لا تتورع اسرائيل، منذ وعد بلفور في عام 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، عن الغدر بأصدقائها وحلفائها في سبيل تحقيق مصالحها، ولو بإفناء الكرة الأرضية، وإن تحمل فوق ظهرها من هم من بني جنسها وقوميتها، وقد تابعنا كيف أنه وبعد أن جرف "طوفان الأقصى" الهادرفي السابع من اكتوبر الماضي، الكيان الصهيوني وأغرقه، صدمته المقاومة وأربكته، ما دفع قادته وعامة مستوطنيه، لتبني موقفا دمويا، استنادا إلي نصوص توراتية ووصايا تلمودية تدعو إلي قتل الأطفال قبل المحاربين، والنساء كما الرجال، وإبادة السكان، وتدمير بيوتهم، ورفض دعوات التهدئة وضبط النفس، والتحذير من الاهتمام بالشكاوي الدولية، فلم يكذب كل من سمع النداء التوجيهات، وها هو
وزير التراث الإسرائيلي "عميحاي إلياهو" يدعو حكومته إلى "إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، ولو أدى ذلك إلى مقتل الإسرائيليين الموجودين في القطاع" حسب تعبيره.
كان ساكن البيت الأبيض كالخاتم في اصبع نتنياهو كما يقولون، يدعمه سياسيا وعسكريإ، ولعلك تذكر زيارته الي اسرائيل مشاركا في اجتماعات مجلس الحرب، بل وجهرهَ مفتخرا بأنّه ليس شرطًا أن يكون المرءُ يهوديًا ليضحي صهيونيًا، " وأنه لو لم تكن اسرائيل موجودة فقد يتم اختراعها".
غير أنه وبعد شهرين فقط من الحرب، تبدلت مواقف بايدن إلي غير الحال، وعلي مايبدو تبددت "الكيمياء" كما يقال بين الرجلين، وبعد أن كانت واشنطن تمد قوات جيش الاحتلال بما تحتاج من أسلحة وذخيرة، للثأر من ميليشيا حماس التي تعتبرها واشنطن إرهابيّة، ورغم استخدام الفيتو الأمريكيّ أكثر من مرة، رفضًا لمشروعاتٍ تطالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزّة، أصبحت العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية، مرشحة للتدهور، جراء مواقف نتنياهو "الحمقاء"، والتي أغلق بايدن بسبب احداها الهاتف، مختتما حديثه معه بقوله: "المكالمة انتهت"!
يتعرض نتنياهو مؤخرا لانتقادات أمريكية صريحة ، صدر أوضحها قبل يومين علي لسان الرئيس جو بايدن، مؤكدا أن الذي يناديه "بيبي"، يضر بإسرائيل أكثر مما ينفعها، في طريقة ادارته الحرب في غزة، ما أضر بحظوظ الأول الساعي الي ولاية ثانية في البيت الأبيض،وتراجع تأييده الشعبي بين الديمقراطيين العرب والشباب ايضا -حسبما اظهرت استطلاعات رأي- بسبب فشله في وقف اطلاق النار في غزة.
شواهد كثيرة قد تجد فيها ضالتك، وما يؤكد توتر العلاقة بين بايدن ونتانياهو، منذ أن ضرب الأخير عرض الحائط بالطلب الأميركي الخاصّ بتحويل أموال الضرائب الفلسطينيّة إلى السلطة الوطنيّة، ورفضه فكرة مشاركة السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة "المنتظرة" في حكم غزّة بعد نهاية الحرب.
أيضا تأزم الموقف الإسرائيليّ تجاه معبر رفح، حيث اتَّهَمَ مسؤولون أمريكيون في تصريحات لموقع "إكس يو س"، نتنياهو بأنه السبب الرئيس في عدم دخول المساعدات الإنسانية إلى غزَة، الأمر الذي يوضِّح كذب الإدعاءات التي تكلَّموا بها في محكمة العدل الدولية عن دور مصر في تعطيل هذه المساعدات.
النقاط الخلافية تتعدّد من الإصرار الأمريكي على ضرورة حماية المدنيين، إلى سيناريو ما بعد الحرب وحل الدولتين، وصولاً إلى الخلاف بشأن العملية الإسرائيلية في رفح.
في خضم كل هذه التوترات، يرى محللون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بدأ يخاطب الرأي العام الأمريكي مباشرة، من خلال مقابلات مع وسائل إعلام أمريكية عدة، لشرح خططه الحربية ووجهات نظره، التي تلقى أغلبها رفضا مستمرا من البيت الأبيض.
يبقي أمر آخر موصول بملف الرهائن الأمريكيين لدى حماس، وهؤلاء كلما طال أمد ُ احتجازهم، تجري المقاربات بين ضعف إدارة بايدن، والضعف الذي اعترى إدارة الرئيس جيمي كارتر عام 1980، حين احتجز الإيرانيون أعضاء السفارة الأمريكية في طهران، بما يذكر بضياع فرصة كارتر الرئاسيّة الثانية، ونجاح منافسه الجمهوري رونالد ريجان وقتها، ما يراه بايدن نذير شؤم لطالعه الانتخابي القادم!!