«الخرف» خطر يتضاعف مع الإنفصال

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كتبت : إيثار حمدى

نتائج وعواقب الطلاق ليست فقط منصبة على الأبناء كما يعتقد الغالبية العطمى منا، ولكن انفصال الزوجين يسبب الكثير من المشكلات الصحية والاجتماعية والنفسية لهما، ووفق دراسة أجرتها جامعة ولاية ميشيجان الأمريكية، على أكثر من 15 ألف فرد عانوا حالات زوجية مختلفة، ووجدوا أن الطلاق يضاعف خطر الإصابة بالخرف، فيما أكد العلماء أن الرجال (المطلقين) أكثر عرضة من النساء (المطلقات) فى حالات فقدان الذاكرة.

 

(س. ع) محاسب، يحكى عن والده الذى أصيب فى نهاية حياته بالخرف، لدرجة جعلتهم يلجأون إلى العديد من الأطباء النفسيين لعلاجه، ولكن دون نتيجة، لافتا إلى أن والده انفصل عن والدته بعد أن تجاوز الستين، وكان يعتمد عليها فى كل شئون حياته، ليعيش بعد الطلاق حالة نفسية سيئة، كانت تجعله يتشاجر مع أولاده فى كل لقاء يجمعهم، وأدى به الحال إلى عدم تذكرهم واحدا تلو الآخر، لينتقل الأمر إلى حالة هذيان، وصل إلى حد الخرف، وقال إنه مع إخوته الثلاثة يتناوبون على البقاء معه فى المنزل خوفا من أن يؤذى نفسه.

 

المصير المؤلم!
الحالة نفسها تكررت مع (ل. م) سيدة فى الخامسة والخمسين من عمرها، بعد هجرة زوجها إلى الخارج لمدة عشرين عاما أرسل فى نهايتها إليها ورقة الطلاق عقب عودته والاستقرار فى القاهرة، نتيجة مشكلة صغيرة حدثت بينهما تطورت إلى الانفصال.


وتحكى الابنة عن مرض والدتها قائلة: أمى صغيرة جدا على «الخرف»، ولكنها لم تصدق نفسها حين تلقت ورقة الطلاق، كانت تظن أن والدى حين عاد من الخارج سوف يعوضها عن سنوات التحمل والصبر، لكنه تركها تواجه مصيرها المؤلم، وكلما كنت أدخل عليها أجدها تحدث نفسها، ودموعها لا تفارق وجهها.


وأضافت: حاولت أن أصطحبها إلى طبيب نفسى ورفضت، ولكن الأمور تصاعدت فجأة، وهى الآن تخضع للعلاج، ولكن حالتها تزداد سوءا يوما بعد آخر، ولذلك كنت مضطرة إلى أخذ إجازة طويلة من عملى حتى أظل بجانبها.

 

شتات وهذيان
الحالة الثالثة كانت لبائع خضار يدعى (م. ر)، لم ينجب من زوجته الأولى فقام بتطليقها، وتزوج الثانية ولم يرزقه الله أيضا بالإنجاب، وتكرر الأمر مع الزوجة الثالثة، والرابعة، وفى كل مرة كان يطلق زوجته ويتزوج من أخرى، حتى أصبح فى نهاية الأمر بدون زوجة ووجد نفسه فى الخامسة والستين من عمره، لتبدأ أعراض الخرف تظهر عليه مع من يتعاملون معه.. يقول ابن أخيه: إن عمى يتغيب عن البيت لشهور ولا نعلم أين يذهب، ثم يظهر فجأة وهو لا يعرف أحدا، ودائما فى حالة توهان، وأحيانا ينسى أن يتناول طعامه، وأنا أفكر فى إيجاد مصحة لأضعه فيها حتى يقضى بقية أيامه فى أمان.

 

الزواج والزهايمر
ويـشـــير الدكتــــور علـــى النبـــــوى، أســتاذ واستشارى الطب النفسى بجامعة الأزهر، إلى أن دراسات كثيرة أجريت على الأزواج بهدف معرفة تأثير العلاقة الزوجية على الأشخاص المتزوجين وغيرهم من غير المتزوجين، فمثلا من الدراسات التى أثبتت أن الزواج يحسِّن الحالة النفسية، وأكثر دعما للمرضى النفسيين خاصة مع أشهر الأمراض النفسية وهو ما يسمى الفصام، وهناك دراسات أثبتت أن المتزوجين أقل عرضة للإصابة بالقلق والتوتر من غير المتزوجين، وأحدث الدراسات كانت عن الاكتئاب وتبين أن المكتئبين أكثر عرضة لمضاعفات المرض عندما يكونون غير متزوجين.

 

وأضاف: نحن اليوم بصدد تفسير آخر وعميق، لأنها دراسة مطولة أجريت على المرضى المسنين الذين أصيبوا بالخرف الأولى أو ما يسمى الألزهايمر، وتبين أن الأفراد المتزوجين أقل عرضة للإصابة بالمرض من غير المطلقين، وكانت الدراسة قد بُنيت على أساس علمى يؤكد أن المتزوجين لديهم الناقلات العصبية أكثر إيجابية ومساراتها منتظمة بشكل أدق من غير المتزوجين الذين تكثر لديهم حالات القلق والاضطرابات فى الناقلات العصبية بما يسمى الأستيل كولين والدوبامين، وهما المسئولان عن أمراض الخرف والشيخوخة والذاكرة لدى كبار السن، لذلك معظم الأدوية، التى اكتُشفت حتى الآن لعلاج هذه الحالات، تعمل بشكل مباشر على ضبط هذه الناقلات العصبية.

