هدرُ الطعام سبب رئيسي للجوع حول العالم

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

 

ترتبط الاحتفالات والمناسبات بشكل عام بالموائد العامرة والتجمعات الأسرية، وأبرز مثال على ذلك شهر رمضان المبارك، فعلى الرغم من أن لهذا الشهر الكريم غاياتٍ ومقاصدَ عديدة، يُعدُّ منها الاعتدال وعدم الإسراف، فإنه يتم هدر كميات كبيرة من الطعام خلاله؛ بسبب الإسراف في الطعام.

ووفقًا لتقديرات تقرير "مؤشر إهدار الطعام" الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2019، فقد تم إهدار 931 مليون طن من المواد الغذائية على مستوى العالم من قِبل الأسر، وتجار التجزئة، والمطاعم (تكفي لملء 23 مليون شاحنة حمولة 40 طنًّا) خلال عام 2019، وهو ما يمثل 17٪ من إجمالي الغذاء المتاح للمستهلكين.

ووفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنيَّة بتغير المناخ (IPPC)، فإن إجمالي الفاقد والمُهدَر من الأغذية يبلغ نحو 25-30٪ من إجمالي إنتاج الغذاء، وهو يمثل ما يقرب من 30٪ من مساحة الأراضي الزراعية في العالم.  بالإضافة إلى ذلك، فإن إنتاج الغذاء الذي ينتهي به الأمر إلى النفايات، يستهلك ربع استخدام المياه العذبة الزراعية في العالم، ويُولِّد من 8-10٪ من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة التي يتسبَّب فيها الإنسان.

جدير بالذكر أن الكميات الكبيرة التي تُفقد وتُهدر من الطعام كل عام لها أيضًا آثار بيئية؛ منها: تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وتلوث البحار والهواء، واستخدام موارد الأرض والمياه.

وفيما يتعلق بالتكلفة الاقتصادية، فوفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، يبلغ إجمالي تكاليف الفاقد والمُهدر من الأغذية 1 تريليون دولار أمريكي سنويًّا بأسعار 2012 (أي ما يساوي الناتج المحلي الإجمالي لدولة هولندا)، مع تكاليف بيئية تبلغ 700 مليار دولار أمريكي، وتكاليف اجتماعية تبلغ 900 مليار دولار أمريكي.

 وتعود مشكلة هدر الطعام إلى عدة عوامل؛ منها عوامل اقتصادية و خاصه الدخل فالعلاقة السببية بين الدخل وهدر الطعام هي واحدة من المجالات التي تُظهر فيها البحوث والبيانات نتائج متباينة؛ حيث إن الأسر ذات المستويات المعيشية المرتفعة عادةً ما تنفق حصة أقل من إجمالي دخلها على الغذاء، وبالتالي قد يُنظر إلى الغذاء على أنه أقل قيمة (بالنسبة إلى قيمة الاستهلاك الإجمالي) وبالتالي أكثر عُرضة للإهدار، وبالتالي، فإنه في الدول ذات الدخل المرتفع مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وسنغافورة، تقل حصة دخل الأسرة التي يتم إنفاقها على المواد الغذائية عن 10٪، بينما في البلدان النامية غالبًا ما تكون الحصة أعلى من 40٪ ، كما في نيجيريا، وكينيا، والكاميرون، وكازاخستان، ومع ذلك، لا يمكن تحديد أي علاقة ارتباط بين الدخل أو مستوى المعيشة ومخلفات الطعام بشكل واضح.

الصدمات الاقتصادية: الصدمات الخارجية أو حالات الطوارئ مثل جائحة COVID-19 والتي كان لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي ككل، وكذلك على أنظمة الغذاء والمستهلكين؛ فقد أحدث فيروس "كورونا" تحوُّلًا في أنماط حياة الأفراد بسبب الإغلاق، أو تخزين المواد الغذائية الأساسية، أو صدمات الدخل المؤقتة أو الدائمة، وتؤثر كل هذه العوامل بشكل كبير على توفير الغذاء وأنماط الاستهلاك.

و كذلك العوامل الثقافيةو يبدو أن العوامل الثقافية هي الأخرى تلعب دورًا مهمًّا في أنماط هدر الطعام بين المستهلكين، فعلى الرغم من أن الثقافة تشكل الأعراف والقيم الاجتماعية للمجتمع، والتي تؤثر على دوافع الأفراد للحد من هدر الطعام، بالإضافة إلى ممارساتهم في مشاركة الطعام أو التبرع به لتجنُّب الهدر، فإن الدراسات تظهر أيضًا أن هدرًا كبيرًا من الطعام ينتج خلال المناسبات الدينية والاجتماعية على مستوى العالم؛ فخلال شهر رمضان، على سبيل المثال، تشير الأبحاث إلى أن ما بين 25٪ إلى 50٪ من الطعام المعدّ للتجمعات الدينية يُهدر، وقد لوحظت أنماط مماثلة في مناسبات أخرى، مثل حفلات أعياد الميلاد والزفاف.

