هذا ما بحت به لمرافقي ونحن نغادر مستشفى التأمين الصحي في مدينة نصر..ومركز علاج الأورام المجاور...
وهذا ماكنت قد انتهيت اليه أيضا عقب أكثر من زيارة لمستشفى القاهرة الجديدة.. ومستشفى سيد جلال.
- حين نقدم على التبرع ولو بجنيه ..علينا أن نراعي فقه الأولويات..!!!
وماأكثر الإيجابيات التي لفتت انتباهي في هذه المستشفيات.. حداثة الأجهزة الطبية..التعامل الراقي والمرح أحيانا مع المرضى من قبل الأطقم الطبية والتمريض..رغم ما يعانونه من إرهاق يكاد يتجاوز قدرة البشر على التحمل..فما أقسى ان تكون مهنتك إزالة آنات الألم عن عشرات ..بل مئات الموجوعين يوميا .. بينما أنت في مواصلاتك..معيشتك تعاني !!
سألت بعض الممرضات عن مرتباتهن ..في حدود ٢٥٠٠ جنيه..ينفق مايقرب من نصفهن ربما في المواصلات..!
....
الزحام هائل ..كل مدخل ..كل ممر..كل زاوية تكتظ بالعشرات .. آنات آلام المرضى تتلاطم مع صرخات غضب ذويهم باتهامات للمستشفى بالفوضى والتقصير !! سألت الطبيبة المسئولة عن المعامل في التأمين الصحي بمستشفى مدينة نصر عن متوسط عدد المترددين يوميا، فقالت في حدود ٨٠ مريضا وأحيانا يتجاوز العدد ١٢٠..
وأتذكر أنه خلال زيارتي لمستشفى القاهرة الجديدة قالت لي طبيبة في قسم العيون ان عدد المترددين يزيد يوميا عن ال١٠٠..
....
والحقيقة..وكما رأيت ..وكما تقول إحصائيات الدولة.. وتقارير منظمة الصحة العالمية التي لاتكف عن الاشادة بالمبادرة المصرية غير المسبوقة لمحو اي وجود لفيروس سي في ابدان المصريين..
الحقيقة أن ثمة قفزة في اهتمام الدولة بصحة الشعب..والنتيجة
ارتفاع متوسط أعمار المصريين ، وكما أكد دكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان، إلى ٧٢ عاما، الأعلى في أفريقيا.. بل ويتجاوز المعدل العالمي ..والذي يبلغ ٧١ عاما..
هل يمكن أن يتحقق هذا دون اهتمام استثنائي من قبل الدولة ..؟
إذن..لم كل هذا الاكتظاظ في مستشفياتنا الحكومية ..؟ لم كل هذا الصراخ بالتقصير والفساد..؟
قد تكون ثمة أوجه تقصير ..بل وأوجه فساد..
لكن هذا التقصير وهذا الفساد - وعلى النقيض مما كان يحدث من قبل - يواجه الآن وبقدر ملحوظ من الصرامة...
إذن أين مكمن الخطأ ؟
الخفير ( غ ) ..في الخمسينيات وتزوج حتى الآن عشرا ..وأنجب..حتى الآن سبعة عشر..!..
مايقرب من مليوني ونصف المليون طفل تلفظهم ارحام نسائنا سنويا..
يقينا هذا " الانتحار السكاني" يشكل ضغطا هائلا على المدارس ..على المواصلات ..على المستشفيات...
وأظن أن الدولة وعبر سبعة عقود ..فشلت فشلا ذريعا في مواجهة ذلك الانتحار السكاني ..الطريق أمامها كان ومازال ممترسا بالمعتقدات الدينية الخاطئة وبرؤى اجتماعية بالغة الخطورة تشيع في قاع المجتمع...
على أية حال ..ثمة سبل أمامنا لتخفيف الضغوط على معامل التأمين الصحي..على قسم العيون في مستشفى القاهرة الجديدة ...على كل مستشفياتنا ..
فقه الأولويات...
منذ أكثر من عام هاتفني شاب..كان يظن أنه يحمل لي ولكل سكان المنطقة التي نقيم بها في القاهرة الجديدة بشرى سوف تشيع في دواخلي وكل سكان المنطقة البهجة:
- فاعل خير يسعى إلى بناء مسجد في الحي ويريدك مساعدته في إنهاء الإجراءات الإدارية..
فوجئت بنفسي أرد بشيء من الانفعال : المنطقة في حاجة إلى مستشفى..المساجد والزوايا كما نرى ليست قليلة...لكن لاتوجد مستشفى في المنطقة !!
........
هل أخطأت..؟ كيف ابدي على غير علم رأيي هذا الذي يمكن أن يحول دون أقدام فاعل خير على بناء مسجد..؟! إن كنت قد أخطأت فهي كبيرة ..قد تتجاوز كل الكبائر ؟
لذت بمشايخنا.. وماأكثر الفتاوي التي غمرتني بالطمأنينة ..فتاوي مشايخنا الأجلاء أوجزتها صحيفة اليوم السابع في تحقيق صحفي نشر في ١٤ مايو ٢٠١٧ ..وهذا ماجاء على لسان فضيلة الدكتور محمود عاشور
عضو مجمع البحوث الإسلامية، الذي قال : لدينا مساجد كثيرة والصلاة تصلح ولو على الارض ولكننا بحاجة ماسة للمستشفيات والمدارس، وبالتالى ينبغى أن نوجه الناس لاحتياجاتنا وأولوياتنا..
حديث فضيلة الدكتور محمود عاشور أعاد إلى ذهني كتاب عميد الأدب العربي طه حسين " مستقبل الثقافة في مصر " ..الكتاب الصادر عام ١٩٣٨ أعدت قراءته مؤخرا..ونشرت عنه مقالا في " المصري اليوم " ..
و ماشدني في كتاب عميد الأدب العربي ماقاله عن تطوير التعليم..أن إنفاق الدولة على التعليم وحده لايكفي..لابد من تبرعات الأثرياء..هذا أمر حتمي ..
ويقينا هو حتمي أيضا أن شئنا الارتقاء بالمنظومة الصحية ..
....
ألهذا قلت لمرافقي خلال حديثنا ونحن نغادر مستشفى التأمين الصحي بمدينة نصر .. وب "قلب جامد":
- التبرع لشراء حقنة لمريض أفضل من شراء مصحف لمسجد ..!!