بعد أزمة المسلسل الأمريكي كليوباترا:

الفن المصري في مواجهة محاولات سرقة تاريخ الحضارات

لقطة من الفيلم الامريكي كليوباترا
لقطة من الفيلم الامريكي كليوباترا

 
كتب : حسن الكيلاني
 

فى ظل محاولات سرقة تاريخنا ونشر الأكاذيب وتزييف التاريخ من بعض الجهات الممولة التى تتبنى هذا الفكر لنسب الحضارة المصرية إلى شعوب اخرى، حيث يروجون للفكرة من خلال الأعمال الفنية، كان آخرها الفيلم الوثائقى «كليوباترا» الذى تقوم ببطولته ممثلة أمريكية من أصول أفريقيا الوسطى وسوداء البشرة رغم أن كليوباترا كانت بيضاء البشرة، مما يعد تزييفا للحقيقة ومحاولة من جهات تدعى «الافروسينتريك» لنسب الحضارة المصرية لهم بدلاً من الشعب المصري، مستغلين امكانياتهم المادية فى الولايات المتحدة الأمريكية للترويج لافكارهم، وجهل البعض بالحضارة الفرعونية فى الخارج.


 وظهرت بعض الفئات المغرضة على مواقع التواصل الاجتماعى تتحدث عن ان الاثار المصرية ملكًا لهم خاصة فى الأقصر وأسوان وهو ما يعد تزييفا صارخًا للحقيقة.. بل وصل الأمر إلى ظهور فئة من الاشخاص فى إسرائيل للتحدث عن ان الاهرامات فى الأصل كانت ملكا لليهود، رغم ان اليهود حين دخلوا مصر كانوا رعاة غنم، ومن هنا جاء هذا التحقيق لماذا لا تقدم مصر اعمالًأ فنية فرعونية عالمية لمخاطبة العالم حيث تهتم كل الشعوب بالحضارة المصرية وهو ما يعكس حالة الاهتمام العالمى بالفيلم المصرى «المومياء» انتاج 1969 للمخرج شادى عبد السلام .

 

كان صناع الفن حول دول العالم قد سبق وقدموا عددا من الأفلام العالمية عن الفراعنة منها «الملك العقرب»، «سارقو التابوت الضائع» والفيلم الأجنبى «المومياء» عام 1999 «الوصايا العشر» وغيرها وهو ما يدفعنا للتفكير الجاد حفاظا على حقوقنا التاريخية ناهيك عن مليارات الدولارات التى تدر على مصر من السياحة الأثرية..


ومن جانبها أعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية إطلاق فيلم وثائقى عن «الملكة كليوباترا» على قناة الوثائقية من المقرر عرضه قريبًا.. وفى ظل اهتمام الدولة المصرية تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى بالحضارة الفرعونية وانتظارا لاحتفالية ضخمة مع افتتاح المتحف الكبير قريبا.. استعرضنا أراء الخبراء فيما يجب أن يقدمه الفن دفاعًا عن الحضارة الفرعونية العريقة..


أفلام تسجيلية عالمية
أكد المؤلف بشير الديك أن أحد أهم مؤرخى العالم وهو رجل أمريكى الأصل اسمه جيمس هنرى برستيد والذى يملك كتابا فى مرجعه العظيم اسمه «فجر الضمير» تحدث عن الحضارة المصرية وقال انها جاءت قبل كل الحضارات فى العالم، وبعد مراحل كثيرة بدأ الضمير فى مصر، وبدأت فيها ايضًا فكرة الله الواحد الأحد الحاكم العظيم غير المرئى، وهذا مسجل ومعترف به، اننا حضارة عشرة الاف سنة قبل الميلاد، فالاهرامات تم بناؤها 3500 عام قبل ميلاد المسيح، وهى مبنية بهذا الاعجاز، فمصر هى اقدم دولة وأول حضارة فى التاريخ، ويجب على الدولة أن تشجع صناع الافلام التسجيلية لتقديم اعمال عن الحضارة المصرية القديمة، فيتواجد فى بلدنا اثار عريقة وكبرى ومن السهل تصويرها، سواء التماثيل أو المعابد أو الاهرامات، وأن تكون هذه الأعمال من خلال مراجع بحثية عالمية، فنحن لم نقدم كثيراً فى هذا المجال، وهو ما قدمه المخرج شادى عبدالسلام فى فيلم «المومياء» عام 1969 على سبيل المثال، ففى مراجع جيمس هنرى مكتوب كيف وجدت الحضارة المادية والروحية كذلك، وهذا يتم تقديمه من خلال افلام ومسلسلات تسجيلية يصرف عليها، وايضا يمكن تقديم اعمال فنية معاصرة لا توجد مشكلة فى ذلك، لكن يجب على الدولة ان تشجع ذلك، لانه لن يتشجع احد فى القطاع الخاص لتقديم هذا النوع، فمصر مذكورة فى القرآن مرات عديدة وفى التاريخ والاثار وكذلك رحلة السيد المسيح إلى مصر، والعديد من الاديرة التى ذهبت إليها السيدة مريم العذراء، فعندنا تحتاج الدولة إلى ذلك ستجد العديد من القصص الكثيرة جداً، لذلك يجب ان يكون اهتمام دولة بدلاً من أن يكون انتاج منتج يريد ربح الأموال.