ولكن على الجانب الآخر، واستنادًا إلى التوقعات الحالية لمؤشر الجوع العالمي، فإن العالم ليس على المسار الصحيح لتحقيق هدف "القضاء على الجوع" بحلول عام 2030؛ حيث سيفشل العالم ككل - و47 دولة على وجه الخصوص - في تحقيق مستوى منخفض من الجوع بحلول عام 2030، ويرجع ذلك لعدة عوامل، أبرزها: الصراعات، وتغير المناخ، ووباء COVID-19.

وعلى الرغم من أن الجوع العالمي آخذ في الانخفاض منذ عام 2000، فإن التقدم يتباطأ؛ ففي حين انخفض مؤشر الجوع العالمي بمقدار 4.7 نقاط من 25.1 إلى 20.4، بين عامي 2006 و2012، فقد انخفض 2.5 نقطة فقط منذ عام 2012 وحتى الآن، وبعد عقود من التراجع، فإن الانتشار العالمي لنقص التغذية -أحد المؤشرات الأربعة المستخدمة لحساب مؤشر الجوع -آخذ في الازدياد.

وفي كل من إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا، يعد الجوع مشكلة خطيرة؛ ففي إفريقيا يوجد في جنوب الصحراء أعلى معدلات نقص التغذية، وتقزُّم الأطفال، ووفيات الأطفال مقارنة بأي منطقة في العالم، بينما في مناطق أوروبا، وآسيا الوسطى، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، وشرق وجنوب شرق آسيا، وغرب آسيا، وشمال إفريقيا، تكون مستويات الجوع منخفضة أو معتدلة.

ووفقًا لمؤشر الجوع العالمي لعام 2021، يعاني بلد واحد، الصومال، من مستوى مقلق للغاية من الجوع، وقد وصل الجوع إلى مستويات مقلقة في 5 دول، وهي: جمهورية إفريقيا الوسطى، وتشاد، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية مدغشقر، واليمن، وقد تم تصنيف 4 دول أخرى مؤقتًا على أنها مثيرة للقلق، وهي: بوروندي، وجزر القمر، وجنوب السودان، وسوريا.

كما تم تحديد الجوع على أنه حالة خطيرة في 31 دولة، ومنذ عام 2012 ازداد الجوع في 10 بلدان ذات مستويات جوع معتدلة أو خطيرة أو مثيرة للقلق؛ مما يعكس في بعض الحالات ركودًا في التقدم، ويشير في حالات أخرى إلى ازدياد الوضع هشاشةً.

ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتضيف بُعدًا جديدًا خطيرًا لمشكلة الأمن الغذائي؛ فقد تؤدي الأزمة إلى انخفاض المساحات المزروعة وبالتالي نقص المحاصيل، وهناك قلق من تأثير الصراع على الزراعة في جميع أنحاء العالم؛ فروسيا وأوكرانيا مورِّدان كبيران لمكونات الأسمدة المهمة، بما في ذلك الغاز الطبيعي والبوتاس.

ونتيجة لكل هذا، سيتم إنفاق نصيب أكبر بكثير من الدخل على الطعام خاصة في الشرق الأوسط وإفريقيا وأجزاء من آسيا؛ حيث يعتمد حوالي 800 مليون شخص بشكل كبير على قمح البحر الأسود.

أيضًا واجه برنامج الأغذية العالمي زيادةً بنسبة 30% في تكلفة القمح قبل الأزمة الروسية الأوكرانية؛ بسبب انخفاض كمية المحاصيل في كل من كندا، والولايات المتحدة، والأرجنتين، كما صرح " برنامج الأغذية العالمي" بأنّ الزيادة الأخيرة في أسعار الحبوب، ستحدّ من قدرته على تقديم المساعدات للبلدان الفقيرة. واعتبارًا من 24 مارس 2022، ارتفع مؤشر أسعار السلع الزراعية بنسبة 32٪ على أساس سنوي، وارتفعت أسعار الذرة والقمح بنسبة 37٪ و79٪ على التوالي، على أساس سنوي.

وأخيرًا نذكِّر أنفسنا وإياكم بالحفاظ على الطعام وعدم هدره .... ورمضان كريم.

ترشيحاتنا