«القوة الناعمة».. ذراع روسية «ذكية» للسيطرة على أفريقيا

جانب من القمة
جانب من القمة

تتجه سياسة الكرملين إلى توسيع نطاق التأثير الثقافي في أفريقيا، وزيادة التعاون في مجالات التعليم والثقافة والتواصل بين الشباب من خلال التدريب وإنشاء المدراس الروسية في الدول الأفريقية، وسوف نعرض في هذا التقرير بعض أدوات القوى الناعمة الروسية فيما يلي:

التعليم والشباب والرياضة

كانت القمة الروسية الأفريقية الثانية في بطرسبرج الأسبوع الماضي مجالا هاما لطرح الكثير من جوانب القوى الناعمة الروسية، فضلا عن الاجتماعات الرسمية مع القادة الإفارقة التي تهتم بقضايا السياسة والأمن والغذاء والطاقة، حيث احتلت القضايا الثقافية والتعليمية والإعلامية جانبا هاما من فعاليات القمة، فقد أشار الرئيس الروسي إلى أن هناك 28 دولة أفريقية تشكل معها لجان مشتركة لتفعيل التعاون في كافة المجالات، وهناك اهتماما خاصا بالتعاون في مجال التعليم مع الدول الأفريقية، ويوجد حاليا 35 ألف طالب أفريقي يتلقى التعليم في روسيا، وسوف يزداد الرقم في العام الدراسي الجديد بحوالي4700 فرصة جديدة ، كما أن هناك اتفاقات لإنشاء العديد من المدارس الروسية في الدول الأفريقية في أطار زيادة التعاون في مجالات التعليم والثقافة والتواصل بين الشباب. 

وناقشت القمة مقترح يتعلق بدمج المناهج التعليمية، وخاصة تعليم اللغة الروسية في إفريقيا، حيث أن هناك أيضا 10 آلاف إفريقي يتعلمون في الكليات والمعاهد الطبية، وفي نفس السياق أطلقت وزارة التعليم الروسية برنامج "روسيا أفريقيا" التعليمي الذي يهدف إلى تعميق المهارات العملية لدى طلاب أفارقة تخرجوا من الجامعات الروسية والإفريقية.

كما دعا الرئيس بوتين خلال القمة الشباب والرياضيين الأفارقة للمشاركة في الفعاليات الرياضية التي تقام في شهري فبراير ومارس المقبل في منتدي الدول للشباب وزيارة مدينة سوتشي حيث تولي روسيا أهمية كبيرة للتعاون في مجال اللياقة البدنية والرياضة.

الدبلوماسية الشعبية

جاء تأسيس "المنظمة الأفريقية للروسوفونية" في أغسطس 2022 في عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى "بانغي" وهي منظمة أهلية تشرف على تطوير وبناء شبكة من الروابط والعلاقات الروسية الأفريقية كمحطة هامة من محطات عمل الدبلوماسية الشعبية التي تعمل على نشر اللغة والثقافة الروسية، والربط بين مؤسسات ثقافية وجامعية أفريقية مع مثيلاتها الروسية ويرأسها رجل الأعمال الكاميروني إيميل برفي سيمب، وهو مقيم ببانغي، ويتردد علي روسيا، إلى جانب عمله.

كما تأسست "منظمة الشراكة البديلة بين روسيا وأفريقيا من أجل التنمية الاقتصادية PARADE " واختصار اسمها في أفريقيا الفرنكفونية “باراد” في أواخر العام 2021، ومقرها الرئيسي بالعاصمة السنغالية دكار، ويرأسها صامبا مبيندا دياو. وفي سبتمبر 2022، قال بعض قيادييها: إن انتشارها بلغ 24 دولة في العالم، باعتبارها منظمة عالمية وليس فقط أفريقية. وفي شهر يوليو من السنة نفسها، وعلى صفحة المنظمة على منصة فيسبوك ورد أن لها 16 فرعًا أفريقيا، أغلبها في منطقة غرب أفريقيا والساحل والصحراء وخليج غينيا، إلى جانب فرع في روسيا وآخر في ألمانيا. وتجمع المنظمة في صفوفها عددًا من المثقفين والطلبة ورجال الأعمال. ولعل إلى جانب رئيسها في دكار، نذكر رجل الأعمال العاجي داوود سيلا، الذي يرأس بدوره فرع كوت ديفوار منذ سبتمبر 2022.

