بسبب مختبراتها البيولوجية في كييف.. واشنطن في قفص الاتهام

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

 

دينا توفيق

بين محاولات لإخفاء الحقيقة أو تكذبيها أو الترويج لها وكأنها شائعة لتستخدمها الأطراف المتصارعة لتشويه صورة كل طرف للآخر أمام المجتمع الدولى فى أوقات التوترات السياسية؛ تضل الحقائق طريقها خاصة مع وجود تلاعب سابق من قبل الإعلام الغربى وسعيه لاستخدام أحداث سابقة لإشعال الأزمة وتشتيت الانتباه عما تقوم به حكوماتها وتوجيه الرأى العام إلى ما يخدم مصالحها.. براعة فى استغلال الأحداث ولتمرير مخططها ومن ثم تحقيق أهدافها، حتى وإن كان الثمن أرواح الشعوب التى تزهق مرة بالقذائف والدبابات وأخرى بالأمراض.

 

مع بدء العمليات العسكرية الروسية على أوكرانيا خلال فبراير الماضى، انتشرت معلومات عن امتلاك الولايات المتحدة مختبرات بيولوجية فى كييف الأوكرانية وتمويلها لأبحاث مسببات الأمراض هناك، بالإضافة إلى أنشطة المختبرات الأمريكية فى 30 دولة. وبدلًا من محاولة توضيح الأمر وإثبات الحقيقة، جاءت تصريحات المسئولين الأمريكيين لتثير القلق داخل المجتمع الدولى؛ خاصة مع تضاربها، حيث وصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض «جين ساكى» المزاعم الروسية بأنها «حملة تضليل». فيما أكدت وكيلة وزارة الخارجية للشئون السياسية «فيكتوريا نولاند» خلال شهادتها فى الكونجرس أن «أوكرانيا لديها مرافق أبحاث بيولوجية.. والولايات المتحدة قلقة من أن هذه المواد البحثية قد تقع فى أيدى الروس». ما أثار تساؤلات حول ما هى «المواد البحثية» التى يتم عليها التجارب فى المختبرات الأوكرانية؟ ولماذا يشعر المسئولون الأمريكيون بالقلق الشديد من وقوعها فى أيدى الروس؟

 

لا تتطابق التفسيرات الرسمية التى قدمتها الحكومة الأمريكية بشأن عشرات التجارب فى المختبرات البيولوجية فى أوكرانيا وأكثر من 300 نشاط حول العالم مع الوضع الحقيقى على الأرض. هناك حقائق كثيرة، وأهمها وفقًا لصحيفة «جلوبال تايمز» الصينية؛ نتائج البرامج البيولوجية، خاصة التى يتم إجراؤها بتوجيه ودعم مالى من وزارة الدفاع الأمريكية، مواد ذات استخدام مزدوج. وكانت الولايات المتحدة تقف بمفردها فى عرقلة اتفاقية للتحقق من الأسلحة البيولوجية، ورفضت التحقق من منشآتها البيولوجية فى الداخل والخارج على مدى العقدين الماضيين.

 

كما كانت هناك تقارير عديدة عن حالات تفشى غامضة لأمراض بشرية وخسائر فى الماشية فى جورجيا وأوكرانيا والمقاطعات الروسية. ومنذ عام 2007 وحتى عام 2012، أبلغت المقاطعات الروسية الواقعة على مقربة من جورجيا عن خسائر آلاف الخنازير بسبب حمى الخنازير الأفريقية. وفى ذلك العام، أبلغ عالم الأوبئة عضو أكاديمية العلوم الروسية «غينادى أونيشينكو» أن حمى الخنازير الأفريقية تنتشر فى جورجيا.

 

وحينها زعمت روسيا أن انتشار الحمى فى جورجيا يمكن أن يكون مرتبطًا بأنشطة المختبرات الأمريكية فى البلاد، كما أن هناك أدلة على أنه فى خاركوف الأوكرانية، حيث يقع أحد المختبرات الأمريكية، توفى 20 جنديًا أوكرانيًا بسبب إنفلونزا الخنازير فى يناير 2016 وتم نقل 200 آخرين إلى المستشفى. وبحلول مارس 2016، توفى 364 شخصًا بسبب إنفلونزا الخنازير فى أوكرانيا ، بالإضافة إلى المئات من الأشخاص الذين يعانون من أنواع جديدة شديدة الضراوة من عوامل التهاب الكبد الوبائى والكوليرا تم نقلهم إلى المستشفيات فى العديد من المدن الأوكرانية.

 

ومن ناحية أخرى، كذبت الولايات المتحدة بشأن تمــويل أبحــاث «مســـببات الأمـــراض الخـطـــــيرة» فـــــى المخـــتبرات البيــولوجـــيـة الأوكرانية السرية وتلاعبها بالحقــائق، رغــم ظهور وثائــق مسربة حــديثًا؛ تكشــف عمــــل مقاولو البنتاجون فى إطـــار برنامج قيمته 80 مليون دولار بتمويل منه ولكن تم إخفاؤه عن الجمهور. ووفقًا للوثائق، مُنح متعاقدو وزارة الدفاع الأمريكية حق الوصول الكامل إلى جميع المختبرات البيولوجية الأوكرانية التى تعاملت مع مسببات الأمراض الخطيرة، فى حين مُنع الخبراء المستقلون حتى من الزيارة.

