أخر الأخبار

تداعيات اقتصادية حادة لحرب «غزة» على الأزمة «الروسية الأوكرانية»

صورة موضوعية
صورة موضوعية

كشف معلومات الوزراء عن الانعكاسات السلبية المحتملة للحرب في غزة على أوكرانيا؛ نظرًا لتراجع الدعم الغربي لها، وتحول الاهتمام العالمي نحو متابعة تطورات الأوضاع في قطاع غزة بدلًا من الأزمة الأوكرانية، فإن ذلك قد يصبُّ في صالح روسيا على المدى القريب، غير أنه على المدى الطويل قد يؤثر على مصالح موسكو في منطقة الشرق الأوسط، لا سيَّما في ظل احتمالات اتساع نطاق الحرب لتشمل أطرافًا أخرى  في المنطقة.

 

كما أثارت وسائل الإعلام الغربية مخاوف من أن تؤدي الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس إلى صرف أنظار المجتمع الدولي -ولو بشكل مؤقت- عن الأزمة الروسية الأوكرانية، لا سيما في ظل الدعم الأمريكي غير المسبوق لإسرائيل في مواجهة حركة حماس، الأمر الذي يثير المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تراجع الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا، في ظل الترجيحات بإطالة أمد صراع غزة، وتزايد المخاوف من تحوله إلى صراع إقليمي في الشرق الأوسط، وفي ضوء ذلك تطرقت العديد من التحليلات الغربية إلى الانعكاسات المحتملة لصراع غزة على مسار الأزمة الروسية الأوكرانية ومستقبلها على النحو التالي:

 

مخاوف أوكرانية بشأن تراجُع المساعدات الغربية والاهتمام العالمي 

 

أشار مقال نشره "معهد الولايات المتحدة الأمريكية للسلام" United States Institute of Peace بعنوان "كيف تؤثر الحرب بين إسرائيل وحركة حماس على روسيا وأوكرانيا؟" How Does the Israel-Hamas War Impact Russia and Ukraine إلى أنه برغم حرص الولايات المتحدة الأمريكية على استمرار الدعم الدبلوماسي والسياسي والمالي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، فإن اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة قد يؤدي إلى تقليص المساعدات الاقتصادية والعسكرية المُقدَّمة من جانب واشنطن وحلفائها إلى كييف.

 

 على صعيد آخر، يرى المقال أن حرب غزة وضعت أوكرانيا أمام معضلة حقيقية تتمثل في رغبتها في الانحياز بشكل كامل إلى إسرائيل من جانب؛ بحيث يكون موقف الإدارة الأوكرانية الحالية بقيادة الرئيس "فولوديمير زيلينسكي" مُشابهًا للموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية والمدافع بشكل تام عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد أي تهديدات من شأنها أن تُزعزع أمنها واستقرارها، وسعيها لتجنُّب تأثير موقفها المؤيد لإسرائيل على علاقتها بالدول العربية الفاعلة بمنطقة الشرق الأوسط من جانبٍ آخر؛ حيث استضافت المملكة العربية السعودية في أغسطس الماضي محادثات سلام لدعم خطة "زيلينسكي" المُكوَّنة من 10 نقاط. 

 

وفي سياق متصل، أوضح مقال نشرته "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي" Carnegie Endowment for International Peace بعنوان "ماذا يعني الصراع في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لأوكرانيا؟" ?What Does the Conflict in the Middle East Mean for Ukraine أن أوكرانيا قد تجد نفسها في منافسة شديدة مع إسرائيل بشأن الحصول على الدعم والمساعدة اللازمين من جانب المجتمع الدولي لمواجهة روسيا، لا سيَّما أن المجتمع الدولي أصبح يوجِّه اهتمامه ويُسخر جميع إمكاناته في الوقت الراهن لخدمة إسرائيل في حربها على قطاع غزة.

 

وفي هذا الإطار، يرى المقال أن "كييف" لا تمتلك مجالًا كبيرًا للمناورة بشأن دعم إسرائيل من عدمه في حربها على قطاع غزة، وذلك بالنظر إلى أن أي تغيُّر قد يطرأ على السياسة الأوكرانية بشأن الحد من دعم إسرائيل والانحياز -ولو بشكل بسيط- إلى الجانب الفلسطيني، قد يؤدي إلى خسارتها للمساعدات الغربية المُقدرة بمليارات الدولارات، وهو الأمر الذي يصعُب على أوكرانيا تحمله، ما يدفعها في الوقت الراهن إلى تبني موقف مماثل للدول الغربية عبر تأييد إسرائيل بشكل كامل.

 

ويُرجَّح المقال عدم تطور العلاقات بين أوكرانيا وإسرائيل اللتين يحصل كل منهما على دعم غير مسبوق من جانب الدول الغربية؛ وذلك بالنظر إلى أن تل أبيب ستكون مُنشغلة -إلى حد كبير- بمشكلات داخلية وخارجية جراء الحرب على قطاع غزة، مُشيرًا إلى أن أوكرانيا ليس أمامها في الوقت الراهن إلا أن تأمل في عدم إطالة أمد الحرب في قطاع غزة؛ لأن ذلك سيتسبب في صرف أنظار المجتمع الدولي عن الأزمة الأوكرانية وما تحتاج إليه كييف من مساعدات عسكرية ولوجستية، ما من شأنه تحول الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى صراع مُجمَّد، وهو الاحتمال الذي لم تكُن القيادة الأوكرانية تضعه في حُسبانها.

 

وفي هذا الصدد، أشار مقالان الأول لصحيفة "ذا هيل" بعنوان "فصل المساعدات العسكرية لإسرائيل وأوكرانيا سيكون خطأً فادحًا" Decoupling military aid for Israel and Ukraine would be a grave mistake، والآخر لصحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "تفاصيل طلب بايدن تمويلًا بقيمة 105 مليارات دولار لإسرائيل وأوكرانيا" Details of Biden’s $105 Billion Funding Request for Israel and Ukraine، إلى أن الانعكاسات السلبية لحرب غزة على أوكرانيا قد تجلَّت في إخفاق الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في إقناع الكونجرس الأمريكي بإقرار حزمة مساعدات تصل قيمتها إلى 105 مليارات دولار تشمل أوكرانيا وإسرائيل؛ على أن يُخصَّص 61.4 مليار دولار إلى أوكرانيا، و14.3 مليار دولار إلى إسرائيل، وهو ما نتج عنه إقرار الكونجرس الأمريكي لحزمة المساعدات المُقرَّرة إلى إسرائيل فقط، مقابل تأخر إقرار المساعدات المقدمة لأوكرانيا حتى الآن.

 

وفيما يتعلق باهتمام الرأي العالم العالمي بالأزمة الأوكرانية، أشار مقال صادر عن "معهد تقارير الحرب والسلام" Institute for War and Peace Reporting بعنوان "أوكرانيا تشعُر بالقلق من تركيز وسائل الإعلام الجديدة على منطقة الشرق الأوسط" Ukraine Frets Over Media’s New Focus on Middle East ، إلى أنه بالرغم من توقعات الكثير من الخبراء -قبل اندلاع حرب غزة- أن يؤدي إطالة أمد الأزمة الروسية الأوكرانية إلى تراجع تركيز وسائل الإعلام الغربية عن متابعة تطوراتها عن كثب، فإن نشوب الحرب في قطاع غزة أثَّر بشكل غير مسبوق على التغطية الإعلامية العالمية للأزمة الأوكرانية. وهو الأمر الذي تجلَّى في إرسال العديد من وسائل الإعلام صحافييها من أوكرانيا إلى إسرائيل لتغطية الحرب الدائرة في قطاع غزة، وخصوصًا لما تحمله هذه الحرب من تداعيات ليس على إسرائيل فحسب، بل على منطقة الشرق الأوسط ككل.

