استقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بمقر بعثة مصر الدائمة لدى الامم المتحدة فى نيويورك، على هامش الدورة 78 لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويعتبر اللقاء هو التطور الأبرز في أعقاب عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وايران.
وتوجد مؤشرات حول احتمالات عودة العلاقات بين مصر وإيران، ويبدو أن الطرفين يسعيان إلى إصلاح واستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما والتي عانت من الجمود والتوتر طيلة العقود الأربعة الماضية. وإن التقدم الذي حدث بسبب استئناف العلاقات بين السعودية وإيران في مارس الماضي بوساطة الصين قد شجع الطرفان المصري والإيراني على القيام بخطوة مشابهة قد تؤدي إلى تطبيع العلاقات بينهما.
وتشير الامور أن عودة العلاقات بين البلدين سيحكمها بعدين : الاول : الاطار العربى وخاصة دول السعودية والامارات والعراق والثانى : محلى ويتعلق بمصالح مصر السياسية والاستراتيجية وخاصة شقها الامنى ، كما يحددها 4 مسارات: أولاً المسار الأمني والخاص بعلاقة إيران بالتنظيمات الإرهابية وأمن البحر الأحمر، وثانياً : المسار الاقتصادي الخاص بفرص التعاون الاقتصادي بينهما، وثالثا : المسار السياسي الخاص بدور إيران في الصراعات العربية والقضية الفلسطينية ، ورابعا: عضوية البلدين فى تجمع بريكس الذى سيؤسس لتعاون اقتصادى بين دوله.
هذا ، وتأرجحت العلاقات المصرية الإيرانية على مدى فترات طويلة بين توتر وتحسن، إذ استمر التباعد بينهما عقوداً لأسباب تعود لقضايا ثنائية وأخرى ترتبط بالدول العربية، فعلى المستوى الثنائي : اتسمت العلاقات بين البلدين بالعداء في فترات والتعاون في فترات أخرى، فبينما شهدت سنوات حكم الرئيس عبدالناصر توتراً بينهما ، فانها تحسنت خلال عهد الرئيس السادات، لا سيما أن الطرفين كانا حليفين للولايات المتحدة الامريكية ، وبالنسبة لحقبة السبعينات فقد اتخذت العلاقات بين القاهرة وطهران منعطفاً جديداً بعد حرب أكتوبر عام 1973 التي نتج عنها اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، وتقارب مصر والولايات المتحدة، مما أدى إلى علاقات جيدة مع شاه إيران، ثم توترت العلاقات مرة أخرى عندما وقعت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979. ومع حكم الخومينى انتقدت إيران الاتفاق كما رحبت باغتيال الرئيس السادات، ثم ساءت العلاقات لدعم القاهرة العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية خلال الفترة من 1980 الى عام 1988 . وفيما يخص عودة العلاقات بين البلدين فانه توجد قضايا لابد من الاتفاق عليها لانها تمس الأمن المصري منها الدور الإيراني في القضية الفلسطينية وهناك تحفظ مصري على دعم إيران لبعض الجماعات فى غزة مما يعني توترات وقلاقل أمنية قرب الحدود المصرية ، وقضية أمن البحر الأحمر وباب المندب، فهى إحدى القضايا المهمة للأمن القومي المصري، لا سيما مع ارتباط إيران ببعض الجماعات التي لها تأثير بتلك المنطقة ، وكذلك تعد علاقة إيران بتنظيم "القاعدة" أحد الملفات الهامة ، لا سيما أن كثيرين من أعضاء التنظيم يقيمون فى إيران منذ عام 2001، ومن ثم فإن التعاون بين مصر وإيران فيما يخص تنظيم "القاعدة" والجماعات الإرهابية يعتبر إحدى القضايا الشائكة بينهما والتي تتطلب من طهران إبراز حسن النوايا والتعاون.
وارتبطت قضايا المستوى الإقليمي بسلوك إيران في منطقة الخليج، بخاصة مع استمرار التأكيد المصري على أولوية الأمن العربي والأمن الخليجي ومسافة السكة ورفض التدخل في الشئون الداخلية لدول المنطقة، وكثيراً ما أكد الرئيس المصري أن: "أمن الخليج خط أحمر بالنسبة إلينا، ويجب على الآخرين ألا يتدخلوا في شئوننا ولا يصلوا بالأمور إلى شكل من أشكال الصدام".ومن ناحية إيران فإن الانفتاح على مصر يعد مكسباً إقليمياً إذ يكسر العزلة الإقليمية خاصة بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية برعاية صينية ، وربما يفسر ذلك الزخم فى تصريحات الجانب الايرانى حول عودة العلاقات فى حين يتحفظ الجانب المصرى.
ونشير أن لقاء وزيري خارجية مصر وايران ، وما سبقه خلال العامين الماضيين ، وما تبعه من تصريحات الرئيس الإيراني وكبار المسئولين فى ايران حول إيجابية اللقاء فهو مؤشر ايجابى ، وعن «خريطة الطريق» للتقارب بين البلدين يجعلنا أمام سيناريو لاحتمالات عودة العلاقات بين مصر وايران .
ومن ناحية أخرى ، قد تستمر العلاقة بين البلدين على مستواها الراهن، ومن ثم لا تجد مصر حاجة إلى التقارب مع إيران، أو ربما تشهد بعض التقارب في الملفات التجارية والاقتصادية بينهما خاصة بعد انضمام البلدين لتجمع بريكس ، وستكون إعادة العلاقات المصرية الإيرانية عبر معايير تعود لعوامل داخلية واقليمية تقدرها القيادة المصرية، وقد تتدخل الصين مرة أخرى لعودة العلاقات بين مصر وايران.
ونرى أن تأرجح العلاقات بين مصر وكل من ايران وتركيا بين التحسن والتحفظ تعود فى جزء منها الى التحفظات المصرية على سياسات البلدين لمحاولات التدخل فى شئون الدول العربية .
كاتب المقال وزير مفوض ومفكر اقتصادى
عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة