صيام ذوي الهمم .. فرصة عظيمة للدمج المجتمعي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

"ابني مريض داون وأنا أريد أن أجعله يصوم مثل إخوته وأقرانه في العائلة، وهو غير متقبل الأمر بشكل جيد، هل أجبره على الصوم، أم أتركه كما يريد هو؟ وهل هو شرعا عليه الصوم أم أنه من الفئات غير المكلفة؟" كلمات تسائلت بها أم إحدى الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة عن صوم أبنها وماذا عليها أن تفعل، وهي تريد أن يكون طفلها كغيره من الأطفال، يصوم ويصلي، ولم يكن حالها وحدها بل حال الكثير غيرهم ممن رزقوا بإحدى هذه النعم.


نقدم في التقرير التالي مانريد معرفته عن صيام ذوي الهمم من أبنائنا، ومن منهم مكلف ومن غير مكلف بالصيام، وكيف يمكننا تأهيلهم للصيام، ودور الأسرة والمجتمع في دعمهم في كل الأحوال...


التكليف
في البداية أوضح دكتور عبد الغني هندي عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أن كل حالة من ذي الهمم لها وضعها، فمن يطيق منهم الصيام فهو مكلف، ومن لا يطيق غير مكلف، والتكليف يكون على المسلم البالغ العاقل القادر، منوها أن الطبيب المعالج هو من يمكنه تحديد ما إذا كان الإنسان يمكنه الصيام أم لا، حيث أن الأصل في الصيام القدرة والاستطاعة، سواء كانت قدرة جسدية المتمثلة بقوة البنية والتحمل والبلوغ، أو قدرة عقلية متمثلة في القدرة على التمييز والإدراك.


الطب يحدد
وأضاف أن هذا الأمر طبي أكثر منه شرعي، ومن الناحية الشرعية فيقول تعالى "من كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر"، والمريض هنا يحدد قدرها الطب، قائلا "الصوم عبادة لم يفرضها الله لتعذيب الناس، ولكن هذه العبادات من أجل تنقية الناس، ولا يجب علينا ان نتعنت أو نتعسف".


من يمكنه الصوم
ومن جانبها أوضحت دكتورة إيمان عبدالله أستاذ علم النفس واستشاري العلاج الأسري في بداية حديثها أن ليس كل ذوى الاحتياجات الخاصة يمكنه الصيام، وليس كل ذي إعاقة يمكننا تدريبه على الصيام، فأصحاب الإعاقات الشديدة لايمكنهم الصوم، ومن يتدرب على الصيام من لديه إعاقة حركية ولكن قواة العقلية سليمة، ومن لديه إعاقة ذهنية بسيطة، ويكون مدرك للصيام ومعنى الصيام، وكذلك أصحاب التعلم البطيئ ومتوسطى الذكاء، وأيضا أصحاب متلازمة داون يمكنهم الصيام، المصابون بالتوحد.


القدرة على التحمل
متابعة أن صيام كل هؤلاء يكون حسب قدرتهم على التحمل، قائلة "ممكن البداية بوقت قليل ونزيده تدريجيا، إلى أن يصل ليوم كامل حتى لو يوم واحد في أخر رمضان، ولا يجب إطلاقا الضغط على الأولاد من أجل الصوم".


التأهيل للصوم
وعن تأهيلهم لفكرة الصوم فأشارت أنه علينا قبل رمضان أن نحدثهم عن الصيام وكيفيته، ونؤهلهم نفسيا لاستقبال الشهر الكريم، ونصنع معهم الفانوس بأيديهم أو نرسمه ونلونه، ونجعلهم يشاركون في عمل الزينة وتعليقها في المنزل، والمشاركة في الاستعداد للإفطار وتجهيز الأطباق، والنزول مع الأب أو الأم للصلاة فى المسجد بعض الأحيان، وكذلك الاستعداد للعيد بعد رمضان، ونجعله يعيش كل الطقوس مثلنا، كل ذلك في حال أن حالته تسمح بذلك، وهذا من باب المشاركة الروحانية في رمضان فيشعر معنا بطقوس وشعائر الشهر الكريم.


