مركز معلومات مجلس الوزراء يصدر تقريره حول الأمن الغذائي العالمي

صورة موضوعية
صورة موضوعية

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقرير حول الأمن الغذائي العالمي

يكمُن مفتاح الأمن الغذائي في الحصول المستمر والمنتظم على الغذاء الكافي كمًّا ونوعًا، وهو الهدف الذي يسعى العالم جاهدًا لتحقيقه بحلول عام 2030، حيث أعطى قضية تحقيق الأمن الغذائي والقضاء على الجوع أولوية على أجندة أهداف التنمية المستدامة، إلا أن الأزمات المتلاحقة التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة من جائحة كوفيد-19 والأزمة الروسية الأوكرانية، وما تبعهما من تداعيات على أسواق الغذاء والطاقة العالمية، قد غيّرت مسار الاقتصاد العالمي ودفعت أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، بما يُنذر باضطراب سلاسل إمداد الغذاء عالميا ويهدد بانعدام الأمن الغذائي خلال الفترة القادمة.

 

تداعيات جائحة كوفيد-19 على الأمن الغذائي العالمي:

 

كان لجائحة كوفيد-19 دور كبير في تدهور الأمن الغذائي العالمي، خاصة لدى الفئات السكانية الأكثر ضعفًا وفقرًا، وذلك نتيجة الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الجائحة، حيث يُشير تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لعام 2021إلى أن هناك ما بين (720) و(8١١) مليون شخص تعرضوا للجوع في عام2020 (ويُقصد به عدم الحصول على غذاء كافٍ للاحتياج اليومي والتعرض لخطر سوء التغذية )، في ظل انخفاض القدرة على تحمل تكاليف الغذاء المرتفعة.

 

وقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تزايد معدلات انعدام الأمن الغذائي العالمي نتيجة انخفاض الدخل واضطراب سلاسل توريد الغذاء، بالتزامن مع تزايد الطلب من قبل مستهلكي الغذاء، وما نتج عنه من ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية عالميا، كما تسببت الجائحة في الكشف عن أوجه الضعف والقصور بنظم الغذاء العالمية (بما يشمل كافة الأنشطة والعمليات ذات الصلة بإنتاج وتوزيع واستهلاك الغذاء)، إذ كان من الصعب تأمين الغذاء بسبب الانخفاض المفاجئ والكارثي في الدخل والعمالة، وهو ما أصاب كثيرًا من الاقتصادات النامية، وكذلك الاقتصادات المتقدمة.

 

ولا تزال حالة التدهور على صعيد الأمن الغذائي (يُقصد به توافر الإمكانية المادية والاجتماعية والاقتصادية للحصول على أغذية كافية ومأمونة ومُغذية تلبي الاحتياجات والتفضيلات الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية) عالميا ممتدة، حيث إنه وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، فقد تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى (276) مليون شخص مقارنة بمعدلات ما قبل الجائحة وحتى أبريل 2022، كما يتوقع البرنامج أنه بنهاية عام 2022 سيرتفع هذا العدد إلى (323) مليون شخص؛ نتيجة الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المُتفاقمة في جميع أنحاء العالم.

 

تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائي العالمي: 

 

على الرغم من ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الغذائية خلال الفترة السابقة للأزمة الروسية الأوكرانية، وذلك بسبب ظروف السوق، وارتفاع أسعار الطاقة والأسمدة وجميع الخدمات الزراعية الأخرى، فإن الصراع بين الدولتين قد أدى إلى تفاقم الأزمة.

 

الأثر على الأسعار والإمدادات:

 

وصل مؤشر أسعار السلع الغذائية لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إلى مستوى قياسي جديد في مارس 2022، بمعدل زيادة بلغ (12.6%) عن شهر فبراير، و(33.6%) مقارنة بمستواه في العام السابق. ويرجع ذلك إلى أن كلا الدولتين تعتبران لاعبين بارزين في سوق الغذاء العالمية، فهما من أهم منتجي ومصدري السلع الزراعية على مستوى دول العالم، وعلى رأسها القمح والذرة وزيت عباد الشمس. ففي عام 2021، شكلت صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا حوالي (30%) من السوق العالمية، واحتلت أوكرانيا المركز الرابع كأكبر مُصدر للذرة في العالم، بينما مثلت صادرات زيت عباد الشمس من كلا البلدين نحو (78%) من الإمدادات العالمية، بالإضافة إلى أن روسيا تُعد مُصدّرا رئيسيا للأسمدة، فقد اعُتبرت روسيا أكبر مُصدر للأسمدة النيتروجينية في العالم في عام 2021.

