منجي على بدر يكتب : تسارع الزمن وأثره على الحضارات والإنسان

منجي على بدر
منجي على بدر

 

 الحضارة هي حالة متقدمة للمجتمع الإنساني تجاوز فيها حالات الفوضى ووضع أسسًا تنظيمية لحياة الناس مما أوجد نمط حياة مريحا نسبيا وفتح مجالات تفكير فى مجالات العلم والفنون وفرص عمل فى  التجارة والعمران والزراعة والصناعة بدءا من الحرفية وانتهاء بالذكاء الاصطناعى حاليا .

  وخلال ال ٥٠ عاما الماضية تسارع الزمن وتسارعت الثورات الصناعية وبدأ الانسان الآلي ( الروبوت) في منافسة البشر ، وزاد الإعتماد علي الذكاء الاصطناعي وتغيرت طبيعة الأشياء مع تغير المزاج البشرى  وزاد عدد الاختراعات لاراحة حياة البشر ولكن زادت الهموم وتفككت الروابط المجتمعية لصالح الروابط الرقمية والفضاء الرقمي .

 وتغيرت طبيعة البشر وتغيرت المفاهيم لصالح الذكاء الاصطناعي وتغير كل شيء ولكن صمدت ثوابت مثل الكتب السماوية وختامها القرآن الكريم  .

 نعم نعيش في عصر سريع ومعقد بالمقارنة بعصر البخار وعصر الكهرباء وما قبلهما حيث التغير الاجتماعى والصناعى والاتصالات والمواصلات بطىء ومريح لطاقة الإنسان علي الاستيعاب .

  وقد بدأت مرحلة التغييرات السريعة منذ اكتشاف  واستخدام جهاز الكمبيوتر في نهاية الستينات ثم جهاز التليفون المحمول بشكل تجارى مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات  وكذا تغول مفهوم العولمة وانتشار ظاهرة تقسيم العمل واستغلال الغرب للفوائض البترولية فى اعادة استثمارها بالدول النامية ، ثم دخول النت فى حياة البشر والصناعة والمواصلات والاتصالات وألغي النت بشكل شبه كامل تأثير البعد الجغرافى علي استمرار الحضارات الإنسانية لمدد طويلة ، ثم ظهر الذكاء الاصطناعي ( الربوت) الذي ينافس البشر  وقدرته الكبيرة علي تخزين المعلومات، بل وقدرته على تطوير امكاناته ذاتيا وهو ما قد يعد خطرا على البشر.

   وتنادي بعض الآراء في الوقت الراهن بضرورة السيطرة علي الذكاء الاصطناعي قبل توحشه ووقف تطويره في مجالات معينة وخاصة في المجال العسكري والمجال البشرى قبل أن يسيطر الروبوت علي الانسان ومقدراتنا بشكل كامل.


    وأثبتت الأبحاث أن الذكاء الاصطناعى أو الروبوت أصبح لديه وعى ذاتى ، وبالفعل استطاع الذكاء الاصطناعى البدء فى الاستثمار فى البورصة وسوق المال، وتتخوف شركات التكنولوجيا من تطوير الذكاء الاصطناعى وقد يخرج عن السيطرة فى المستقبل.

والسؤال : ماهو تأثير التطور التكنولوجى والاتصالات على حياة البشر والحضارة الغربية الراهنة ؟

مع تبنى الحضارة الغربية للعولمة أصبح العالم قرية صغيرة وساد النموذج الغربى اقتصاديا وثقافيا وانتقل مصنع العالم الى الصين وتفكك الاتحاد السوفيتى وانفرد الغرب بقيادة العالم واصبح الخصم والحكم .

  ولاشك أن الدخول فى عصر "العولمة" قد منح الغرب هيمنة اضافية فوق الهيمنة التقليدية القديمة، فأضحت القوى الغربية رقيباعلى شعوب العالم الثالث وكل بلدان "الأطراف"، بحيث أصبح واقع التبعية للخارج أكثر وطأة وتم تهديد الاستقلال والاقتصاد الوطنى، الذى أصبح يقف ضعيفا فى مواجهة العولمة ليخوض منافسة غير متكافئة مع شركات عالمية عابرة للقوميات والتى بلغت من القوة ماجعل رأسمال الواحدة منها يزيد على ميزانيات دول كثيرة . كما تعرضت الهوية الثقافية لشعوب الحضارات التقليدية لخطر التهميش، فى مقابل سيادة نمط ثقافى وحضارى هو النمط الغربى وهو ما يحرم الحضارة الانسانية من الثراء الذى يغذيه التعدد والاختلاف ، وأوجد نوع من التوجس والتحدى لدى العديد من شعوب العالم.

  ونرى أن العولمة أفادت الدول الغربية كثيرا وأضرتها فى النهاية فتطور الصين ودول جنوب شرق آسيا والهند جاء ( ضمن عوامل أخرى) بسبب العولمة وتقسيم العمل عالميا حتى أصبحت الصين مصنع العالم بل تفوقت تكنولوجيا على الغرب فى بعض الصناعات، وأصبح اجمالى الناتج المحلى الاجمالى لدول تجمع البريكس يزيد على الناتج الاجمالى لمجموعة الدول الصناعية السبع .

  وجاءت الحرب الروسية الاوكرانية لتكشف المستور عن قدرات الدول الغربية عسكريا واقتصاديا , كما كشفت عن بداية تشكيل نظام عالمى جديد فى مواجهة القديم ، ويرى البعض أنه لايمكن أن يتم ذلك (نظام عالمى جديد) بدون تفكيك خطابات التفوق الغربى ، ومنح الاحترام لكل الاسهامات البشرية فى حضارة الانسان بمختلف مراحلها التاريخية على أساس "وحدة الحضارة الانسانية"، للوصول لنوع من الانصاف والعدل لكل الجهود الحضارية على مدار التاريخ ،  فلولا هذه الجهود المتعاقبة التى سبقت حضارة الغرب ما كان لهذه الحضارة أن تقوم من الأساس.

 وقد حان الوقت لدعم وتشجيع الجهود الرامية للاسراع فى تأسيس نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب يسوده العدل وتتوازن القوى وبدايات ذلك بدأت تلوح فى الأفق، فما الصعود الصينى والروسى والهندى والبرازيلى والجنوب أفريقى، ويمثلوا تجمع "بريكس" ومعهم مجموعة "شنغهاى"، الا بداية في هذا الاتجاه الصحيح.

كاتب المقال 

 وزير مفوض ومفكر اقتصادى

عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة

ترشيحاتنا