فوائد جمة
وأضافت أستاذ علم النفس أن الصيام له الكثير من الفوائد لذوي الإعاقة طالما أنه مدرك للصيام ولديه القدرة على الصيام حتى لو لبضع ساعات، فهنا يدرك الوقت، ويزيد من قوة الإرادة لديه ويعلمه الصبر والتعاطف والرحمة والمقدرة.


وأكدت أن الأسرة عليها دور كبير في أن تؤهل طفلها من ذوي الاحتياجات للصيام، وتشجعه وتساعده وتدعمه نفسيا وبدنيا واجتماعيا للدمج في مثل هذه المناسبات الدينية، ونزود ثقته بنفسه إلى أن يصل لصيام الشهر كامل ويتعرف على كل المعاني الفاضلة داخل الشهر والحكمة ومن الصيام.


فرصة عظيمة للدمج
ولفتت دكتورة إيمان إلى أن إشراك هؤلاء الأطفال في مثل هذه العبادات فرصة عظيمة من أجل دمجهم في المجتمع، والصيام مع الأسرة نوع من أنواع الدمج، يحسن نفسية الطفل وحالته الصحية والإجتماعية، فهذا يجعله يشعر أنه مثل غيره ويفعل مثلما يفعل غيره ويشعر ببهجة الصيام مثلنا، معلقة "الصيام أيضا يعالج بعض الاضطرابات مثل اضطرابات الأكل وفرط الشهية لدى البعض من هذه الفئة".


وأضافت أن الصيام يعزز الثقة في نفس الأطفال، وخاصة ذوى الاحتياجات الخاصة، ويجعله يشعر أن لديه قدرة مثل أقرانه الأصحاء، وهنا يوجد جانب سيكولوجي خاص ببرمجة الدماغ بان الصيام يوميا مع تكرار سماع الآذان في نفس الوقت يعلم الطفل ان يحفظ الآذان، ويعزز عنده الطاقة الروحانية ويزيد الجانب التنموي واللغوي، ويكون معبر أكثر.


وأشارت أستاذ علم النفس أن الأشخاص من ذوي الإعاقة المؤهلين لعمليات التقليد والمحاكاة الممنهجة والمنظمة هم من درجة الإعاقة البسيطة وأحيانا المتوسطة فقط، أما ذوو الإعاقة الشديدة والشديدة جدا فهم غير مؤهلين أبدا لعملية التقليد والمحاكاة بصرف النظر عن نوع الإعاقة.


مختتمة "ومن القواعد الهامة بصفة عامة أن نعامل الطفل ذوي الاحتياجات الخاصة كطفل عادي في جميع المناسبات، ولا نشعره بالتفرقة بينه وبين غيره". 


وأشار دكتور رفعت عبد الباسط أستاذ علم الإجتماع إلى أنه من باب رحمة الله بعباده فإن تكليفات الإسلام سواء كانت صلاة أو صوم أو زكاة أو حج، تكون فرض على من لديه القدرة على القيام بها، والقرآن الكريم قال "ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر".


دور المجتمع
وأوضح أن ذوي الهمم فئات متعددة، فمنهم من لديه عجز حركي أو سمعي أو بصري أو ذهني، وإذا كان المريض من الناحية الفسيولوجبة يمكنه تحمل فترات الصيام فيصوم، وإذا كان عمره العقلي يستوعب هذا فنشجعه عليه، وعلينا كمجتمع نتقبل كل الأوضاع ولا نسخر ممن لا يستطيع منهم الصوم أو لا يفهم معنى الصوم، ونوجه أولادنا بأهمية ذلك وعدم التنمر على أقرانهم من ذوي الهمم، هذا ونساعد من يمكنه الصيام كأن نجعله يصوم حتى الظهر أو من الظهر، ولكن دون تعنت لفرض الصيام عليهم لأن الإسلام دين سماحة ويسر، والأمر عموما متروك حسب نوع الإعاقة ودرجتها.

 

اقرأ أيضا : جامعة عين شمس تنظم ورشة عمل لذوي الهمم بالتعاون مع هيئة الفولبرايت 

ترشيحاتنا