 

هذا، ويزعُم المقال أن الأزمة الأوكرانية كانت تحظى في الأشهر الأولى من اندلاعها بمتابعة كبيرة وغير مسبوقة من جانب وسائل الإعلام الغربية، خاصة في ظل بعض المشاهد المأساوية التي كانت تُعَد بمثابة مُحفزات جعلت المشاهدين يُتابعون عن كثب ما يحدث في أوكرانيا باعتبارها أزمة عالمية، إلى أن جاءت الحرب في قطاع غزة وحصدت الاهتمام من جانب جميع وسائل الإعلام الدولية.

 

انعكاسات حرب غزة على روسيا.. فرص وتحديات

 

أصدر "مركز تحليل السياسة الأوروبية" CEPA مقالًا بعنوان "كيف تستفيد روسيا من الحرب في قطاع غزة؟" ?Russia Asks: How to Benefit From the Gaza War، والذي أشار فيه إلى أن روسيا تُعَد المستفيد الأول من الحرب المتصاعدة في قطاع غزة، لسببين رئيسين؛ السبب الأول: يتمثل في أن إطالة أمد الحرب من شأنه تحويل انتباه الولايات المتحدة الأمريكية عن أوكرانيا إلى منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يحد من قدرات أوكرانيا في مواجهة روسيا عسكريًّا على الأرض، خاصة في ظل تزايُد توقعات المحللين بأن يُعَاد توجيه الأسلحة الغربية إلى منطقة الشرق الأوسط، مستدلِّين على ذلك بإعادة توجيه الأسلحة المخصصة لأوكرانيا بالفعل من بولندا إلى إسرائيل.

 

 

 

وفي هذا السياق، يرجح المقال أن تؤدي الحرب المطولة في قطاع غزة إلى مسارعة المجتمع الدولي بعقد مؤتمر "مينسك الثالث" لإنهاء الأزمة بين الجانبين الروسي والأوكراني في ظل السيطرة المتوقعة من جانب موسكو على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية، بما يشمل: مدينتي "أوديسا" Odesa و "ميكولايف" Mykolaiv.

 

فيما يتمثل السبب الثاني: في اعتبار الحرب في قطاع غزة بمثابة فرصة ذهبية لروسيا لإعادة تأكيد دورها كوسيط دبلوماسي كبير في منطقة الشرق الأوسط، من خلال ممارسة الضغوط الدبلوماسية على طرفي الأزمة لإنهائها.

 

وحول التحديات التي تنطوي على طول أمد حرب غزة بالنسبة لروسيا، أكَّد المقال أنه بالرغم من المكاسب الروسية المتحققة جراء إطالة أمد الصراع في غزة، فإن اتساع نطاق الحرب ليشمل جبهات متعددة قد يقوِّض مصالح الكرملين ويفاقم مخاوفه من تبعات الحرب على مصالح روسيا ووجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن احتمال امتداد الصراع الشرق أوسطي إلى جوارها الإقليمي، ما قد يُهدِّد الأمن القومي الروسي.

 

وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة "ذا هيل" The Hill الأمريكية مقالًا بعنوان "غزة وأوكرانيا جزء من حرب بوتين العالمية" Gaza and Ukraine are part of Putin’s world war، أوضحت فيه أن كلتا الحربين، سواء في قطاع غزة أو في أوكرانيا، مرتبطتان ببعضهما؛ حيث إنهما جزء من حرب عالمية بدأها الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لاستعادة إمبراطورية وأمجاد الاتحاد السوفيتي. وفي هذا الصدد، يرى المقال -وفقًا لتصريحات زيلينسكي- أن روسيا تقف وراء الحربين بهدف إلحاق الضرر بمصالح ونفوذ القوى الغربية في مناطق متفرقة من العالم.

 

ومن ناحية أخرى، أوضح مقال صادر عن "المجلس الأطلسي" Atlantic Council بعنوان "الحرب بين إسرائيل وحماس تصرف الانتباه عن أوكرانيا، لكن روسيا لا تستفيد منها" The Israel-Hamas war is a distraction from Ukraine, but Russia isn’t necessarily benefiting، أن الحرب في قطاع غزة قد تقوِّض المصالح الروسية في المنطقة، خاصة في ظل احتمالات توسع نطاق الصراع ليشمل أطرافًا أخرى