وتقيم المنظمة تعاونا رسميا مع السفارات الروسية في مختلف البلدان الأفريقية الموجودة فيها، ويستقبل السفراء الروس وكبار الموظفين الدبلوماسيين أعضاء مكاتب فروعها، لذلك يقول المشرفون عليها: إنها المنظمة البان-أفريقانية الموالية لروسيا، الوحيدة المعترف بها في الكرملين. ويعرفها صامبا دياو بأنها "تحالف عالمي مناهض للإمبريالية، وموال لروسيا"، ويرى ضرورة قيام أفريقيا بتحول جيوبوليتيكي وجيوستراتيجي من أجل التأثير في النظام العالمي الجديد، الذي هو بصدد التشكل الحتمي، ويقصد بذلك تغيير تحالف أفريقيا الدولي من الغرب نحو روسيا، والبلدان المتحالفة معها.

الكنيسة الروسية 

وفي أطار تأكيد الحضور الروسي في القارة الأفريقية سعت الكنيسة الروسية لمد نفوذها على الكثير من المؤسسات الدينية، وفق استرتيجية الكرملين لإستثمار العمل الكنسي الروسي في أفريقيا، كأحد أجنحة المؤسسات العاملة على نشر الثقافة الروسية في القارة وأحد أدوات القوة الناعمة.

حيث اتجهت الدبلوماسية الروسية إلى توظيف المؤسسة الدينية كعامل اقتراب أكثر من الشعوب الأفريقية، وهذا ينطبق على الإسلام والمسيحية الأرثوذكسية، واتجهت الكنيسة الروسية نحو استقطاب رجال الدين الأرثوذكس في أفريقيا، بعد الانقسام الذي بدأ عام 2021، عندما أعلنت كنيسة الإسكندرية اعترافها بالكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، التي كان ولاؤها للكنيسة الروسية، وكرد فعل على ذلك أعلنت الكنيسة الروسية استحداث إكسرخسية بطريركية لها في أفريقيا. وتباعا تم قبول انتقال 102 من كهنة بطريركية الإسكندرية إلى الروم الأرثوذكس، تحت سيادة المجمع المقدس للكنيسة الروسية، وبالتالي أضحى كهنة ورعاية 23 دولة أفريقية تحت مسؤولية أبرشية جنوب أفريقيا التابعة للكنيسة الروسية؛ واتجهت الجهات الكنسية الروسية الرسمية إلى تأسيس بعض الكنائس في جمهورية أفريقيا الوسطى، كما أصبحت ترسل بعض الكهنة إلى "بانغي" عاصمة أفريقيا الوسطي في المناسبات الدينية، لكن اللافت للانتباه هو تحويل ولاء الكاتدرائية الأرثوذكسية في مدينة بيمبو (Bimbo) القريبة من العاصمة بانغي، حيث تقع أبرشية القديس أندريه إلى أبرشية موسكو، التي كان ولاؤها للكنيسة الأرثوذكسية بالإسكندرية.

ومولت موسكو ترميمات جزئية لمبنى أبرشية القديس أندريه، ثم سافر الكاهن سيرغاي فوييماوا، المشرف على الأبرشية، إلى موسكو في  2022، “لدراسة مذاهب الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ولتصحيح الأخطاء التي ترتبت على انتمائه السابق للكنيسة البيزنطية”، التابعة للإسكندرية، حسب قوله، تم استحداث فصل دراسي يسع 60 طالبًا من الأيتام، في هذه الأبرشية، وتدريس اللغة الروسية بها.

كما تم توقيع اتفاق بين موسكو وسلطات بانغي، لبناء كنيسة أرثوذكسية، والاعتراف بها بصفتها مؤسسة دينية أرثوذكسية روسية، حيث يتمكن سكان العاصمة بانغي الروس من القيام بطقوسهم وصلواتهم، وافتتح ذلك بصلاة قادها كاهن روسي، قدم خصيصًا من موسكو2022، حيث أقيمت صلاة بالبيت الروسي ببانغي. 

