«هنيدى وسعد» .. من قيادة ثورة التغيير الفنى إلى الإستسلام للنجومية بلا هدف

محمد هنيدي ومحمد سعد
محمد هنيدي ومحمد سعد

السينما المصرية فى تسعينيات القرن الماضى كانت تعانى من ندرة الانتاج السينمائى وقلة الاقبال الجماهيرى رغم وجود عمالقة الفن المصرى والعربى نور الشريف ومحمود يس ومحمود عبد العزيز وعادل إمام والفيشاوى وغيرهم من النجوم الكبار أصحاب التاريخ والجماهيرية الكبيرة، إلا أن أفلامهم أصبحت لا تلقى الاقبال الجماهيرى المتوقع وبالتالى الإيرادات أصبحت لاتكفى للاستمرارية فى العملية الانتاجية، فبعد أن كان الإنتاج يصل إلى 60 و70 فيلم فى العام أصبح لايتعدى عدد الافلام المنتجة أصابع اليد الواحدة.

وأصبحت مقولة السينما المصرية فى الانعاش هى التى تسيطر على الوضع، الكل يرى جسد السينما يتهاوى ويتداعى حتى وصل الى دخوله غرفة الانعاش ولايعلم أحد هل سيخرج منها أم لا، وزادت الندوات والمؤتمرات بل والبرامج التلفزيونية التى كانت تستضيف كبار المنتجين وصناع العمل الفنى فى مصر والوطن العربى للبحث عن مخرج ودواء يساعد على شفاء جسد السينما المصرية الذى يتداعى بل واقترب من الموت..فهو جسد قابع فى غرفة الانعاش والكل يرى انها المعجزة وحدها...إن عاش!!

واتذكر برنامج زوم للأعلامية الكبيرة سلمى الشماع التى كانت كل حلقة تستضيف منتجين وفنانين وخبراء وكتاب ومخرجين بحثا عن حل للأزمة التى مع كل يوم يمر تزداد تعقيدا وانهيارا.

إلى أن ظهر فى عام 1997 فيلم قليل التكلفة بسيط الفكرة خفيف فى تناوله الدرامى جدا، وبطولة نجم الاغنية الشبابية وقتها "محمدفؤاد" وشاركه فى البطولة ممثل شاب "محمد هنيدى"، والفيلم كان بعنوان "إسماعيلية رايح جاى"، تأليف احمد البيه وإخراج كريم ضياء الدين، وهم كمؤلف ومخرج لايعرفهم أحد ولكن فجأة قلب الفيلم كل المقاييس فهل يصدق احد ان هذا الفيلم البسيط جدا فى تكلفته وافكاره وتمثيله وحتى اخراجة يتفوق فى دور العرض السينمائى على كل الافلام التى حوله واهمهم فيلم المصير لنور الشريف ويوسف شاهين..حيث وصل الحال ان لو دورين عرض امام بعض احداهما يعرض اسماعيلية رايح جاى والاخرى تعرض المصير تجد الاقبال والزحام الكبير على دور العرض الذى يضم اسماعيلية رايح جاى والاخرى خاوية تماما على عروشها، رغم اهمية وقيمة فيلم المصير ونجومه وصناعه..الا ان وضح جليا ان جمهور السينما يبحث عن التغير..وكما قال الفنان الكبير الراحل محمود يس ان السينما فن شاب تقدم لجمهور شاب.

لذا فعندما اصابت السينما ونجومها الشيخوخة او الكبر والتقدم فى السن وتخطى سن الشباب عزف الجمهور عن الذهاب الى دور العرض السينمائى..فهنا ظهر سبب الداء الذى اصاب جسد السينما المصرية وتسبب فى دخولها غرفة الانعاش وهو ان الجمهور الشاب يحتاج الى فن شاب يتناول قضاياه وقصصه ومن خلال نجوم شباب يرى الجمهور نفسه فيهم..فليس من المنطقى كما كان يحدث فى افلام ماقبل اسماعيلية رايح جاى ان نرى نجم فى الخمسينات من عمره يجسد شخصية شاب جامعى..فطبعا تسبب هذا فى قفلة من الجمهور للسينما.

وظهر اسماعيلية رايح جاى وكام يضم اغنية(كامننا) التى تعد هى الفتيل الذى اشعل قنبلة التغير..واستفاد هنيدى بهذا الفيلم اكثر من بطله الحقيقي محمد فؤاد والذى كان فى البداية هو سبب دخول الجمهور للفيلم بدور العرض السينمائى لما يتمتع به من نجومية كاسحة فى عالم الغناء كما ان اغنية كامننا كان لها عامل السحر الذى سحر الجمهور وجذبه..ليدخلوا الفيلم ويخرجوا منه منبهريين بالممثل الكوميدى الشاب محمد هنيدى..الذى بدأ يركز معه المنتجين بعد ان كانوا يسندوا اليه الادوار الصغيرة التى تعتمد على الكاركتر القصير وبالعافية وبعد الحاح فهل يصدق احد ان هنيدى نفسه كان يراهن على دوره فى فيلم البطل امام احمد زكى وانه سيخرج منه ممثل معروف وكان لايحلم بالبطولة طبعا ..ولكن سبحان الله الفيم الذى كان يقدمه من باب اهو عمل وخلاص يكون هو سبب تهافت المنتجين عليه بل ويحاصروه ويتمنوا له الرضا يرضى وهو وكأنه شخص(مخبوط على رأسه) لايعرف ماذا حدث وماذا سيحدث بعد هذه الضجة والخبطة الفنية الصاخبة..ليلتقطه العدلية ويصنعوا له فيلم صعيدى فى الجامعة الامريكية والذى تحول فجأة من مجرد فيلم الى ثورة فنية تؤهل للتغير اى انها ثورة تغير شكل ومضمون الفن فى مصر..حيث بدأ الاحلال والتبديل الذى كان مفترض ان يحدث من سنوات فى النجوم والكتاب والمخرجين وكل عناصر العمل الفنى ولكن الاستسهال واللعب على المضمون بأسماء نجوم كبار ادى الى اصابة السينما بإنتكاسة كادت ان تودى بحياتها لولا الصدفة..

