هل تصدر روسيا «الحبوب مجانا» .. بعد الوساطة الأفريقية لتسوية الأزمة الأوكرانية؟

مبادرة الوساطة الأفريقية لتسوية الأزمة الروسية الأوكرانية
مبادرة الوساطة الأفريقية لتسوية الأزمة الروسية الأوكرانية

يتابع المجتمع الدولى عن كثب مبادرة الوساطة الأفريقية لتسوية الأزمة الروسية الأوكرانية والتى طرحها الاتحاد الأفريقي في شهر يونيو الماضي ويقودها رؤساء 6 دول هي مصر وجنوب إفريقيا وجزر القُمُر والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي وزامبيا والسنغال وأوغندا  فى القمة الروسية الأفريقية الثانية والتى شارك فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بمدينة سان بطرسبرج وطرح رؤية مصر لحل تلك الأزمة والناتجة عن إنسحاب روسيا من مبادرة تصدير أوكرنيا للحبوب عبر البحر الأسود ودعا فيها  لحل توافقي بشأن إتفاقية تصدير الحبوب يأخذ في الإعتبار مطالب كافة الأطراف ومصالحهم ويضع حداً للارتفاع المستمر في أسعار الحبوب كما شارك الرئيس السيسى في إجتماع مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، إلى جانب قادة الدول الأفريقية المشاركين في مبادرة الوساطة الأفريقية لتسوية تلك الأزمة .

وتابع القادة الأفارقة خلال الإجتماع مستجدات المبادرة الأفريقية للوساطة بين روسيا وأوكرانيا، مع تأكيد أن أفريقيا لها مصلحة أساسية في العمل على إنهاء هذا النزاع بالنظر لآثاره السلبية الهائلة على عدد من القطاعات الحيوية، مثل أمن الغذاء والطاقة والتمويل الدولي، حيث تم التوافق على استمرار العمل المكثف على دفع المبادرة الأفريقية من خلال بلورة الآليات اللازمة لتشجيع الجانبين الروسي والأوكراني على الانخراط فيها بشكل إيجابي خلال الفترة المقبلة.

الدول الأفريقية الأكثر تضرراً

ويقول أحمد عبده طرابيك «باحث فى شئون آسيا والعالم التركى» : طرحت رئاسة الاتحاد الأفريقي مبادرة للوساطة من أجل انهاء الحرب الروسية الأوكرانية في شهر يونيو الماضي، وقد جاءت المبادرة التي يقودها رؤساء 6 دول هي مصر وجنوب إفريقيا وجزر القُمُر والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي وزامبيا والسنغال وأوغندا وشارك رؤساء الدول الست في إجتماع عبر تقنية الفيديو كونفرانس، للتباحث حول مبادرة الوساطة، وأعلنوا عزمهم زيارة روسيا وأوكرانيا -في أقرب وقت ممكن- للمساعدة في إيجاد حل للنزاع بين البلدين  وقد زار وفد الوساطة الأفريقية في منتصف شهر يونيو الماضي كلا من موسكو وكييف، والتقوا كلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي.

ويضيف أحمد عبده طرابيك: لم تلق المبادرة الأفريقية ردود فعل إيجابية في كل من موسكو وكييف في ذلك الوقت، وخلال القمة الروسية الأفريقية التي عقدت في مدينة سان بطرسبورج، عقد رؤساء المبادرة الأفريقية إجتماعاً علي هامش القمة، والتي شارك فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي، خاصة أن رئيس الوزراء مصطفي مدبولي هو من كان قد مثل مصر ضمن وفد الوساطة الأفريقية خلال زيارتها إلي كل من موسكو وكييف، وجدد القادة الأفارقة طرح المبادرة علي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أبدي استعداده للتعاطي مع المبادرة الأفريقية، وذلك تقديرا لجهود القادة الأفارقة، وللعلاقات القوية التي تربط بين روسيا و دول القارة الأفريقية.

ويوضح  طرابيك: ولكن علي الرغم من قبول الرئيس الروسي بوتين للتعاطي مع المبادرة الأفريقية، يبدو أنها لن تلق قبولا لدي الرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي يري أن الدول الأفريقية هي حليف مقرب لروسيا ومن ثم فإن مبادرتهم تصب في مصلحة روسيا حيث كان قد طلب من القادة الأفارقة خلال لقائهم في منتصف يونيو الماضي ضرورة وقف إطلاق النار وانسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية قبل الدخول في أي مفاوضات وهذا ما يعد إملاء لشروطه قبل الدخول في أي مفاوضات.

ويؤكد الباحث أحمد عبده طرابيك أن الدول الأفريقية مهتمة بإنهاء الأزمة الأوكرانية لسببين، الأول أن الاتحاد الأفريقي يري أنه أصبح عضواً فاعلاً في القضايا الدولية، ومن ثم يتطلب ذلك منه التفاعل والمشاركة في حل وتسوية هذه القضايا الدولية. والثاني: أن الدول الأفريقية هي من أكثر الدول تضرراً من الأزمة الأوكرانية بسبب وقف تدفق القمح والغذاء بشكل عام من أوكرانيا باعتبارها من أكثر الدول المصدرة للقمح إلي جانب روسيا.

