في الوقت الذي لا تزال فيه كل من الشقيقتين ليبيا والمغرب تلملمان الخسائر التي ألمت بهما بعد الكارثتين اللتين ضربتهما، سواء بالزلزال الذي ضرب المغرب وأسفر حتى الساعة عن مقتل 3000 شخص وإصابة نحو 5000، أو بالإعصار الذي طمر مدينة درنة بأكملها في ليبيا وأدى إلى وفاة أكثر من 2500 شخص تزداد الهواجس والمخاوف من تكرار هذا المشهد في عدد من الدول المجاورة وتكثر التأويلات كما التحاليل حول خطر حدوث طقس سيئ يضرب السعودية وحدوث زلزال أو تسونامي يضرب لبنان. وبما أن لبنان من الدول التي لديها تاريخ وطبيعة مؤاتية لخطر الزلزال، يصبح الخوف واقعاً وحقيقة علمية لا يمكن التغاضي عنها، لكن هل نحن مقبلون على كارثة طبيعية قريبة؟ وهل ما نشهده في المنطقة مقدمة لما هو أكبر؟.
ولم تكن ليبيا أحسن حالاً، واستعدادتها لمثل هذه الكارثة كانت متواضعة.
كان المركز الوطني السعودية قد نشر عدد من التحذيرات الخاصة بالطقس المتوقع بالمملكة خلال الفترة المقبلة.
وغرد الحساب الرسمي لمركز الأرصاد بأنه تم إعلان الإنذار الأحمر بعدد من المناطق في المملكة ومنها منطقة جازان وعسير بينما تم إعلان الإنذار الأصفر بمناطق مكة المكرمة.
وقال المركز الوطني للأرصاد بأن مدة التحذير من يوم الجمعة 15 سبتمبر الساعة الـ1 ظهرا بتوقيت المملكة.
وتابع المركز بأن التحذير الأحمر يشمل سقوط كمية من الأمطار الغزيرة وهبوب الرياح مع انعدام الرؤية على بعض الطرق في تلك الأماكن.
كما حر المركز من جريان السيول وجريان وارتفاع أمواج البحر وتساقط حبات البرد وهي كلها من الظواهر الطبيعية المصاحبة للأمطار الغزيرة المتوقعة.
لبنان على حافة الكارثة
في هذا الإطار، نشرت صحيفة النهار اللبنانية تقريرا يشير إلى أن لبنان من الدول التي لديها تاريخ وطبيعة مؤاتية لخطر الزلزال، إذن يصبح الخوف واقعاً وحقيقة علمية لا يمكن التغاضي عنها.
وطرحت الصحيفة تساؤلا، هل لبنان مقبلة على كارثة طبيعية قريبة؟ وهل ما نشهده في المنطقة مقدمة لما هو أكبر؟
وفقا للتحاليل الجيولوجية لقراءة ما حدث في المغرب وليبيا خصوصاً أنه كان متتالياً ولا يفصل بينهما سوى أيام. توقع بعض الخبراء تكرار مثل هذه الظواهر، إلا أن تأثيرها يكون متفاوتاً على البلدان وستكون أكثر تدميراً على الدول التي تفتقر إلى وسائل الاستعداد للعواصف.
أشارت الصحيفة إلى أن ما شهدته ليبيا، وصف بأكبر كارثة من نوعها منذ 40 عاماً؛ تحولت لمناطق منكوبة والبحث جارٍ لمواصلة عملية الإنقاذ. في حين اعتبر الزلزال الذي ضرب المغرب أنه الأكثر فداحة من حيث عدد القتلى في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا والأقوى منذ أكثر من قرن.
واقع هذه الدول يعكس واقع لبنان الذي ما زال غير مجهّز كما يجب، فما الذي علينا معرفته عن هاتين الكارثتين؟ وما هو مصير لبنان؟
يصف الباحث والمحاضر في الجيولوجيا وعلم الزلازل في الجامعة الأمريكية في بيروت د.طوني نمر في حديثه ما جرى بالكارثتين؛ الكارثة الأولى التي ضربت المغرب بحدوث زلزال له علاقة بحركة قشرة الأرض، أما الكارثة الثانية وهو الإعصار الذي ضرب ليبيا الذي يتعلق بالأمور المناخية. ومن المهم أن نعرف أن الحادثتين منفصلتان عن بعضهما، وما يجري على سطح الأرض من ناحية المناخ والطقس لا يؤثر بأي طريقة على حركة قشرة الأرض، وبالتالي فإن الكارثتين الطبيعيتين منفصلتان تماماً.
بالعودة إلى الزلزال الذي وقع بين سلسلة جبال أطلس جنوب غرب المغرب، يؤكد نمر أن "هذه التركيبة الجيولوجية بعيدة عن كل ما يحدث في المتوسط، والتركيبات الجيولوجية في شرق المتوسط منفصلة تماماً عن الموجودة هناك. إذاً هي غير مترابطة، لا مباشرة ولا بشكل غير مباشر، والحدثان لا يؤثران على بعضهما، وبالتالي ما حصل في المغرب (الذي يعتبر بعيداً عن لبنان بنحو 4000 كيلومتر)، لا يؤثر على لبنان.
