غداة نشوب الحرب العالمية الأولي، احتل الانجليز مدينة البصرة، نظرا لاهميتها في حماية مركزهم في الخليج، وتأمين مواصلاتهم مع الهند، ثم وفي اثناء الحرب، احتلوا سائر اقاليم العراق حتي بغداد.
وكان السير ارنولد ويلسون أول نائب يعين في بغداد للمندوب السامي البريطاني، يعتقد اعتقادا راسخا، بأن مصلحة السكان تعتمد علي الحكومة الصالحة، التي تستطيع بريطانيا ايجادها، وان تطبيق مبادئ الانتداب علي البلاد العربية، وحقهم في تقرير مصيرهم، ليس في صالحهم، بل وصف حق تقرير المصير بـأنه خرافة شائعة، زد علي ذلك أنه كان يتحدث لرؤسائه في كل مناسبة وبغير مناسبة عن رضا العراق بالإحتلال، وان عامة العرب – الموسوعة العربية للصديق الراحل الدكتور حمدي الطاهري جـ1- يرون ان البلاد ستنعم في ظل الحكم البريطاني، بعهد تسوده العدالة والتقدم المادي والمعنوي.
قبل ذلك بنحو قرن وزيادة من الزمان، استخدم الرئيس الأمريكي الأسبق وليم ماكنلي، لغة الخطاب الإستعماري نفسها، وزعم في عام 1898 – متصوفا- أن الله امره باحتلال جزر الفلبين، بهدف جعل سكانها أكثر حضارة وتدينا، وقد نسب إليه قوله انه تحدث الي الله، بينما كان يتمشي بعد منتصف الليل في ممرات البيت الابيض.
تعوزني فطنة القاريء في رصد مفردات الخطاب الاستعماري لأحفاد ساكني البيت الأبيض، فلغة الإحتلال هي نفسها، وفكر الغزو، هو نفسه، حتي عبارات التبرير مغلفة بسوليفان التصوف المخدر للوعي.
ومن يرجع الي خطاب توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، إبان غزو العراق، لن يعدم ملاحظة مكره في قوله : " هدفنا تخليص الشعب العراقي من صدام حسين وولديه حتي يلتقط الشعب انفاسه وتستعيد بغداد وجهها الحضاري"، بل كان يبذل جهدا خبيثا في محاولة لإقناع العالم بحرصه علي وحدة العراق، واعدا بوضع بترولها تحت وصاية الامم المتحدة لصالح الشعب العراقي لإحياء امة عظيمة، فماذا كانت النتيجة؟!
كان للرئيس الأمريكي الأسبق بوش الإبن، مقولة صوفية بعض الشيء، نصها انه يشعر بأن الله كان يقف الي جانبه في حرب العراق، أي علي نحو ما سبقه "جده" ماكنلي، إبان احتلاله جزر الفلبين، في رسائل شبه دينية، تعني ان الغزو والاحتلال، انما هما في المجمل استجابة لصوت السماء!
لا يخامرني شك، في أن الأمة التي كان يسعي لإحيائها – خالصة مخلصة – سدنة الكيان الصهيوني ولا زالت منذ عام 1917، هي اسرائيل، وأن ماتشهده المدن الفلسطينية اليوم من أحداث بطولية، في مواجهة العدو، سيسجلها التاريخ بشرف، ولن ينساها شعب الكيان الصهيوني، وإن رتلوا جميعا، وفي نفس واحد مزامير داوود صباح كل سبت!!