مساحات مدفوعة
ويرى المخرج محمد فاضل أن الحروب حاليًا ليست حروب اسلحة ولكنها أصبحت حروبا فكرية واقتصادية، فالحرب العالمية انتهت فى 1945،والتى كانت عبارة عن قوات مسلحة تحارب قوات المسلحة لكن  الحروب الفكرية فهو أمر يشمل كل الشعوب، وهذه أخطر بكثير ولابد ان يكون لدينا استراتيجية حرب، وأعتقد انه يجب علينا ان يكون لدينا وزير إعلام حرب، ووزير ثقافة حرب، ووزير تعليم حرب، لأن فكرة إثبات هويتنا لن تقام إلا بنفس الطريقة، ولقد ظللنا لسنوات عديدة متجاهلين حضارتنا القديمة فى وقت من الأوقات، وكان من الممنوع علينا ان نتحدث عنها لأنه كان اعتقاد أن الفراعنة هم اتباع فرعون موسي، وكان يجب ان يتم الرد وقتها بأن فرعون ليس مصريا ولكنه فى عصر الهكسوس، وان المصريين القدماء ليسوا فرعون، وأن أطفالنا من اول المرحلة الابتدائية والاعدادية والثانوية لابد ان يتعلموا ان الحضارة المصرية القديمة هى حضارتنا، وأنه لابد من نشر المعرفة الثقافية للناس بكل مستوياتهم المعرفية لأنهم هم من يواجهون هذه الحرب، ولا يكفي،الرد على هذا الهجوم بمسلسل أو بيان فقط، فلابد من استراتيجية كبيرة جدا لمواجهتها، وأنا سعيد بمسلسل «يحيى وكنوز» لأنه تحدث عن الحضارة المصرية بشكل لائق يحبه الاطفال والكبار، وبالطبع من يقود هذه الحرب هم علماء المصريات القديمة وهو أمر رائع أن تقوم الشركة المتحدة بإنتاج فيلم «كليوباترا» للرد على الفيلم الاخر، هى جهود جيدة ولكنها لا تكفي، لابد ان يكون الشعب بالكامل مقتنعا انه منتم لهذه الحضارة العريقة، لان ذلك سيكون بمثابة المناعة، وايضا الفيلم الاسطورى الذى قدمته مصر مع حفل المتحف الكبير لماذا لا يتم إعادة عرضه على القنوات مرة اخرى من خلال شراء مساحات مدفوعة على القنوات الاجنبية، وافلام اخرى وهذا لن ينظمه الا لجنة متخصصة من التعليم والثقافة وعلماء المصريات، وايضا يمكن شراء مساحات تليفزيونية لعلماء مصريين مثل العالمى زاهى حواس.


واجب وطني
وأكد المؤلف مجدى صابر نحن أهملنا هذا التاريخ وهو الأمر الذى أدى إلى استغلال البعض لهذا الامر والنصب علينا، ومن المفترض أن نرد الجميل لأجدادنا و نقدم أعمالا فنية عنهم، ونحن نملك آلاف الكتب التى تتحدث عن هذا التاريخ العظيم ولكننا نملك قلة فى الاعمال الفنية التى تتحدث عن الحضارة الفرعونية سواء فى الافلام او المسلسلات، فتقديم الحضارة الفرعونية فى أعمال تليفزيونية هو واجب وطني، فهى حضارة حكمت نصف العالم فى وقت ما، ونحن نملك الآثار بشكل مادى وهى الآثار التى نستطيع ان نقدم بها هذه الاعمال مثل المعابد والاهرامات وغيرها وكيف قام المهندس المصرى ببناء الاهرامات، فيجب ان يكون الرد عمليا وليس خياليا.