أما بالنسبة للإعصار الذي ضرب ليبيا، فيشير نمر إلى أنه مرتبط بالطقس، وكان يمكن أن يحدث في أي بلد آخر في المتوسط وليس فقط في ليبيا. ما يعني أنه كان يمكن أن يضرب لبنان، صحيح أن دولة قبرص أمامنا ويمكن أن تخفف من وطأته، إلا إذا كان من جنوب قبرص، ومع ذلك هذه الأمور لها علاقة بالطقس ويمكن مراقبتها وتحضير الناس لها. لذلك تعتبر مراقبة الظواهر التي لها علاقة بالمناخ والطقس أسهل من الأمور التي لها علاقة يقشرة الأرض أي الزلازل والهزات والتي لا يمكن التنبؤ بها ومعرفة توقيتها والتحذير منها.
وعن احتمال أن تكون هذه الظواهر مفتعلة أي نتيجة أعمال بشرية وليست طبيعية، يؤكد نمر أنها "أمور طبيعية ١٠٠% ولا علاقة لها بأي حدث مفتعل، وما يُحكى اليوم عن بعض النظريات بأنها من أفعال بشرية يندرج ضمن خانة نظرية المؤامرة والماورائيات وهي غير صحيحة.
وبينما تواصل ليبيا والمغرب عمليات البحث والإنقاذ ولملمة خسائرهما البشرية والمناطق المنكوبة، تتجه الأنظار اليوم إلى مخاطر أن تشهد المنطقة كارثة مشابهة. والسؤال الأهم هل يمكن توقع حدوث كارثة مماثلة في لبنان والدول المجاورة؟
برأي نمر أن "لبنان منفصل تماماً عن الزلزال الذي ضرب المغرب، وفي حال حصل شيء في لبنان لن يكون له علاقة بما حصل في المغرب. ومع ذلك، احتمالية حدوث هزة أو زلزال ليس فرضية مستبعدة كلياً، لأننا كما نعلم لبنان موجود على خط شهد زلازل عبر التاريخ، إلا أنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بتوقيت حدوث الزلزال".
وعليه، من المهم أن يعرف الناس أن هذه الكوارث الطبيعية هي أمور طبيعية كانت موجودة في الماضي وستحدث في المستقبل. لا يمكن تغيير شيء في حركة قشرة الأرض، ولا يمكن للإنسان السيطرة عليها والتحكم بها، وستبقى الهزات والزلازل تضرب بعض المناطق خصوصاً تلك المتواجدة على الصفائح، ولكن ما يمكن فعله هو التعامل معها من خلال تجيهز الفرق المعنية والالتزام بشروط البناء والهندسة المعمارية والتوعية حول كيفية التصرف قبل وأثناء وبعد الزلزال.
لذلك، يشدّد نمر على أهمية أن تكون الدولة على دراية بواقعنا، وللأسف لا يوجد أي خطة تجهيزية لأي حدث مماثل، ونتمنى على الأجهزة المعنية أن يأخدوا المبادرة ويجهزوا أنفسهم للتعامل مع أحداث مماثلة.
وهناك مؤسسات دولية محترفة تملك الخبرة الكافية للتعامل مع الكوارث الطبيعية، وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك مؤسسة آفاد في تركيا وهي هيئة إدارة الكوارث والطوارئ والتي يمكن التواصل معها والاستفادة من خبراتها العالية وإمكانياتها الهائلة.
أما بالنسبة إلى الهزات التي تُسجّل بعد زلزال المغرب، يؤكد نمر أن هذه الهزات الارتدادية طبيعية جداً إلى حين التخفيف من الضغوطات وعودة الحركة الطبيعية إلى جوف الأرض.
الأرض تطلق تحذيراتها
وإزاء التحذيرات التي تطلق بين الحين والآخر حول خطر وقوع زلزال، هل تُعطي الأرض تحذيراً مسبقاً قبل الزلزال الكبير؟ يوضح نمر أنه "أحياناً في بعض الزلازل يُسجل هزات استباقية، ولكن في تركيا والمغرب لم يحصل ذلك وما حدث كان مفاجئاً ومن دون أي تحذيرات".
ما حدث كان مفاجئاً من حيث التوقيت وليس مفاجئاً من حيث المكان، لأن في تركيا نعرف تماماً أنها منطقة زلزالية (فالق الأناضول الذي تسبب بالزلزال الأول والفرع الثاني الذي تسبب بالزلزال الثاني) وشهدت على زلازل تاريخية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المغرب حيث تكونت سلسلة جبال الأطلس نتيجة الزلال والحركة بين افريقيا وأوروبا. لذلك قد يكون الزلزال مفاجئاً من حيث الوقت ولكن ليس مفاجئاً من حيث المنطقة والمكان.