حملات الدعاية

اقترن التقدم الروسي في أفريقيا في السنوات الأخيرة بحملات دعائية، شعبية أو نخبوية، ضد الوجود الغربي في القارة السمراء، ووقفت وراءها تيارات وجمعيات ونشطاء سياسيون وإعلاميون، بدعوى أننا أفريقانيون(Pan-Africanist) وتحرريون، وتحاول روسيا الاستفادة من هذه الحملات والمشاعر المناهضة للهيمنة الغربية وتوظيفها لصالحها في سياق تنافس دولي في أفريقيا، تخوضه القوى الغربية، وتخوضه أيضًا القوى الصاعدة، مثل الصين وتركيا وإيران، واستفاد الروس من التراجع الفرنسي في الدول الأفريقية الفرنكفونية ولاسيما دول جنوبي الصحراء وغربي أفريقيا

وفي هذا السياق حدث الالتقاء بين التوجهات الروسية، وخاصة في السياسة الخارجية، وهذه الحركات الأفريقانية على أساس الموقف الموحد المعادي للغرب، وهو نوع من التعاون بين أذرع "الدعاية الروسية" والشخصيات والمؤسسات والشبكات الأفريقية الوطنية، التي تتبنى خطا سياسيا سياديا وتحرريا مناهضًا لسياسات الهيمنة الغربية الاستعمارية منها، وخصوصا أن هذه المجموعات النشطة إعلاميا وسياسيا ولاسيما على شبكات التواصل الاجتماعي والعمل الجمعياتي – تجد في روسيا القوة الدولية التي لم يسبق لها أن استعمرت أو "استعبدت" الأفارقة، إشارة في ذلك إلى التاريخ الاستعماري الغربي، وعلاوة على ذلك، فإن هذه المجموعات ترى في السياسة الخارجية الروسية توجها نحو بناء نظام عالمي جديد، يمكن للبلدان الأفريقية أن تستظل به للحد من الهيمنة الغربية، والتبعية التي تعيشها دول القارة، لأوروبا والولايات المتحدة.

هذه المجموعات والروابط الأفريقية لا تجمع بينها مضامين أيديولوجية واحدة وبغض النظر عن اختلافاتها، فإن القاسم المشترك بينها جميعا، هو العداء "للغرب الاستعماري"، وهي ترى أن كل عمل دولي يقلص من "الهيمنة الغربية"، ويبشر بنظام دولي متعدد الأقطاب، قد يساعد الشعوب الأفريقية على مزيد من التحرر الوطني والثقافي، ويفسح لها مجال التنمية والارتقاء، تحت راية "الخصوصية الوطنية أو الثقافية".

المراكز الثقافية الروسية

لعل أهمها المركز الثقافى الروسى المصري الذي يعتبره كثير من المثقفين بمثابة الأب الروحى للمراكز الثقافية فى مصر خاصة بعد أن أتم عامه الستين،بعد تأسس فى عام ١٩٥٦ بشارع عماد الدين بقلب القاهرة، وانتقاله إلى المبنى الحالى بالدقى فى الفيلا الأثرية، وبناء مسرح تشايكوفسكى، والمكتبة، ومبنى اللغات، وتضم مكتبته آلاف الكتب باللغات الروسية والعربية والإنجليزية، وكلاسيكيات الأدب الروسى من بينها أعمال دوستوفسكى الكاملة، وتولستوى وبوشكين وتورغنيف وتشيكوف و جوجول وغيرهم.

يقع مسرح تشايكوفسكى بجوار المكتبة، حيث عروض السينما وأفلام تاركوفسكى وايزنشتين وصولوفيوف وبندرتشوكو، بينما يضم المبنى الرئيسى الصالون الموسيقى، حيث يمكنك أن تسبح بعيدا مع موسيقى تشايكوفسكى وخاتشادوريان، وقاعة المعارض للاستمتاع بالفنون التشكيلية الروسية ، وهناك صالون بوشكن الأدبى.

ورغم أن الهدف الرئيسى للمركز الثقافى الروسى هو نقل الفنون والثقافة الروسية للشعب المصرى، فإنه منذ اليوم الأول لنشاطه، وهو ساحة متسعة للتفاعل الثقافى المشترك، بالحرص على تقديم الفنون والثقافة المصرية.