رغم من العقوبات الإقتصادية الدولية .. تعرف علي أسباب صمود الروبل الروسي

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

 

«ما فعله الروس عبقريٌّ للغاية، ولكنني أكره أنا أقول ذلك» هذا ما صرح به جاك برودجان الاقتصادي الأمريكي والرئيس السابق للبنك التجاري في شيكاغو

و يشير تحليل عرضه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء الي ان الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فرضت سلسلة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا الاتحادية منذ أن اجتاحت روسيا الأراضي الأوكرانية في الرابع والعشرين من شهر فبراير من العام الجاري؛ لتتراجع عن تلك العملية العسكرية، بالإضافة إلى ردع روسيا عن طريق إنهاك اقتصادها، ولا تقتصر تلك السلسلة على العقوبات الاقتصادية الجديدة في عام 2022 فحسب، بل إن هناك عقوبات اقتصادية مفروضة سابقًا على روسيا عقب سيطرتها على شبه جزيرة القرم عام 2014، وتعد العقوبات الجديدة أشد قسوة من سابقتها، والتي من أهمها: حظر نظام المدفوعات الدولي "سويفت" SWIFT عن البنوك الروسية من قِبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب ازدياد معدلات تخارج النقد الأجنبي الذي اقترن بخروج العديد من الاستثمارات الأجنبية من الاقتصاد الروسي، وحظر الاتحاد الأوروبي استيراد الفحم والحديد والأسمنت والأخشاب وبعض السلع التكنولوجية؛ حيث مثلت تلك العقوبات الحالية ردًا غير مسبوق من قِبل الولايات المتحدة وحلفائها على التطورات الحادثة في شرق أوروبا، وتعد أقسى عقوبات اقتصادية فُرضت على دولة في التاريخ الحديث، وكانت التوقعات تشير إلى أن "الروبل" سينهار عقب تلك العقوبات الغربية، لكن ما حدث هو العكس، فقد ازدادت قيمة الروبل لأفضل مستوى له منذ سبع سنوات.

التخلي عن الدولار والتوجه نحو الذهب:

قام البنك المركزي الروسي بإصدار قرار ينص على تثبيت أسعار الذهب مقابل الروبل في نهاية مارس 2022، فقد حدَّد جرام الذهب بنحو خمسة آلاف روبل لكل سبيكة ذهب، ما ربط العملة الروسية بالذهب، وجعل الروبل مستقلًا عن هيمنة الدولار الأمريكي على الرغم من بلوغ الاحتياطات الأجنبية الروسية نحو 600 مليار دولار أمريكي.

وتجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي الروسي غير قادر على استغلال نصف ممتلكاته بالخارج؛ بسبب تلك العقوبات، وتعد روسيا من أبرز الفاعلين في أسواق الذهب العالمية؛ حيث إنها ثاني أكثر دولة في العالم خلف الصين في تعدين الذهب بنسبة تبلغ نحو 9.5%، بالإضافة إلى ذلك، فقد عزمت الولايات المتحدة وأعضاء مجموعة السبع على حظر الذهب في نهاية يونيو الماضي؛ لأنهم أدركوا أن الذهب الروسي من أهم عوامل صمود الروبل أمام الدولار، ولكي ترضخ روسيا أمام العقوبات على الرغم من أن شحنات الذهب الروسية تربطها علاقة وثيقة بأكبر مركزين تجاريين في العالم هما مركزا لندن ونيويورك؛ حيث صدَّرت روسيا ذهبًا قيمته الإجمالية نحو 15 مليار دولار أمريكي إلى المملكة المتحدة فقط عام 2021.

ويوضح الشكل التالي التغير في سعر صرف الروبل مقابل الدولار بعد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الروسية؛ لتعزيز قيمة الروبل، والحد من تدهور العملة الروسية عقب فرض العقوبات الاقتصادية:

 شكل رقم (1) سعر صرف الروبل الروسي مقابل الدولار الأمريكي خلال الفترة (فبراير – يوليو 2022) 

المصدر: البنك المركزى الروسي

ويلاحظ أن سعر صرف الروبل الروسي مقابل الدولار الأمريكي بلغ قبل بدء الأزمة في الأول من شهر فبراير نحو 77.47 روبل مقابل دولار أمريكي واحد، وبعد بدء الأزمة بلغ نحو 93.56 روبل مقابل دولار أمريكي واحد في الأول من شهر مارس بزيادة نسبتها نحو 20.76%، واقترنت الأزمة بعقوبات عديدة على الاقتصاد الروسي، وكان من المفترض أن يهوي الروبل سريعًا، لكن ما حدث هو عكس التوقعات السائدة بانخفاض قيمته أمام الدولار الأمريكي؛ حيث شرعت قيمته في الأشهر اللاحقة في الازدياد أمام الدولار الأمريكي، ليبلغ أوج قوته في الأول من شهر يوليو فبلغ نحو 52.51 روبل لدولار أمريكي واحد، وتحسنت أسعار صرف الروبل أمام الدولار الأمريكي أفضل من مستويات ما قبل اندلاع الأزمة، واستطاع البنك المركزي الروسي الحفاظ على قيمته.