 

المطلقون أقل حظًا
وتابع الدكتور النبوى: أحد التفسيرات التى تتبنى الدعم النفسى تفيد بأن المخ يعمل بكامل كفاءته عندما يكون لديه أهداف موجهة ومهمات متعددة، وهذه المهمات تجعله فى حالة تركيز مستمر ليستطيع تحقيق أهدافه، وهو بالطبع يكون أفضل حالا ممن يعيش حياته بدون أثر إيجابى أو بدون هدف محدد، والدراسة ليست جديدة فى نوعها على المسنين فقط، ولكنها متميزة بهذا التفسير الاجتماعى وهو ما يسمى بالفحص أو الرؤية الديموجرافية التى تركز على السن والحالة الاجتماعية والمكان الذى يعيش فيه الفرد، والمهنة التى يمتهنها، فكانت الدراسة مميزة بالحالة الاجتماعية، لأنها وجدت أن الأكثر إصابة بهذا المرض هم العزّاب أو المطلقين، وكان التفسير المنطقى لها هو أن الزواج يعطى دعما نفسيا ويحسِّن حالة الشخص المعنوية مما يجعله أقل عرضة للإصابة بهذا النوع من الأمراض.

 

علاقات اجتماعية
ومن جانبها أشارت الدكتورة عبلة البدرى، أستاذ علم الاجتماع واستشارى الطفل والأسرة، إلى أن أى علاقة بين طرفين يحدث بينهما توتر أو إساءة أو قلة راحة أو يكون أحد الطرفين غير متمتع بصحة نفسية جيدة تؤدى على المدى البعيد لحدوث هذا النوع من الأمراض مثل الذهان أو الفصام أو فقدان الذاكرة أو الخرف أو الألزهايمر، ولكن لا ترتبط بشكل مباشر بالطلاق، لأن حدوث الطلاق فى الكثير من الأحيان يكون حلا وراحة للطرفين أو أىٍ منهما، ليتخلص من الحياة مع شخصية سامة، فلا يمكننا أن نجزم بأن الطلاق هو ما يسبب هذا النوع من الأمراض لأنه فى بعض الأحيان يكون الزواج هو المسبب لها.


وأوضحت: الطلاق والزواج علاقات اجتماعية، وعندما نرجع للأصل فهى علاقات اجتماعية وأى علاقة تسبب التوتر والأذى والتنمر والضرر النفسى والجسدى على المدى البعيد بالتأكيد ستؤدى لحدوث الخرف والألزهايمر وفقدان الذاكرة، ولا يرتبط الأمر بالطلاق والزواج ولا يكون الطرف المتضرر رجلا أو امرأة.

 

الأسباب متعددة!
وتوضح أن ذلك ينطبق على العلاقات بكل أنواعها، وممكن أن توجد علاقات بين إخوة وبعضهم أو شركاء فى العمل تؤدى لحدوث هذا النوع من الأمراض وبدرجة أقوى وأعنف، بل وقد تتسبب الصدمات فى حدوث أمراض عضوية وليس أمراضا نفسية فقط مثل الضغط والسكر والجلطات والأزمات القلبية وغيرها، وهنا نؤكد أن أى نوع من العلاقات تسبب المشاعر السلبية لابد أن تؤدى فى النهاية لهذا النوع من الأمراض وأكثر، فالضغط النفسى والتوتر والقلق والخوف والإحباط والخذلان، أيًا ما كان سببها، متواجدة فى كل أنواع العلاقات، وليس العلاقات الزوجية، وهناك علاقات يؤثر فشلها بشكل أكثر سلبية على الشخص، مثل المشكلات التى تحدث بين الإخوة، أيًا كانت الأسباب، الذين نعتبرهم الأمان والسند وفجأة لا يجدونهم بجوارهم بل ويقفون ضدهم، والشخص الذى من المفترض أن يقوم بدور الحماية يكون هو من يسبب الأذى، وهذه العلاقات السامة أكثر ضررا من الطلاق.

 

وترى نسمة الشاذلى، استشارى العلاقات الأسرية، أن أى ضغط فى العموم يؤثر فى القدرات العقلية، فإذا كان الشخص يعانى من قلق أو وسواس أو أى اضطرابات يكون مصاحبا لها الكثير من الأفكار الكثيرة الشريرة، وخاصة المشكلات الأسرية تسبب نوعا من أنواع فقدان التركيز أو النسيان، وهو عرض منتشر جدا، لأن الكتلة الأكبر من الطاقة والتفكير موجهة فى مكان آخر، وهذه الأعراض متعارف عليها بشكل كبير، فهى غالبا ما تكون مصاحبة لأى اضطرابات نفسية أو إشكاليات تحدث للإنسان فى فترة معينة من حياته.

 

اقرأ أيضا : مدبولي يشهد توقيع بروتوكول برنامج الحوافز المادية لـ«تنمية الأسرة المصرية»

احمد جلال

محمد البهنساوي

ترشيحاتنا