عبدالنبي النديم يكتب: «المافيا والدهابة» .. سوس ينهش الذهب المصري « 2 – 2 »

الكاتب الصحفي عبدالنبي النديم
الكاتب الصحفي عبدالنبي النديم

استكمالا للجزء الأول من المقال، عن سقوط عصابات التلاعب بالذهب المصري، نستكمل الرؤية عن تعامل الدولة المصرية مع هذا الملف الشائك، حيث قامت الحكومة المصرية بتوجيه وزارة البترول وهيئة الثروة المعدنية، بالعمل على تقنين وضع الدهابة ووضعهم تحت مظلة هيئة الثروة المعدنية بشكل قانوني وتوفيق أوضاعهم، وبالفعل قام المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية بتوجية معاون وزير البترول للثروة المعدنية المهندس علاء خشب، ورئيس الهيئة المهندس ياسر رمضان بالعمل على تقنين الأوضاع للدهابة، المصدر الرئيسي للدهب للسوق السوداء، وذلك من خلال هذه المزايدات الداخلية، حيث يتم تقنين إجراءات العمل في المناطق التي يوجد بها الذهب، ومراقبة الإنتاج من خلال وضع مراقب من هيئة الثروة المعدنية في كل منطقة بحث واستكشاف لدى الشركات التي سترسي عليها المزايدة، ليكون تحت المراقبة على مدار الساعة، ثم القيام بتدبيل المراقبون بصفة دورية بين المراقبون بحيث لا يتم بقاء مراقب في مكان واحد وشركة واحدة لفترة طويلة.
وهناك بالفعل عدد كبير من الاتفاقيات التي تم توقيعها مع الشركات العالمية للعمل في مجال استخراج الذهب والمعادن المصاحبة، وبعضهم قام بالفعل ببدء العمل وتحقيق الانتاج التجاري وفي مقدمهم شركة سنتامين الاسترالية، وبعض الشركات الأخرى ولكن ما زال الانتاج في طور التجريب.
ولكن هناك بعض الشركات الأجنبية التي تم ارساء المزايدة العالمية عليهم، ولم يقوموا ببدء العمل بالفعل ولكن قامت الشركة الأجنبية ببيع منطقة البحث الخاصة بها إلى شركات أخرى عالمية والتنازل عنها، مثل ما حدث الأسبوع الماضي بين شركتين كنديتين، حيث وقع المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية عقد استغلال خام الذهب والمعادن المصاحبة فى منطقة أبو مروات بالصحراء الشرقية بين هيئة الثروة المعدنية وشركة أتون مايننج الكندية، وذلك بعد تحقيقها كشفاً تجارياً للذهب بمنطقتى حمامة غرب ورودرين الواقعتين بإمتياز أبو مروات  فى مساحة حوالى 58 كيلو متر مربع، وشارك فى التوقيع كل من الجيولوجى ياسر رمضان رئيس هيئة الثروة المعدنية وتونو فاك المدير التنفيذى لشركة أتون مايننج ، كما تم توقيع عقد بين هيئة الثروة المعدنية وشركة AKH GOLD الإنجليزية للبحث عن الذهب على مساحة 350 كيلو متر مربع بمنطقتى بئر أسل وجبل الميت بالصحراء الشرقية وذلك فى اطار توسع الشركة الانجليزية فى الاستثمار فى البحث عن الذهب فى مصر بعد فوزها بعدد من المناطق فى المزايدة العالمية للبحث عن الذهب بجولتيها الأولى والثانية، ليؤكد المهندس طارق الملا عقب التوقيع على الاتفاقية أن الاصلاحات التى تم تنفيذها فى منظومة عمل قطاع التعدين المصرى ساهمت فى جذب استثمارات الشركات العالمية للبحث عن الذهب والمعادن الثمينة، مشدداً على أهمية الاسراع بعمليات البحث والتنقيب بهدف تحقيق نتائج ايجابية.
والمتابع لاتفاقيات البحث عن الذهب، يجد أن بعض الشركات لم تبدأ في تنفيذ الاتفاقية، فالاتفاقية الخاصة بمنجم حمش للذهب تم توقيعها منذ عام 2007 والمنجم تم ترسيته على المستثمر، ولم يتم بدء الانتاج التجاري منه حتى الآن، الأمر الذى آثار الريبة في انتاج الشركة والطريقة المتبعة في عملية تنفيذ الاتفاقية والعلاقة بين الدهابة ورجال الأعمال، الذي تم اتخاذه كستارة لتهريب الذهب للسوق السوداء، وهو ما ستكشف عنه التحقيقات من خلال الأجهزة الأمنية خلال الفترة القادمة.
إن مستقبل مصر الاقتصادي في الاستثمار في التعدين وثروات مصر الطبيعية، طوق النجاة للخروج الآمن من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والتي يجب استخدامها كما يجب أن يكون، ليس في الذهب فقط ولكن في مختلف أنواع المعادن والمناجم والمحاجر، من خلال منظومة رسمية لتحقيق أقصى استفادة ممكنة. 
