطاقة بالبلدان النامية بمقدار أربعة أضعاف إلى تريليون دولار في 2030، من خلال تسريع وتيرة الاستثمارات في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على اليابسة وموارد الرياح البحرية.