 

تتحدى الاكتشافات الجديدة بيان الحكومة الأمريكية بأن البنتاجون قام فقط بتمويل المختبرات البيولوجية فى أوكرانيا ولكن الآن لا علاقة له بها. فى المختبرات الأوكرانية تم تمويل أنشطة البنتاجون من قبل وكالة الدفاع المعنية بخفض التهديدات (DTRA)؛ حيث خصصت الوكالة 80 مليون دولار للبحوث البيولوجية فى أوكرانيا اعتبارًا من 30 يوليو 2020، وفقًا للمعلومات التى تم الحصول عليها من تسجيل المقاول الفيدرالى الأمريكي. وتم تكليف شركة «بلاك أند فيتش للمشاريع الخاصة» الأمريكية، التى تعد أكبر مصدر أجهزة لمختبرات البنتاجون البيولوجية فى مختلف أنحاء العالم، بتنفيذ البرنامج. منحت الوكالة الأمريكية الشركة هذا العقد فى إطار برنامج الحد من التهديدات البيولوجية (BTRP) فى أوكرانيا عام 2020.

 

حصلت «بلاك أند فيتش» سابقًا على عقود تزيد قيمتها على مليار دولار فى أفغانستان، وحققت من خلالها عائدات تجاوزت 3٫7 مليار دولار عام 2020. وكانت الشركة قد واجهت العديد من الدعاوى القضائية المرفوعة ضدها من قبل عشرات الجنود الأمريكيين، الذين أصيبوا فى هجمات طالبان، واتهامهم لها بانتهاك قانون مكافحة الإرهاب الأمريكى من خلال دفع أموال حماية غير قانونية إلى طالبان. تقدر بملايين الدولارات وكانت من أكبر مصادر الدخل وأكثرها ضماناً بالنسبة للحركة.


وفى عام 2005، تم بناء المختبرات فى أوكرانيا لأول مرة بعد اتفاقية قادها السيناتور الأمريكى آنذاك «باراك أوباما»، وكانت متاحة لمقاولى وزارة الدفاع ولكن ليس للخبراء المستقلين، وفقًا للوثائق المسربة من وزارة الصحة الأوكرانية. حينها حصلت شركة بلاك آند فيتش على حق الوصول الكامل للعمل بحرية فى جميع المختبرات فى أوكرانيا التى شاركت فى أنشطة البحث البيولوجى فى إطار برنامج وكالة DTRA، وفقًا للرسائل من وزيرة الصحة الأوكرانية السابقة «أوليانا سوبرون» إلى الوكالة الأمريكية. وشغلت سوبرون المنصب فى الفترة بين 2016 وحتى 2019، وهى طبيبة وناشطة ومحسنة أمريكية منحت الجنسية الأوكرانية من قبل الرئيس السابق «بيترو بوروشينكو» عام 2015، وفقًا لمجلة «Covertaction» الأمريكية.

 

ومقاول آخر للوكالة الأمريكية يعمل فى أوكرانيا هى شركة  CH2MHill، التى حصلت على عقد قيمته 22٫8 مليون دولار (2020-2023) لإعادة بناء وتجهيز معهد البحث العلمى الحكومى للتشخيص المخبرى والخبرة البيطرية والصحية (Kyiv ILD) والمختبر التشخيصى الإقليمى لأوكرانيا لسلامة الأغذية وحماية المستهلك (Odesa RDL). وكانت الشركة التى يقع مقرها فى إنجليوود كولورادو الولايات المتحدة، تدير سابقًا مشروع توسعة قناة بنما البالغة قيمته 5٫26 مليار دولار وقدمت خدمات استشارية إدارية لمشروع إمدادات مياه البحر المشتركة فى العراق.  

 

وفى نوفمبر 2008، اختارت وكالة  DTRA خمس شركات لتنفيذ المشاريع لمدة تصل إلى 10 سنوات فى إطار برنامج الحد من التهديدات البيولوجية. وكانت شركة بلاك أند فيتش أول شركة تتلقى تنفيذ مهمة بقيمة تعاقدية 175٫3 مليون دولار لفترة أولية مدتها خمس سنوات، كانت هناك تقارير مختلفة حول المختبرات البيولوجية الأمريكية فى الخارج. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تحتفظ بأسلحة الدمار الشامل البيولوجية الخاصة بها فى انتهاك للمعاهدات الدولية، إن أبحاث وهجمات الأسلحة البيولوجية هى طريقة العمل الأمريكية على مدى الخمسين عامًا الماضية على الأقل. هناك اتفاقية الأسلحة البيولوجية التى تحظر بشكل فعال «تطوير وإنتاج وحيازة ونقل وتخزين واستخدام الأسلحة البيولوجية والسامة»، كما ذكرتها الأمم المتحدة، لذا فإن المختبرات البيولوجية الأمريكية لا تتعلق بالأمراض فقط، بل إنها أسلحة دمار شامل للبشرية والثورة الحيوانية والنباتية، إذا كانت الولايات المتحدة دولة مسالمة وصانعة للسلام وتتبع المبادئ الديمقراطية، فعليها أن تكون أكثر شفافية وتكشف عن عملياتها البيولوجية حول العالم. 

 

اقرأ أيضا : تداعيات الحرب في أوكرانيا على العالم العربي 

ترشيحاتنا