 

 

Source: The Importance of Ukraine and the Russian Federation for Global Agricultural Markets and the Risks associated with the War in Ukraine, FAO, June 2022 https://www.fao.org/3/cb9013en/cb9013en.pdf

تهديد الاقتصادات النامية: ستكون لهذه الأزمة آثار متعددة على إمدادات الغذاء بالأسواق العالمية، فهناك ما يقرب من (50) دولة تعتمد على روسيا وأوكرانيا لتوفير حوالي (30%) على الأقل من احتياجاتها من القمح، وهو ما يمثل تحديًا للأمن الغذائي للعديد من الدول، خاصة الدول منخفضة الدخل، كما ستتفاقم التهديدات التي تواجه الفئات السكانية الأكثر ضعفًا. ومن ثم، تحتاج تلك الدول لإعداد خطط طوارئ تتضمن الحصول على واردات من دول أخرى، لتعزيز مرونة استجابتها لتداعيات الأزمة الراهنة على أمنها الغذائي.

الأثر على حركة التجارة: علاوة على ما سبق، فقد تأثرت السياسات التجارية بالأزمة، حيث تزايدت القيود المفروضة من الدول على تجارة الأغذية، بما يشمل حظر تصدير المواد الغذائية أو إجراءات الحد من الصادرات، وذلك في محاولة لزيادة العرض محليا ومن ثم خفض الأسعار. وبالتالي، فإن الاضطرابات التي تشهدها صادرات الأغذية بفعل الأزمة بين البلدين سوف تتسبب في تقلص إمدادات الغذاء، وعدم القدرة على تلبية الطلب، وارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية نتيجة تغير الأنماط العالمية للتجارة والإنتاج والاستهلاك.

آثار ارتفاع أسعار الطاقة على الأمن الغذائي العالمي: 

 

يرتبط الأمن الغذائي ارتباطًا وثيقًا بأمن الطاقة -والذي بدوره تأثر سلبًا بفعل الأزمة الروسية الأوكرانية- إذ تعتمد عملية إنتاج الغذاء على الطاقة بشكل كبير في مختلف مراحلها، بداية من آليات الزراعة وتصنيع الأسمدة والمبيدات، وصولًا إلى الصناعات الغذائية. وبالتالي، فإن ارتفاع أسعار الطاقة والأسمدة يعني حتمًا ارتفاع تكاليف إنتاج الغذاء؛ مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ونتيجة لذلك، ستلجأ العديد من الشركات المنتجة للغذاء لخفض إنتاجها؛ لعدم القدرة على تحمل تكاليف الإنتاج المرتفعة، كما أنه من المحتمل أن تُعطي الحكومات الأولوية لأمن الطاقة في المنازل على حساب المصانع، مما يؤثر بالسلب على إنتاج الغذاء بسبب عدم توافر الطاقة الكافية لتلك الصناعة.

 

وتُشير تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن أسعار السلع الزراعية ستشهد ارتفاعًا بحوالي (18%) بنهاية العام الحالي، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأسمدة وحدها بنسبة (70%) بسبب هيمنة روسيا على سوق الأسمدة العالمي. ومن جهة أخرى، يؤثر سعر النفط على ما يصل إلى (64٪) من تحركات أسعار المواد الغذائية، لذا ستؤدي صدمات أسعار الطاقة إلى النقص المستمر في الغذاء، مما يُزيد من انعدام الأمن الغذائي. 

 

مؤشرات الأمن الغذائي العالمي:

 

 

المصدر: منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)- أكتوبر2022.

https://www.fao.org/worldfoodsituation/foodpricesindex/en/

مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لأسعار السلع الغذائية (FFPI):بلغ متوسط قيمة المؤشر نحو (136,3) نقطة في سبتمبر ٢٠٢٢، بانخفاض (١.٥) نقاط، أي (١.١%)، عن قيمته في أغسطس 2022، مسجلًا بذلك سادس انخفاض شهري على التوالي. وجاء انخفاض المؤشر في سبتمبر مدفوعًا بانخفاض حاد في الأسعار الدولية للزيوت النباتية وانخفاض متوسط في أسعار السكر واللحوم ومنتجات الألبان. فبالرغم من هذا الانخفاض، فإن مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار السلع الغذائية (FFPI) لا يزال أعلى من قيمته بمعدل (٧.٢) نقاط -أي (5.5 %)- مقارنة بالشهر المقابل من العام الماضي، كما انخفض المؤشر الفرعي لأسعار الحبوب بنسبة (١.٤%) عن أغسطس بسبب انخفاض الأسعار الدولية للقمح بنسبة (5,1%)؛ وذلك نتيجة تحسن آفاق الإنتاج في أمريكا الشمالية والاتحاد الروسي، وكذلك استئناف الصادرات من مواني البحر الأسود في أوكرانيا، إلا أن الانسحاب الروسي الأخير من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية هذا الأسبوع سوف يؤثر حتمًا على أسعار الحبوب.