ومافيا الإتجار غير الشرعي في الذهب بالتعاون مع «الدهابة» ما هم إلا سوس ينهش وينخر في ثروات مصر المعدنية، خاصة الذهب، وتوجية المسئولين بشراء الذهب من «الدهابة» الذين يقومون بالبحث العشوائي عنه، وهم من أهل الجنوب حيث تقوم شركة شلاتين باستخراج التصاريح اللازمة لبعض العاملين في المجال في أماكن معينة، بداية قوية لدخول انتاج الذهب غير الشرعي إلى منظومة الدولة المصرية، فهناك تقريبا 40 شركة مصرية تعمل في مجال استخراج الذهب، يعملون بعقود وتصاريح مع شركة شلاتين، مثل البلوكات التي تم طرحها مزايدات بها مؤخرا التي يغلق الباب فيها الأحد 22يناير الجاري، وهى عبارة عن مناجم صغير، وهذه الشركات تحت سيطرة شركة شلاتين وهيئة الثروة المعدنية بشكل شبه كامل، وهذه المواقع سيكون لديهم مراقبين وامكانهم ثابتة ويتم التعامل مع شركة شلاتين مباشرة ، حيث يتم اتباع الأجراءات المنصوص عليها من وجود أقفال مشتركة للصناديق ومخازن الذهب بين شركة شلاتين والشركات المتعاقد معها.
وهناك إجراء آخر قامت به وزارة البترول والثروة المعدنية، حيث يتم عمل مجمع طواحين كبير بمناطق استخراج الذهب، تقوم هيئة الثروة المعدنية بتخصيص مساحات وورش ومحلات للشركات التي ترغب في العمل بالمجمع، وتقوم الشركات بإحضار الأحجار الحاملة للذهب، وتقوم بعملية الاستخلاص داخل المجمع، على غرار منطقة شق الثعبان بالقاهرة التي تعمل في مجال الرخام والجرانيت.
كم قامت شركة شلاتين بناء على التعليمات الصادرة لها بتوجيه دعوة لأهالي المنطقة الذين يعملون في هذا المجال، أن يقوموا بتأسيس شركات أو الأندماج والعمل تحت مظلة إحدى الشركات، ويشتركوا في المزايدات التي يتم طرحها لتقنين الأوضاع ولهم، ويجب أن يتوافر فيمن يتقدم شرطين، الأول أن يكون من أهل المنطقة ، ويكون تم تسجيله بهيئة الثروة المعدنية، الذي يحتاج إلى موافقات أمنية للعمل، وتقوم الهيئة بتسكين أبناء القبائل ومن يعملون في مجال التعدين في هذه المجمعات، وتخصيص مناطق البحث لهم، وتوفيق أوضاعهم عن طريق المزايدات، وسيكون المجمع الصناعي للبحث واستخلاص الذهب تجمعا اقتصاديا يدر دخلا كبيرا للدولة، ونعطي من خلاله تصاريح لمجموعات العمل التي تعمل بالأدوات الخفيفة، ثم نستقبل الأحجار الحاملة للذهب، وتدخل الطواحين لاستخلاص الخام.
وقامت الهيئة بالفعل من خلال شركة شلاتين بعمل الرسم الهندسي لمجمع الدهابة وتم عمل تصميم المجمع عن طريق شركة إنبي، وسيتم قريبا التعاقد مع شركة للتنفيذ، وكل شركة ستقوم الشركة بتخصيص مساحة للعمل من خلالها، مثل ما قامت دولة السودان ودولة موريتانيا من مجمعات كان لها الفضل في الإستفادة من الذهب في اقتصادها القومي، فهذه المجمعات ستكون تحت بصر وسمع هيئة الثروة المعدنية، ويتم السيطرة على من يعملون بشكل عشوائي ويقومون بتلويث البيئة من خلال استخدام الزئبق والسيانيد في عملية الاستخلاص العشوائي مثل ما يحدث في المناطق الزراعية في إدكو وغيرها من المناطق، والذهب المنتج يتم دخولة منظومة الاقتصاد القومي واستيعاب العاملين من الدهابة بشكل عشوائي.
والمشكلة التي كانت السبب الرئيسي في الأزمة الأخيرة في ارتفاع سعر الذهب بشكل جنوني، هو الفرق بين سعر الذهب العالمي وسعر الذهب محليا، فشركة شلاتين تقوم بتوريد الذهب للبنك المركزي بالسعر العالمي المعلن في بورصة لندن، ووتقوم باستلام الذهب من المقاولين اللي شغالين في المناطق المختلفة طبعا بالسعر العالمي أيضا، ولكن سعر الدولار في السوق السوداء، أزمة أمام الدولة في استلام الذهب من الدهابة، فهناك فرق كبير في سعر الجرام الرسمي وسعر الجرام بسعر الدولار في السوق السوداء والذي وصل إلى الضعف تقريبا، فمثلا اليوم سعر الأوقية في بورصة لندن 2025 دولار، والبنك المركزي يحاسب الشركة على سعر 31 جنيه للدولار، وسعر السوق السوداء للدولار تخطى الخمسين جنيه، فالدهابة سيخسرون اذا تم التوريد للشركة في كيلو الذهب حوالي مليون جنيه، فالأفضل له هو بيعه في السوق السوداء، الذي يتحكم فيه هؤلاء التجار والأمبراطوريات التي تم القبض على بعض منهم مؤخرا، فلا بد من وجود آلية للمساعدة في تقنين أوضاع العاملين في التنقيب العشوائي عن الذهب في مصر..
وللحديث بقية ما دام في العمر بقية ..

 
 
 

ترشيحاتنا