في الذكري الخمسين للنصر..

التضامن الشعبي خلال حرب أكتوبر 1973 يحكي قصة شعب وكرامة المصريين

أرشيفية
أرشيفية

ظهر التضامن الشعبي خلال حرب أكتوبر في حالة التلاحم التي عاشها الشعب المصري والمساعدات التي قدمها لتسليح الجيش، رغم الظروف المعيشية الصعبة التي كانت تواجههم. فقد عمد المصريون للتبرع بما لديهم من ذهب ومجوهرات وغيرهما من الأشياء الثمينة أو النقود، وانهالت التبرعات على القوات المسلحة لتعويض خسائرها وإعادة بنائها مرة آخرى.

ظهر التضامن أيضًا في تحمل ظروف الحرب، فلم يكن هناك شكوى من الغارات وأصوات أبواق الإنذار، ولا شكوى من استشهاد المدنيين في المصانع والحقول والمدارس، أو شكوى من ندرة التيار الكهربائي، وأي نقص في الخدمات أو المواد التموينية.

هذا، ولم تواجه الحكومة المصرية آنذاك أية صعوبة في تجاوب الشعب مع كل إجراءاتها من أجل الاستعداد للحرب، فمع بداية الحرب وطوال فترة المعارك تراجعت معدلات الجريمة في الشارع وكادت سجلات الشرطة أن تخلو من الجرائم الجنائية. فقد كشفت السجلات حينها أن المحاضر والبلاغات بأقسام الشرطة والنيابات خلت خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب من تسجيل سوى الجرائم المعروفة لدى أجهزة الأمن بـ"الجرائم العارضة".
 
كذلك كانت المجالس العرفية داخل الأحياء والقرى هي التي تقوم بحل النزاعات القائمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم تسجل حالة سرقة واحدة رغم أن أصحاب المحلات كانوا يتركون محلاتهم في العراء دون حراسة في أوقات الغارات لتكاتف الشعب.

و جاءت المفاجأة الأخرى للشعب المصري، عندما دعت وزارة الصحة وقت الحرب المصريين إلى التبرع بالدم، فامتلأت المستشفيات ومراكز ووحدات التبرع بالدم بالملايين، حتى طالبت وزارة الصحة المواطنين بالتوقف عن التبرع بالدم؛ لأن جميع "ثلاجات" الدم في مراكز التبرع بالدم في مصر امتلأت.

اما بالنسبة لتضامن الموظفين والتجار ورجال الأعمال فقد جاءت العديد من الاحداث لتؤكد مدي التضامن الشعبي فقد أقدم تاجر بالفجالة على التبرع بمجموعة من المساهمات العينية لصالح المجهود الحربي، والتي تمثلت في 100 طقم من الملابس الرجالية، وعدد من ماكينات الحلاقة والروائح، التي قدمها لإدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة، لتوزيعها على الجرحى بالمستشفيات.

كما قام رجال الأعمال بتقديم سياراتهم للقوات المسلحة خلال حرب أكتوبر 1973، لاستخدمها في نقل الجنود والأسلحة، وكان يكتب على هذه السيارات عبارة "مجهود حربي"، وأعلنت وزارة النقل يوم 18 سبتمبر 1967، عن تبرع بعض العاملين بالوزارة لتدعيم المجهود الحربي، بمبلغ 96 جنيهًا، وهي عبارة عن مرتب شهر لـ3 مهندسين.

و بالنسبه لطلبة المدارس فقد كانوا يتبرعون على طريقتهم فقد قامت طالبات المدرسة الثانوية للبنات بسوهاج بإرسال 2000 كارت معايدة تحمل رسومات من وحي المعركة، حملت كل بطاقة توقيع "أختك في سوهاج"، وقدر عدد بطاقات المعايدة التي أرسلها أبناء محافظة الإسكندرية إلى الجنود المحاربين بنصف مليون بطاقة.

بادر عدد من طلاب المرحلة الثانوية بالقيام بحصالة كُتب عليها "أدفع قرشا تساهم في تحقيق النصر"، يطوفون بها في شوارع القاهرة لجمع تبرعات المجهود الحربي.

تطوع عدد من طلاب مدرسة ليسيه الحرية باب اللوق بالاتصال بالمدارس والهيئات والطلاب في عدد من الدول، مثل فرنسا وأمريكا وهولندا وبلجيكا وكندا وألمانيا؛ من أجل اطلاع الطلاب مثلهم على حقائق حرب أكتوبر.

و جاء دور طلاب الجامعات.. ليشاركون في تحقيق النصر فقد تطوع 800 طالب طب من كلية طب قصر العيني لعلاج الجرحى، وخرجت من نفس الكلية مجموعة إعلامية لتسجيل قصص البطولة التي حققها المقاتلون على الجبهة، فيما اتفقت مجموعة من الفتيات بمعهد الاقتصاد المنزلي لإعداد وجبات جافة لتصل لعدد من المقاتلين.

