هل أخفقت أوروبا في طرق أبواب الحل بليبيا ؟؟

صورة أرشيقية
صورة أرشيقية

أربعة دوافع أوروبية للاهتمام بليبيا، تتقاطع مع ثلاثة خيارات أخيرة لدول التكتل، بعد فشلها في التوافق على رؤية موحدة بشأن الملف "المعقد".

فبحسب دراسة أعدها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، فإن الأزمة الليبية التي أتمت عقدها الأول بانتهاء عام 2021، وما زالت مستمرةً في التأرجح بين التسوية المُعطلة واحتمالات الارتداد لميادين المواجهة، تحتل صدارة أجندة أعمال دول أوروبا، نظرًا لتداعياتها الخطرة على أمن القارة العجوز التي لا تبعد أكثر من 200 كلم عن الشواطئ الليبية.

وقال المركز الأوروبي (مؤسسة مستقلة)، في الدراسة التي نشرها اليوم الأربعاء، إن محاولات الأوروبيين فشلت في الظهور بمظهر الكتلة المتماسكة والمتجانسة حيال التطورات في ليبيا؛ ففرنسا وإيطاليا اللتان كانتا متحمستين لإنهاء حكم القذافي، وجدتا نفسيهما في خلاف بيني واضح حول تطويع الميليشيات المنفلتة.

أما موقف بريطانيا الذي يطالب بتطبيق حظر تصدير السلاح بشكل كامل إلى ليبيا، واحترام قرارات مجلس الأمن الدولي في هذا الصدد، فتقاطع في جوهره مع الموقف الألماني المطالب بضرورة وقف إطلاق النار، واستبعاد الحل العسكري للصراع، والدفع نحو إيجاد حل سياسي جذري للأزمة.

4 دوافع أوروبية
وأكد المركز الأوروبي، أن دول الاتحاد الأوروبي لديها 4 دوافع للاهتمام بالملف الليبي؛ أولها أن ليبيا هي الحديقة الخلفية لدول الاتحاد، التي أدى وقوفها موقف المتفرّج في تعاطيها مع الملف خلال السنوات الماضية إلى إيجاد فراغ مكّن دولاً من تعزيز حضورها في الأراضي الليبية، ما شكل تهديداً مباشراً لدور الاتحاد وخطراً على فقدان نفوذه الجيوسياسي في منطقة شمال أفريقيا.

أما الدافع الثاني لزيادة الاهتمام بالأزمة الليبية؛ فيتمثل في الخوف الأوروبي من انتقال الجماعات "الإرهابية" إلى دول القارة العجوز، على اعتبار قرب المسافة بين المنطقتين، لاسيما أن دول الاتحاد الأوروبي لم تعد تحتمل أكثر التهديدات الأمنية المتزايدة على أراضيها من طرف الحركات الإرهابية، بحسب المركز الأوروبي للدراسات.

وهو ما عبر عنه الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، نائب رئيس الاتحاد جوزيب بوريل، في رسالة إلى المجلس الرئاسي الليبي في 22 ديسمبر2021 ، أكد فيها على أن أمن أوروبا وازدهارها مترابطان بشكل أساسي مع أمن وازدهار ليبيا.

الهجرة غير الشرعية
ثالث الدوافع هو وقف تصاعد تدفقات الهجرة غير الشرعية غير الخاضعة للرقابة من وإلى البلاد وكذلك الحد من انتشار شبكات الإتجار المسلحة التي أدت إلى ظهور آثار غير مباشرة ليس فقط على الدول المجاورة ولكن شمال وجنوب المتوسط بأكمله؛ لتصبح التحديات الأمنية في ليبيا مفهوماً غير قابل للتجزئة تؤدي بآثار مباشرة وغير مباشرة على الترابط بين الأمن الأوروبي والمتوسط.

فيما يكمن الدافع الرابع وهو "الأهم"، في الصراع على الحصول على مصادر الطاقة والموارد الطبيعية الموجودة في ليبيا، بحسب المركز الأوروبي، الذي قال إن دول الاتحاد تحاول من خلال اهتمامها بالأزمة الإبقاء على التوازنات الإقليمية في استغلال موارد الطاقة، ومنع الفاعلين الجدد من كسر النفوذ الطاقوي الأوروبي في ليبيا.

وكانت وكالة الطاقة الأمريكية كشفت عن ارتفع احتياطي النفط الليبي من 48 مليارًا إلى 74 مليار برميل، لتحتل بذلك المركز الخامس عالمياً، ما رفع المخزون الاستراتيجي من الطاقة، العمر الافتراضي لإنتاج ليبيا النفطي من 70 إلى 112 عاماً.

3 مبادرات أوروبية
تلك الدوافع، جعلت الاتحاد الأوروبي، يقدم مبادرات لحلحلة الأزمة، وهو ما بدا واضحًا في مؤتمري برلين الأول في 19 يناير/كانون الثاني 2020، والذي أكد أن لا حلاً عسكريا للنزاع، وكذلك احترام حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة عام 2011 على ليبيا، وهو نفس الذي أكد عليه مؤتمر برلين 2 الذي عقد في 23 يونيو 2021، إضافة إلى التأكيد على إجراء الانتخابات والانسحاب الفوري للمرتزقة الأجانب من ليبيا.