مؤشر بيئة الأمن الغذائي (Food Security Environment index FSE): يُشير المؤشر إلى تدهور حالة الأمن الغذائي عالميا، فبعد أن بلغت قيمة المؤشر ذروتها في ٢٠١٩، أخذ المؤشر في الانخفاض منذ ذلك الحين نتيجة الصدمات التي تعرض لها النظام الغذائي العالمي خلال الفترة (٢٠٢٠-٢٠٢٢)، بما في ذلك جائحة كوفيد-19 وارتفاع أسعار السلع الغذائية. وقد انخفضت القيمة الإجمالية للمؤشر تأثرًا بالانخفاض في المؤشر الفرعي الخاص بتحمل تكاليف الحصول على الغذاء هذا العام، وقد انخفضت قيمة هذا المؤشر بنحو (4%) خلال الفترة ما بين ٢٠١٩-٢٠٢٢، وجاء هذا الانخفاض مدفوعًا بارتفاع تكاليف الغذاء التي صاحبت جائحة كوفيد-19 والأزمة الروسية الأوكرانية، إضافة إلى القيود المفروضة على حركة التجارة العالمية، إلى جانب انخفاض تمويل شبكات الأمن الغذائي.  

توقعات أسعار الغذاء وإنتاج الحبوب لسنة 2023 وأبرز التحديات:

 

تُشير توقعات وكالة "فيتش ريتنجز" الصادرة في أغسطس2022-أي قبل انسحاب روسيا من اتفاق السماح بتصدير الحبوب من أوكرانيا- إلى أنه من المرجح أن ينخفض تضخم أسعار الغذاء العالمية بشكل كبير في عام 2023، حيث بدأت أسعار الحبوب العالمية في الانخفاض في الفترة الأخيرة، مما يُزيد من احتمالية حدوث انخفاض في معدلات التضخم لأسعار الغذاء المُتضمنة بمؤشر أسعار المستهلكين العام المقبل. وتستند هذه التوقعات إلى عدة عوامل، من بينها: التفاؤل بشأن اتجاه دول أخرى لزيادة إنتاجها للحبوب، إذ تتجه أستراليا -على سبيل المثال- نحو إنتاج محصول وفير من القمح هذا العام

تتمثل المخاطر التي لا تزال تهدد أسعار الغذاء في ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بما ينعكس على أسعار الأسمدة، حيث إن الغاز الطبيعي يُعتبر أحد أهم مكونات صناعة الأسمدة؛ مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها ويؤثر سلبًا على المحاصيل الزراعية. هذا إلى جانب احتمالية عودة ظاهرة النينا (La Niña) المناخية في وقت لاحق من هذا العام، والتي يُصاحبها طقس أكثر برودة وتغيرات في أنماط الرياح والأمطار، بما يؤدي إلى اضطرابات في زراعة المحاصيل.

 

ويتسق ذلك مع توقعات منظمة الفاو بخصوص الإنتاج العالمي للحبوب خلال الفترة القادمة، والتي تتوقع انخفاضًا في الإنتاج بنحو (40) مليون طن مقارنة بالعام السابق. ويرتبط هذا الانخفاض بتوقعات انخفاض إنتاج الذرة في أوروبا بنسبة (16%) عن المستوى المتوسط لخمس سنوات، نتيجة لظروف الجفاف وموجات الحرارة القاسية التي تعاني منها القارة، بينما كانت تتوقع المنظمة انخفاضًا ضئيلًا في إنتاج القمح على مستوى العالم، إلا أن تلك التقديرات كانت قبل أن تنسحب روسيا من اتفاقية السماح بتصدير الحبوب من أوكرانيا، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على إمدادات وأسعار القمح وكافة الحبوب عالميا.

 

وختامًا، وفقًا للتحذيرات الأممية، فإنه من المتوقع أن يتهدد أكثر من (43) مليون شخص في (38) دولة حول العالم بشبح المجاعة، أو ما يشبه المجاعة، ما لم تُتح لهم المساعدات الإنسانية العاجلة، في ظل أزمة الغذاء العالمية الراهنة وما يصاحبها من ارتفاع أسعار السلع الغذائية والقيود التجارية المفروضة عليها ونقصان إمداداتها. هذا بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الطاقة والأسمدة، إلى جانب التبعات المستمرة لجائحة كوفيد-19، وأيضًا التقلبات المناخية وحالات الجفاف والصراعات الإقليمية، فقضية الأمن الغذائي تُعد تحديًا إنسانيا غير مسبوق، حيث إن كل تلك الأزمات الحادة والمتزامنة مع بعضها تزيد الوضع الغذائي العالمي سوءًا، وهو ما يتطلب تعزيز التنسيق العالمي وتوفير المساعدات اللازمة؛ للحد من الآثار التي تواجهها الدول والشعوب الأكثر احتياجًا، مع العمل على اتخاذ المزيد من الإجراءات للاستجابة والتصدي لخطر انعدام الأمن الغذائي عالميًا.

 

ترشيحاتنا