نصف قرن على «ثرثرة فوق النيل».. ماذا تغير في السينما والمجتمع؟

tharthara
tharthara

في سنة 1971 عُرض فيلم «ثرثرة فوق النيل» للمخرج الكبير حسين كمال، عن قصة نجيب محفوظ وسيناريو ممدوح الليثي، بطولة عماد حمدي وأحمد رمزي وميرفت أمين وسهير رمزي وعادل أدهم وماجدة الخطيب وغيرهم من النجوم.

ويحكي الفيلم عن مجموعة من رموز المجتمع يجتمعون يوميًا في «عوامة» على النيل يملكها الممثل رجب القاضي، لتدور بينهم أحاديث عن المجتمع الذي كان خارجًا لتوه من رحم هزيمة 1967، ليعبروا جميعًا عن إحباطهم، وهروبهم من هذا الواقع، عن طريق المزاج.

أبرز ضيوف العوامة هو أنيس زكي الموظف بوزارة الصحة والذي قام بدوره «عماد حمدي»، والذي كان على الدوام غائبًا عن الوعي، يتعرف على الممثل رجب القاضي «أحمد رمزي»، والذي يعرفه بدوره على المجموعة التي يقضي معها كل وقته في «العوامة» المطلة على النيل، ويصير أنيس جزءًا من هذه المجموعة التي تعيش في عالمها الخاص بعيدًا عن الواقع.

من بين أفراد المجموعة سنية «نعمت مختار» التي تحاول التنفيس عن غضبها بعد اكتشافها لخيانة زوجها، وكذلك سمارة «ماجدة الخطيب» الصحفية دائمة الانتقاد لكل شيء، وسناء «ميرفت أمين» الطالبة الجامعية التي تقاسي من إهمال والديها نحوها، وخالد عزوز «صلاح نظمي» الكاتب والأديب المعروف، وامبراطور المملكة على السيد «عادل أدهم» الناقد الفنى الكبير، والمحامي الشهير مصطفى راشد «أحمد توفيق».

و«ثرثرة فوق النيل» من العلامات المهمة في تاريخ السينما المصرية، ليس فقط لأنه يحتل المركز رقم 48 في قائمة أفضل 100 فيلم مصري حسب استفتاء الكتاب والنقاد، ولكن أيضًا لقيمته المضافة فنيًا (على مستوى الكتابة والإخراج والتمثيل)، واجتماعيًا لا سيما أنه أحد أهم الأفلام التي اقتربت من واقع المجتمع المصري بعد الهزيمة، غير مكتفية بالرصد والتحليل، بل بالمحاكمة أيضًا، حيث يعتبر الفيلم صرخة في وجه زمن الهزيمة التي جعلت المجتمع يكفر بكل ما آمن به طوال سنوات الستينيات.

السينما أيام «ثرثرة فوق النيل» كانت تعاني - بشكل نسبي - من حيث الكم، مقارنة بما قبل 1967، لكنها شهدت ظهور مخرجين كبار، يمثلون الموجة الجديدة في السينما المصرية، ومنهم حسين كمال مخرج الفيلم، ومجايلوه سعيد مرزوق وعلي عبدالخالق وخليل شوقي، وهي الموجة التي استطاعت أن تطرق موضوعات مختلفة في السينما، وبشكل مختلف عن ما كان سائدًا فيما قبلهم.

حركة التاريخ السينمائي في مصر منذ هذا التاريخ، وفي خلال نصف قرن كامل، شهدت تغييرات كبيرة للغاية، فبعد سنوات قليلة من «ثرثرة فوق النيل» ظهرت موجة من الأفلام المصرية المصورة في لبنان والكويت وتركيا وغيرها من البلاد، إثر تراجع حاد في الإنتاج بمصر، وتراجع أكبر في الذوق العام مع الانفتاح. وفي بداية الثمانينيات وأوائل التسعينيات كانت ظاهرة أفلام المقاولات، وإلى جوارها أفلام لا تخلو من جدية ومغامرة واضحة، ولكنها بالمقارنة الرقمية كانت أقل بكثير من نظيرتها التي سميت بـ«المقاولات». وفي نهاية التسعينيات ظهرت قنبلة «إسماعيلية رايح جاي»، ومن بعدها موجة الأفلام الشبابية، ومن بعدها موجة أفلام السبكي، وصولًا إلى زمن نتحسس فيه القيمة والشكل الفني المميز، قريب الشبه من سينما العالم المتقدم.

أما مجتمعيًا، فبعد «ثرثرة فوق النيل» ضربت المجتمع رياح النصر الكبير في أكتوبر على كافة المستويات، ولكنها لم تُقاوم عاصفة الانفتاح، التي ربما عانى منها المجتمع لمدة سنوات طويلة، اختلت معها التركيبة الاجتماعية في مصر وتآكلت الطبقة الوسطى، حتى ظهرت مع نهاية التسعينيات طبقة المستهلكين رواد سينما المولات، الذين تأثروا كثيرًا مع فترة عدم الاستقرار قبل 10 سنوات.

لقد مر على السينما والمجتمع كثير من المتغيرات منذ صدور فيلم «ثرثرة فوق النيل»، متغيرات تواكب نصف قرن كامل في تاريخ مصر.

ترشيحاتنا