واصبح هنيدى اول قائد للمضحكين الجدد واصبحت افلامه تحقق ايرادات بالملايين وظن الكل بل وهنيدى نفسه انه تربع بذلك على عرش النجومية خاصة الكوميدية وظن الجميع انه حصان الرهان الاول فى عالم الضحك وان كان هناك نجاحات كبيرة لشركائه من المضحكين الجدد اشرف عبد الباقى واحمد ادم ..بل ونجاحات كاسحة ومنافسه له بشدة للراحل علاء ولى الدين الا ان هنيدى اصبح هو قائد كتيبة الضحك فى السينما العربية..ونجح بعد صعيدى مع همام فى امستردام ولكنه فجأة خيب ظن جمهوره ببلية ودماغه العالية..ثم عاد من جديد مع جاءنا البيان التالى..وظل هنيدى يتأرجع مابين النجاح والاخفاق ولكن ظل محافظا على قيادته لكتيبة المضحكين الجدد..حيث اصبح هو العلامة لهذا الجيل.

ولكن دوام الحال من المحال وطالما انك لم تبحث عن التغير والتطوير والشغل على نفسك لن تحافظ على مكانتك ومكانك فى القمة حيث ظهر له منافس قوى وشرس وكما يقولون (جعان شهرة ونجومية)وهو محمد سعد(اللمبى) الذى خرج من تحت عباءة علاء ولى الدين من فيلم الناظر.. والذى قلب ايضا كل المقاييس وحقق ايرادات خرافية تخطت اى نجاحات لافلام اخرى فأصبح هو حصان الرهان الجديد بل وقائد من قادة ثورة التغير فى السينما المصرية ليتبعه بأفلام اللى بالى بالك وعوكل وكتكوت وكركر وبوشكاش..وتتح الذى لم ينجح سينمائيا ولكنه نجح جدا جماهيريا عند العرض تلفزيونيا..ليبدأ بعد ذلك سعد فى العد التنازلى نحو الهبوط من القمة..وذلك ايضا لعدم بحثه عن التغير والتطوير والشغل على نفسه وحتى عندما سلم نفسه لشريف عرفة فى فيلم الكنز وظن الجميع ان سعد استوعب الدرس وانه فعلا موهوب يحتاج من يساعده على الحفاظ على هذه الموهبة بتطويرها وهنا جاء دور شريف عرفة الذى بعده لن يعود سعد الى ماكان يقدمه من تكرار لشخصيات نجحت له زمان فظل يعصرها ويعصر نجاحاتها الجماهيرية الى ان اصابت الجمهور بتخمة.

ومع الوقت تحول هنيدى وسعد من قائدى قوات كتيبة الضحك فى السينما الى ممثلين لاحول ولاقوة لهم..فهم نجوم ولكن نجوم بلا هدف بلا طعم ولكى يعودوا من جديد الى سابق عصرهم وتألقهم عليهم الشغل على نفسهم وتطويرها..فأفلام هنيدى الاخيرة سببت (قفلة) بينه وبين جمهوره مثل عنتر ابن ابن ابن شداد..والانس والنمس ونبيل الجميل اخصائى تجميل..وقبلهم فيلم يوم مالوش لازمة..والذى قال عنه الجمهور فيلم مالوش لازمة..وحتى مرعى البريمو رغم عدم طرح الفيلم الان بدور العرض السينمائى الا ان كثير من الجمهور قافل من الفيلم قبل ان يشاهده..كما قفل الجمهور من مشاهدة مسلسل محمد سعد الاخير الاكس لانس الذى عرض فى رمضان الماضى والذى اعتقد انه لم يشاهده سوى سعد ومخرج العمل فقط والذى قال عنه انه كسر الدنيا..والسؤال للمخرج هنا اى دنيا كسرها المسلسل سوى دنيا محمد سعد الذى خسر الكثير هو هنيدى اعتمادا على الاستسهال وعدم التطوير والتغير فى شكلهما ومضمونهما وطبيعة موضوعاتهما بل واداؤهما كممثلين الذى اصبح لايتغير مما اصاب الناس بالملل..فبعد ان كانوا هم من قادوا ثورة التغير الفنى مع بداية الالفية اصبحوا عاجزين عن تغير انفسهم وادائهم وموضوعاتهم التى يقدمونها لجيل جديد ومختلف عمن نجحوا معه..كان عليهم ان يستوعبوا الدرس انه طالما لاتجديد ولا تطوير اكيد الجمهور سيبحث عمن يرى فيه نفسه وشكله الجديد.

 

 

ترشيحاتنا