ارتفاع أسعار الطاقة طوق نجاة الروبل:

ساعدت صادرات المنتجات البترولية والغاز على زيادة التدفقات إلى الاقتصاد؛ حيث قدرت وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الصادرات الروسية من الغاز والنفط بنحو 20 مليار دولار أمريكي ونسبة نمو تقدر بنحو 11% فقد ساهم ارتفاع أسعار الطاقة عالميًّا في زيادة عوائد صادرات الطاقة الروسية؛ حيث قفز سعر برميل البترول ليبلغ نحو 120 دولارًا في يونيو 2022، كما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية، ورغم العقوبات الغربية التي استهدفت الحد من الواردات والصادرات الروسية، زادت الصادرات الروسية وتحديدًا صادرات الطاقة التي ارتفعت أسعارها؛ مما ساعد ذلك على تحقيقها فائضًا في الميزان التجاري بنحو 96 مليار دولار أمريكي حتى شهر أبريل عام 2022.    

إلى جانب ذلك عمدت الحكومة الروسية إلى تحفيز الطلب على عملتها من خلال طرق عديدة؛ أهمها إعلانها في الأول من شهر أبريل عن حزم قرارات تمس أهم القطاعات التصديرية الروسية التي تمس قطاع الطاقة بشكل كبير؛ نظرًا لاعتماد أوروبا بشكل رئيس على صادرات الطاقة الروسية، والتي تشمل الغاز الطبيعي و النفط، حيث تنص على أن تصدير الغاز والنفط إلى الدول غير الصديقة سيكون بالروبل بدلًا من اليورو، والدول التي لن تلتزم بدفع مستحقات صادرات الغاز ستقوم موسكو بوقف إمدادات الغاز عنها، بخاصة الدول الأوروبية المناهضة لغزوها لأوكرانيا، وفي بادئ الأمر رفضت بعض الدول تلك الضغوط الروسية، وأبرز تلك الدول بولندا، وبلغاريا اللتان رفضتا القيام بالدفع، وتم وقف الإمدادات عنهما يوم 27 من أبريل، إلى جانب إيقاف روسيا الإمدادات عن فنلندا يوم 28 من شهر أبريل.

وعلى النقيض أذعنت دول أوروبية أخرى للقرار الروسي؛ نظرًا لأن نحو 40% من استهلاك الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي يأتي من روسيا، وقامت شركات الطاقة الأوروبية بفتح حسابات مصرفية في بنك "غازبروم" الروسي بالعملة المحلية الروسية؛ لاستئناف استيراد الطاقة الروسية وتجنب قطع الإمدادات، وأبرز تلك الشركات (يونيبير الألمانية، وإيني الإيطالية، و إنجي الفرنسية) وفي نهاية أبريل كانت هناك أربع دول أوروبية تقوم بالدفع بالروبل الروسي لشراء الغاز؛ مما ساعد على زيادة الطلب على الروبل، وعزَّز من قيمته، وخفَّف من وطأة العقوبات على الرغم من أن تلك الدول سالفة الذكر كلها أعضاء في الاتحاد الأوروبي، والذي اشترك مع الولايات المتحدة في العقوبات الاقتصادية، لكن قطاع الطاقة لم يشهد عقوبات كثيرة؛ نظرًا لحاجة الدول الأوروبية الماسة إلى الطاقة الروسية، وصعوبة توفير بدائل سريعة وبتكلفة قليلة؛ نظرًا لارتفاع أسعار الطاقة بشكل حاد.

خفض سعر الفائدة مع زيادة قيمة الروبل:

قام البنك المركزي الروسي بتخفيض أسعار الفائدة على أربع مراحل كان آخرها في العاشر من يونيو الماضي عندما خفض سعر الفائدة من 11% إلى 9.5% بواقع 150 نقطة أساس؛ وذلك للاستفادة من صعود قيمة الروبل التي أخذت في الازدياد، والذى صاحبه زيادة نسبية في معدلات التضخم لكن بوتيرة بطيئة، ويرجع سبب خفض سعر الفائدة المتعاقب خلال شهري أبريل ويونيو إلى سعي المركزي الروسي لزيادة الموارد الائتمانية المتاحة والتقليل من انكماش الاقتصاد الروسي، وبالتالي استقرار الاقتصاد الروسي الذي في النهاية سينعكس على قيمة الروبل؛ حيث إن البنك المركزي الروسي يتبع سياسة نقدية توسعية، لكن تزداد احتمالات ارتفاع معدلات التضخم؛ لأن المعدلات الحالية بلغت نحو 17 % في يونيو 2022، خاصةً مع انخفاض المخزون من السلع الاستراتيجية المستوردة، والتي من المتوقع ازدياد الطلب عليها مستقبلًا، وإذا توافرت السلع سيزداد سعرها؛ مما يزيد من توقعات زيادة معدلات التضخم في ظل فرض الدول الغربية حظر تصدير لبعض المنتجات الحيوية إلى روسيا، وزيادة تكلفة البدائل.

وختامًا: نستنتج أن السياسة النقدية التي اتبعتها روسيا خلال الفترة الوجيزة التي أعقبت الحرب، إلى جانب تضخم الأسعار العالمي، قد أتى ثماره في صمود الروبل الروسي، وخففت من وطأة العقوبات الاقتصادية، لكن لا يعني ذلك قوة الاقتصاد الروسي؛ لأنه تأثر بشدة جراء تلك العقوبات التي انعكست عليه بالسلب، ويبقي التساؤل إلى متى ستصمد روسيا بقيادة بنكها المركزي في استمرار الحفاظ على استقرار سعر صرف الروبل مقابل الدولار الأمريكي مع استمرار العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب عليها يومًا تلو الآخر؟!

 

ترشيحاتنا