هل نجت سوريا من موجة «ثورات الخريف العربي» الأولى التي اجتاحت الدول العربية؟ أم أن الأحداث التي شهدتها مدن الدولة السورية استمرت خلال العقد الماضي كانت مستمرة حتى جاء السقوط السريع للعاصمة دمشق؟ هل تخلى الجيش السوري عن بشار الأسد بعد أكثر من ١٤ عام من الحروب مع الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم داعش؟ هل الذين يهللون للسقوط السريع لنظام بشار الأسد على حق أم يعيشون نشوة النصر الكاذبة؟ وهل تخلى حلفاء الأسد عنه وفي مقدمتهم سوريا وإيران ننتيحة توازنات للقوى وتبادل للمصالح؟ ... كل هذه الأسئلة وغيرها التي تدور في شوارع مختلف شوارع العواصم والمدن العربية تبحث عن إجابة، وتحدث الخبراء والسياسيين وكل يسيير الامور في الاتجاه الذي ينتمي إليه، ولكن في النهاية نحن الآن أمام حقيقة على أرض الواقع وهو سقوط نظام الرئيس بشار الأسد..
يجب أولا أن نكون على يقين أن ما حدث من سقوط سريع جدا ومتتالي للمدن السورية في خمسة أيام لم يأت نتيجة للفوضى الخلاقة المتهمة دائما في مثل هذه الأحداث، فتتابع الأحداث بشكل سريع من اشتعال في حلب والانتقال إلى إدلب ثم السيطرة على حماة ثم انتقلت الأحداث بدورها إلى حمص، ثم أخيرا تسقط دمشق ويفر بشار الأسد الى روسيا، فهذا السقوط السريع اشبه بمبنى ضخم انهارت أركانه واحد تلو الآخر، نتيحة هزة عنيفة ومؤامرة محكمة تعرضت لها الدولة السورية، ومخطط مرسوم بدأ مع بدايات «الخريف العربي»، ولكنه صمد حتى جاءت الموجة الأخيرة، بدعم من حلفاء النظام السوري روسيا وايران، الذين كان لهم الفضل في استمرار نظام بشار الأسد حتى الآن، وولم يتخلوا عنه حتى بعد هروبه من دمشق ومنحته روسيا حق اللجوء الإنساني هو وأسرته.
إن ما تم من مخططات الاسقاط للدولة السورية، تم الاعداد له على المدى الطويل، نتيحة الدعم الروسي اللا محدود باعتبار سوريا حليف عسكري لروسيا، ولكن الغريب هو عملية التحول داخل الجيش السوري الذي اختفى من المشهد بشكل مثير للدهشة، فهل هو إنقلاب عسكري داخل الجيش السوري ضد بشار؟ أم أن الجيش تم استهلاكه خلال الأربعة عشر عاما الماضية في رحى الصراعات الدائرة في الجبهة الداخلية واشتعال المنطقة على الحدود السورية؟
فكل الأخبار التي يتم تسريبها من داخل دائرة الصراع السورية، تصرح بأن قيادة الجيش السوري طلبت من قواتها في حمص ودمشق الاستسلام وإلقاء السلاح وترك مواقعهم العسكرية، الأمر الذي أدى إلى السقوط السريع والمدوي للمدن السورية من حلب إلى إدلب، ومن ثم حماة فحمص ليسقط النظام بسقوط دمشق، ولم يظهر الجيش السوري منذ هروب بشار الأسد، فلا أحد يجزم بأن قيادة الجيش السوري قامت بالإنقلاب العسكري، ولا تستطيع أن تجزم بوجود خيانة عظمى للجيش.
وعلى الرغم من أن ضبابية المشهد لا تستطيع الآن أن تحزم الأمور بما تم من أحداث، ولكن الأقرب إلى العقل والفكر السليم، أن هناك خيانة تمت بمؤمراة ومخطط مرسوم، بتواطؤ مع الأجندات الخارجية، من خلال عملية منظمة، بالتأكيد ستظهر مع تتابع الأحداث الجارية على الساحة السورية.
أن سوريا قبل هذه الأحداث ستختلف عن سوريا بعد هذه الأحداث، بما تواجهه من خطر تقاسم أراضيها طبقا لاهواء الجماعات المتناحرة وتبعيتها للدول المجاورة، فلا نستبعد ان تختفى سوريا ممن على خخريطة المنطقة السياسية، فسوريا لن تعود كما يقول البعض للسوريين ولكنها سقطتت في غيابات الصراعات والنزاعات، والتي تصب في النهاية لمخطط الشرق الاوسط الكبير، الذي ايقظه بعد موته السقوط السريع لدمشق، فسوريا الآن على طريق الضياع السريع، وهذه الفوضى المنظمة وليست الخلاقة، ستستمر لفترة قد تمتد لسنوات من الصراع، سوريا الآن تحتاج الى المنقذ الذي يقود جبهتها الداخلية، وإطفاء نار الفتنة المتأججة بين نسيج الشعب السوري، والقادر على لم الشتات ودحر المخططات الخارجية، والتوحد حول هدف واحد هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه..
وللحديث بقية ما دام في العمر بقية