ثالث تلك المبادرات، اكتملت بمؤتمر باريس حول ليبيا، الذي استضافته العاصمة الفرنسية في 12 نوفمبر2021، والذي جرى التأكيد فيه على تنفيذ أولويات الاستحقاقات المرحلية المتمثلة في إنجاز الانتخابات الليبية الرئاسية والتشريعية، ودعم اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) التي تتولى ملف إجلاء المرتزقة والمقاتلين الأجانب.

ورغم تلك المبادرات وذلك الاهتمام، إلا أن المركز الأوروبي، قال إن الاتحاد "فشل" في وضع سياسة خارجية شاملة وموحدة تجاه ليبيا على مدى العقد الماضي؛ لأن الانقسامات بين فرنسا وإيطاليا تجعلهما في موقع التنافس بدلًا من التحالف.

3 خيارات أخيرة
وأكد أن المسارات الأممية الجديدة تعتبر فرصة للأوروبيين لإعادة الإمساك بخيوط الأزمة الليبية، بعد أن فقدتها وفقدت أيضاً القدرة على التحكم في مجريات الأوضاع هناك لفائدة دولة أخرى لم تكن لها مكانة كبيرة في ليبيا إلى وقت قريب، إلا أنه أشار إلى أن ذلك الخيار لن يكون بالسهولة المتوقعة.

وأشار المركز الأوروبي إلى أن دول التكتل باتت أمام ثلاث خيارات لحل الأزمة؛ أولها مقايضة الحضور العسكري أو تقليصه بمصالح اقتصادية في ليبيا ضمن خطط إعادة البناء أو عقود الطاقة، حال رفض الدول سحب مرتزقتها من الأراضي الليبية.

الخيار الثاني، بحسب المركز الأوروبي، فرض عقوبات على الدول أو المجموعات أو الشخصيات غير المتعاونة في ملف سحب المرتزقة.

وقال المركز الأوروبي، إن الخيار الثالث، هو الإعداد لمؤتمر آخر بعد برلين وباريس يركز على ملف المرتزقة، إلا أنه سيكون "غريبًا" بالأساس يكون هدفه مباشراً في ممارسة ضغط ميداني وخطط عسكرية لإخراج المرتزقة.

حسابات خاطئة
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، إن "فشل الاتحاد الأوروبي في تحديد رؤية وسياسة موحدة تجاه ليبيا وجد بداياته منذ 2011".

وأشار إلى أن ما وصفه بـ"الحسابات الخاطئة" لباريس التي اعتقدت أنها ستحصل على حصة الأسد من الكعكة الليبية، استدركته بعد فوات الأوان، مما أدى إلى انقسام الموقف الأوروبي ليس فقط بين فرنسا وإيطاليا فحسب، بل ألمانيا أيضا التي عبرت عن مواقف مخالفة لباريس.

وأوضح المحلل الليبي أن الانقسام أدى إلى تهميش الدور الأوروبي أمام سطوة النفوذ الأمريكي على العملية السياسية في ليبيا حاليا، مع احتفاظ بريطانيا على هيمنتها على قطاع النفط والمال الليبي، من خلال زرع شخصيات ليبية موالية لها.

وحول الخيار الذي طرحه المركز الأوروبي بفرض عقوبات، قال المرعاش إن خيار فرض عقوبات أوروبية على كيانات أو شخصيات ليبية تعرقل أي تقدم لسحب المرتزقة، يواجه نفس الانقسامات بين دول الاتحاد الأوروبي؛ فما تنادي به فرنسا تتحفظ عليه بشدة ألمانيا وإيطاليا وهو ما كان السبب في فشل عملية إيريني الأوروبية في تنفيد قرار مجلس الامن الدولي بحظر توريد وتهريب السلاح لليبيا.

طريق شائك
وأوضح المحلل الليبي، أن المسارات الأممية لن تكون طريقا سهلة لأي دولة تسعى لدخول الملف الليبي دون موافقة الدول الكبرى، باعتبار أن البعثة الأممية هي انعكاس لإرادة الدول الكبرى التي تتحكم في جلسات مجلس الأمن.

أما بشأن خيار اغتنام فرصة المسارات الأممية، فقال المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، إن الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وبدرجة أقل ألمانيا تقود الملف الليبي، مشيرًا إلى أن كل دولة تسعى لاستخدام "بيادقها" لتثبيت أقدامها في ليبيا.

وأشار إلى أن ملف المرتزقة من أكثر الملفات تعقيدا ولا يمكن حله إلا برغبة حقيقية من الدول التي كانت سببا في جلب هؤلاء المرتزقة، متوقعًا عدم خروج نتائج إيجابية بشأن أي مؤتمر سيعقد.