مخاطبة العالم
وقال المؤلف عمرو سمير عاطف يجب ان نقدم أعمالا تخاطب العالم حتى يصبح صوتنا عاليا وتستحق المتابعة والمشاهدة، وهذا ممكن، ان نصل للعالمية حتى يتبين للعالم الحقيقة، وان الاثار اثارنا، فطول ما نقدم اعمالا بعيدا عن المطلوب تقديمه، تصبح الاعمال ضعيفة وبالتالى يستغل المغرضون هذا الضعف لصالحهم، ويطرحون أفكارهم هم، والدولة دورها ان تعطى الفرص للأفكار الفنية للعمل، حتى تظهر فكرة عمل فرعونى عظيم وأن تكون الفكرة مربحة ماديا، لأنه لو كان الهدف من العمل هو وطنى بدون ربح، هى فكرة لا تأتى بنتيجة وتصبح وقتية لمدة عام او اثنين على الاكثر، لكن لو كان هناك منتجون قدموا العمل بشكل ربحى سيظل عندنا أعمال وأعمال عن الفراعنة، ويجب على الدولة ايضا أن تسمح بتصوير الآثار على أراضيها، والمخرج محمد دياب حين جاء لمصر لتصوير مشاهد مسلسل «مون نايت» العالمى والذى يثبت ان الفراعنة مصريون، لم يتم السماح له بالتصوير فى مصر، لذا يجب السماح للمخرجين بالتصوير فيما بعد للرد المناسب على افلام المغرضين الأجانب ويجب إزالة العراقيل، وأؤكد أنه بعدها بسنوات بسيطة ستحل الأزمة، وغير ذلك صوتنا لن يخرج.


أعمال مدروسة
وأضاف المؤلف محمد سليمان عبدالمالك ان هذا الامر هو تقصير منا فى حق تاريخنا كصناع وككتاب دراما عموما، وانه حين تم تقديم مسلسل فرعونى تم تقديمه بأخطاء تاريخية واستسهال لدرجة جعلته لم يتم عرضه، ومن هنا ظهرت فئة انه لا يوجد مشكلة فى عرضه، نعرضه ثم ننقده، وهو ما يعد أمرا سيئا، فالحضارة المصرية العريضة يجب ان تبنى اعمالها الفنية على حقائق وبحوثات موثوقة، وان يتم دراسة القصة جيدا من بدايتها فى البحوث التاريخية وصولا للكتابة والتصوير حتى  تصل إلى الشاشة، وان العمل لم يكن سيصل إلى العالمية ولكنه كان ممكن ان يكون خطوة للامام، نحن نملك كنوزا فى التراث وتاريخنا ترك لنا هذه الكنوز، وبسبب عدم استخدامنا له استغلها الناس فى الخارج، وقدموا دعاية لأنفسهم بها، والمسألة مش صعبة، الفكرة ان تقديم اعمال فرعونية هو أمر مهم جدا، وتأثيرها فى الجمهور فى الداخل قبل الخارج هو أمر مطلوب، فلابد من تنوع الدراما وان يتم تقديم العمل من عدة أطراف وفرق عمل وليس من طرف وحيد، ونحن نستطيع ذلك ولدينا الكتاب والممثلون والتقنيات، وليس من مقامنا ان نقوم برد فعل فقط على فيلم تم عرضه، ولكن يجب ان يكون هناك مبادرة منا لتعظيم حضارتنا وربطها بمصر، وان نقوم بتقديم عمل صادق وهادف هو امر سيجعل العمل يصل إلى العالمية بشكل طبيعي، وسيحصل على فرصته فأنا أملك قصة مسلسل فرعونى وكنت أتمنى تقديم شىء عن الحضارة المصرية العظيمة. كما اننى عندى تجربة فى مسلسل «ممالك النار»حين ركزت على الدقة وجودة العمل تم طرحه فى العديد من الدول العربية بل وصل إلى العالمية وتم ترجمته أيضا.

 

اقرأ ايضا : بعد أزمة مسلسل كليوباترا: ماهى حركة «الأفروسنتريك»؟

ترشيحاتنا