يقصد بالبيئة الأمنية للتشريع, هى الظروف الأمنية التى يتم فيها سن التشريع، وتشمل ميعاد عرض التشريع على مجلس النواب وتوقيت مناقشته، كما تشمل الموضوعات والمسائل التى يشملها التشريع، وما يتعلق بها من شواغل أمنية تتعلق بالأمن القومى فى بعديه الخارجى «فى مجال السياسة الخارجية» ، والأمن الداخلي، وما يتعلق به من الإستقرار والسكينة والتماسك الاجتماعي، والإلتزام بالحفاظ على الأمن القومي ومراعاته إلتزام دستوري.
فقد قرر الدستور المصرى لسنة 2014 المعدل فى المادة (86) منه أن «الحفاظ على الأمن القومي واجب، والتزام الكافة بمراعاته مسئولية وطنية»، ولفظ الكافة ينصرف إلى المؤسسات والأفراد على حد سواء، فكما يلتزم الأفراد فى جميع تصرفاتهم بالحفاظ على الأمن القومي، تلتزم المؤسسات كافة سواء أكانت عامة أم خاصة بالحفاظ على الأمن القومى ومراعاته، وذلك عند ممارستها لاختصاصاتها المنصوص عليها دستوريا، أو ممارستها لحقوقها الدستورية، وتعد المؤسسة التشريعية وهى مجلس النواب، ملتزمة بالحفاظ على الأمن القومى ومراعاة متطلباته، وذلك عند سنها للتشريع، ومفهوم الأمن القومى هنا لا يقتصر على مجالات الأمن السياسى والعسكرى والأمن الداخلي، وإنما يمتد ليشمل جميع مجالات الأمن القومى للدولة سواء الداخلي أو الخارجي .
والإلتزام بالحفاظ على الأمن القومي يشمل المجلس كشخص اعتبارى ممثلاً فى رئيسه والوكيلين ورؤساء اللجان، كما يشمل ممثلى الأحزاب والتحالفات السياسية وأعضاء المجلس كافة، وعلى ذلك يجب على مجلس النواب مراعاة اعتبارات الأمن القومى فى التصريحات التى تصدر عنه، والخاصة بممارسة سلطة التشريع، وأيضا فى اختيار التوقيت المناسب لعرض مشروعات القوانين للمناقشة أو التصويت.
فقد يؤثر توقيت عرض مشروعات القوانين ومناقشتها فى مجالات الأمن القومي بمفهومه الشامل، ففى مجال الأمن الخارجي فى بعده السياسي يجب مراعاة مواعيد الاجتماعات العادية وغير العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، والموضوعات التى ستناقشها ومدى ارتباط التشريع المعروض للمناقشة بهذه الموضوعات، وتوقع وردود أفعال بعض الدول والمنظمات الحقوقية تجاه مشروع القانون، كما يجب مراعاة توقيتات اجتماعات مجلس الأمن، ومدى ارتباط المسائل التى سيناقشها بمشروعات القوانين، ويكون ارتباط التشريعات أكثر باجتماعات المجلس الدولي لحقوق الإنسان، وذلك لإرتباط عمل المجلس والمفوضية السامية بحقوق الإنسان ومراقبة تطبيقها فى الدول الأعضاء ومنها مصر ، حيث يراقب مدى التزام المشرع المصرى بالشرعية الدولية لحقوق الإنسان عند سنه لمشروعات القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
إذ يحاول التأثير فى صياغة التشريع داخل مجلس النواب، لتبنى وجهة نظر حقوقية ولو على حساب تحقيق الأمن القومي أو لا تتناسب مع الظروف التى تمر بها الدولة المصرية وما تواجهه من تحديات، كما يجب الأخذ فى الحسبان ميعاد المراجعة الدورية للملف المصرى الخاص بحقوق الإنسان، وتقارير المقررين الخاصين بحقوق الإنسان، والخطوات الإستباقية التى اتخذتها الأطراف المعادية أو الجماعات الإرهابية والدول التى تدعهما لتشويه صورة الدولة المصرية وسلطتها التشريعية خلافاً للحقيقة.
والموقف الذى تتبناه المنظمات الحقوقية الدولية، التى تعمل وفقاً لأجندات سياسية معينة والتى تحاول إحراج الدولة المصرية، موقف المنظمات الحقوقية المصرية من مشروعات القوانين المعروضة فى توقيتات مقاربة لذلك .
كما يجب مراعاة الظروف الأمنية الإقليمية، وما تمثله الصراعات والحروب فى الإقليم من تحديات للأمن القومي، وتأثير تبعاتها وتداعياتها على الأمن القومى المصري ومدى ملائمة عرض مشروعات القوانين التى تتعلق بحقوق اللاجئين أو غيرها من الموضوعات التى تتأثر مباشرة أو تؤثر فى توجهات أحدى للدول للاستفادة من هذا التشريع على نحو يحقق هدف قصير أو بعيد المدى، فتجد فيه مرتعاً خصباً لمزيد من تهجير اللاجئين أو دفعهم إلى اللجوء ومنع عودتهم والقضاء على قضيتهم.
كما أن الأمن الداخلى بحسبانه جزء من الأمن القومي، فضلاً عن كونه أحد أركان النظام العام للدولة يجب أخذه فى الحسبان ومراعاته فى مدى ملاءمة عرض مشروعات القوانين التى تمس الأمن الداخلي، والتى تناقش موضوعات فيها تعارض كبير للمصالح بين فئات الشعب، أو ذات بعد سياسى أو أمنى أو اجتماعى أو اقتصادى أو صحى أو غيره يؤثر فى الأمن الداخلي، ويجب مراعاتها فى التوفيق بين المصالح المتعارضة سواء كانت مصلحة الدولة والأفراد، أو مصالح الأفراد فيما بينهم والموازنة بين هذه المصالح المتعارضة فى إطار نصوص الدستور وأصول التشريع وقواعده ومبادئه، ووجود سبب منطقى لتغليب إحدى المصالح على المصالح الأخرى على نحو يوفر الأمن والاستقرار الداخلى ويحقق الأمن القومى بمفهومه الشامل.