تسوية الأزمة سلميا

ويؤكد الدكتور أحمد طاهر «رئيس مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية» أن المبادرة الأفريقية للوساطة في الأزمة الروسية الأوكرانية حلقة في سلسلة مبادرات عدة طرحتها العديد من الأطراف المعنية بتسوية الأزمة سلميا، إدراكا من جانبهم أن استمرارها يلقى بمزيد من الأعباء والتحديات على كاهل مختلف شعوب العالم، حيث تضرر الجميع من الأزمة وتداعياتها السلبية على مختلف القطاعات الحيوية وعلى الأخص الامن الغذائي والطاقة. وفى الحقيقة تتسق مبادرة الوساطة الافريقية في هدفها مع ما سبقها من مبادرات، حيث ترى أن التفاوض هو الطريق الأوحد للخروج من نفق الأزمة، وهو ما يتفق مع التوجهات السياسية المصرية في التأكيد على أن الحوار والتفاوض هما المسار لحل الخلافات وتسوية النزاعات ووقف الصراعات، وقد أكد على ذلك الرئيس عبد الفتاح السيسى في كلمته أمام القمة الروسية الأفريقية حينما أشار بشكل واضح إلى أن صياغة حلول مستدامة للصراعات القائمة في عالمنا اليوم، يتعين أن تتأسس على أهداف ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي بما في ذلك التسوية السلمية للنزاعات، مع الحفاظ على سيادة الدول ووحدة أراضيها. وفى الوقت ذاته مطالبا بضرورة الامتناع عن استخدام الأدوات المختلفة لإذكاء الصراع وتعميق حالة الاستقطاب، ومن بين ذلك توظيف العقوبات الاقتصادية خارج آليات النظام الدولي متعدد الأطراف.

ويضيف: ومن هذا المنطلق، تمثل المبادرة الافريقية للوساطة بين طرفى الأزمة نافذة جديدة يمكن أن تُبنى عليها للبدء في حلحلة الأزمة وتهدئة وتيرتها المتصاعدة، شريطة أن يدرك الطرفان أن الاستمرار في طريق الصراع العسكرى لن يجدى نفعا بل يُحملهما أعباء متزايدة وخسائر متفاقمة، فضلا عما تتحمله شعوب العالم، بما يستوجب ممارسة المزيد من الضغوط على طرفي الأزمة وخاصة الطرف الأوكرانى للجلوس إلى مائدة التفاوض بعيدا عن الضغوط الأمريكية والغربية التي يدفع ثمنها الشعب الأوكرانى. 

ويشير الدكتور أحمد طاهر إلى إن فرصة نجاح المبادرة الافريقية تظل رهنا بتوافر الإرادة السياسية لدى طرفى الأزمة وخاصة الطرف الأوكراني والأطراف الداعمة له، وإلا سيُصبح مصيرها مثل مصير سابقيها من المبادرات، وتستمر الأزمة بتداعيات أكثر تفاقما وإضرارا بالأطراف كافة. 

روسيا تعلن تصدير القمح مجانا لأفريقيا

ويرى الدكتور جمال زهران «أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة قناة السويس» أن المبادرة المطروحة للوساطة الأفريقية بين أوكرانيا وروسيا تحمل فى طياتها عدم النجاح لأن الخطاب الذى ألقاه بوتين فى القمة تضمن ثلاث نقاط تؤكد ذلك :
النقطة الأولى :أن النظام الدولى لابد أن يدخل فى مرحلة التعددية ومن ثما فإن السيطرة الأوروبية والأمريكية على أفريقيا وعلى النظام الدولى لابد أن تنتهى.
النقطة الثانية: الأضرار التى ترتبت على الحرب الروسية الأوكرانية ومنها أزمة الغذاء والطاقة قد أعلنت روسيا أنها قادرة على تعويض جميع الدول الأفريقية بلا تمييز عن شحنات المواد الغذائية وفى مقدمتها القمح الذى تصدره أوكرانيا ستقوم روسيا بتعويضها مجانا بلا مقابل.
النقطة الثالثة: روسيا لن تتخلى عن الدول الأفريقية وبمساعدة وتنسيق مع الصين فى زيادة التواجد الشرقى فى أفريقيا.

ويضيف الدكتور جمال زهران أن هذه النقاط الثلاث تقود إلى إستحالة نجاح أى وساطة أفريقية لأن الوساطة ستؤدى إلى توقف الحرب وإنتعاش الغرب ممثلا فى أوروبا وأمريكا وعودة الهيمنة الأمريكية والأوروبية على أفريقيا وهذا ليس فى صالح روسيا أو الصين ومن ثما فإن استمرار الأوضاع فى أوكرانيا على ما هى عليه فى صالح روسيا والصين بظهور نظام دولى جديد.

ويشير زهران إلى أن روسيا تمارس لعبة العلاقات العامة مع أفريقيا بحيث تظهر فى الصورة أمام العالم أنها داعمة لأى وساطة دولية لحل الأزمة ومنها الوساطة الأفريقية وهى تعرف النتيجة مسبقا وذلك إرتباطا بالمبادىء التى طرحتها روسيا وفى مقدمتها الإصرار الكامل على تخليق وتوليد نظام دولى متعدد الأقطاب وليس أحاديا.

ترشيحاتنا