بادر طلاب من كليتي الهندسة والطب بحلوان بشراء مئات الأمتار من ملايات الأسرّة، وإرسال مبالغ نقدية فورية للمقاتلين المتواجدين في مستشفى ناصر بحلوان.

و جاءت تبرعات المصريين في الخارج بالكثير من العمله الصعبه وقتها فلم يقتصر التبرع للمجهود الحربي من الداخل فقط، فهناك نماذج عديدة لمشاركة المصريين في الخارج، حيث قاموا بإرسال مساعداتهم، كل حسب طاقته، فالدكتور "صبري أيوب نصيف" مدير شركة "سولكو السويسرية" للأدوية، أرسل طرودًا بعدد من حقن "السيولكوزيريل"، والتي كانت في وقتها أحدث دواء عالمي لمعالجة الحروق الشديدة والتسمم الناشئ عنها، إلى وزارة الصحة من أجل المشاركة في المجهود الحربي.
 
كما تم تحويل الأندية الرياضية إلى مراكز إسعاف و تم تحويل الأندية في جميع المحافظات إلى مستشفيات لاستقبال الجرحى، وقد بلغ عددها 84 ناديًا حولت أنشطتها الرياضية والاجتماعية إلى أنشطة تخدم المعركة، ففي نادي الشمس تم تشكيل فرقة دفاع مدني مدربة على أعمال الإسعاف والحريق ومراقبة الغارات والإنقاذ من بين عضوات النادي ومن المواطنين لخدمة حي مصر الجديدة، وتم إنشاء أربعة مراكز لإسعاف الطوارئ بالنادي وإنشاء مستشفى كامل يضم 50 سريرًا وغرفة عمليات جراحية، كما أنشئت دار للنقاهة تضم 50 سريرًا آخر.

نادي الجزيرة تحول إلى خلية لتدريب الفتيات على ضرب النار، وتم تحويل وحدات خلع الملابس في النادي إلى مستشفى، تم تجهيزها بكل وسائل الإقامة والتغذية والممرضات والمتطوعات، كما تم تدريب فريق النادي للرماية ليكونوا رماة في حالة قيام العدو بمحاولة إنزال جوي، وتم تجنيد كل الطبيبات والصيدليات العضوات في النادي وعددهن 350 طبيبة ليكن على استعداد لتلبية أي طلبات عاجلة في حالات الطوارئ، مجهزات بسيارات إسعاف جاهزة للقيام بالإسعافات الأولية في مناطق الزمالك وأبو العلا وإمبابة.

و طلب مجلس إدارة نادي هليوبوليس خلال حرب أكتوبر 1973، من أعضائه التطوع إجباريًا من سن 18 لـ 25 سنة في الدفاع الشعبي، وطلب من بقية الأعضاء التبرع بالدم، كما تقدم ما يقرب من 500 فتاة من الكشافة للخدمة في المستشفيات خاصه قصر العيني والعجوزة والدمرداش خلال أيام عيد الفطر لتنظيم زيارة المواطنين لمرضاهم.

و بالنسبه لأعضاء النادي الأهلي.. فقد كانوا يتبرعون لصالح المجهود الحربي حيث تطوع أعضاء النادي الأهلي بأكثر من وسيلة خلال حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، فقد بادروا إلى إعلان حملة للتبرع بالدم في خضم الحرب، وتقدم ثمانية آلاف عضو خلال أربع وعشرين ساعة فقط للتبرع بالدم، للمساعدة في إسعاف الجرحى.

جمعت تبرعات باسم نادى الأهلي وجمهوره لصالح المجهود الحربى، حيث جمعت التبرعات من أعضاء النادي على اختلاف أنواعهم، من المدربين والرياضيين والعمال والموظفين، وحدد مجلس إدارة نادى الأهلي التبرعات، وكانت جنيهًا من العضو العامل أو المنتسب، ومن العضو الجامعي خمسين قرشًا، وخمسة وعشرين قرشًا من العضو الرياضي درجة أولى، وجنيهًا من المدرب.

و ك جاءت إسهامات النادي الإسماعيلي في المجهود الحربي بطريقة أخرى فقد أسهم النادي الإسماعيلي في المجهود الحربي لحرب أكتوبر 1973، مبكرًا، حيث قررت إدارة النادي الإسماعيلي في عام 1967 إقامة جولات خارجية للنادي الإسماعيلي يلعب خلالها في عشر دول عربية، ويخصص إيراد تلك الجولات لصالح المجهود الحربي.

بدأت الجولة الأولى بالكويت وقطر والبحرين والعراق ولبنان، ثم ليبيا والجزائر وتونس والمغرب، إضافة إلى السودان والسعودية، ثم كانت جولة ثانية في الشارقة ودبي وقطر وأبو ظبي والبحرين في يناير 1969 حتى مارس.

ولعب الإسماعيلي خلال جولاته 20 مباراة فاز في 10 مباريات، وتعادل في 6 وانهزم في 4 مباريات، وتم إهداء كل إيرادات المباريات لصالح المجهود الحربي وتسليح الجيش المصري، والتي قدرت بـ70 ألف جنيه إسترليني.

 

ترشيحاتنا