التنمر بين الطلاب .. خطر يهدد أمنهم

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كتب : أحمد جمال

«التنمر» وتاحدة من أسوأ السلوكيات التى نعاني منها في مجتمعنا، والتى انتشرت فى الآونة الأخيرة بصورة كبيرة، ونتج عنها العديد من الضحايا، ومؤخرا أثارت واقعة الطالبة رودينا بالصف الأول الثانوى بإحدى مدارس منطقة الهرم التى توفت بعد أن تعرضت للتنمر من قبل زملائها جدلاً واسعًا حول سلوكيات الطلاب فى المدارس والتى تأخذ فى التغير بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة ما انعكس على زيادة وتيرة معدلات العنف وتعرض ما يقرب من 70% من الطلاب للتنمر بحسب دراسة صادرة عن منظمة اليونيسيف.

 

لم يكن تفوق الطالبة رودينا صاحبة الستة عشرة عاماً كافيًا لأن تحظى بمعاملة طيبة من أقرانها بالمدرسة، وبحسب رواية والدها فإن زملاءها بالفصل قاموا بإزعاجها أكثر من مرة، وأنها تقدمت بأكثر من شكوى ضد تصرفاتهم لكن دون أن تتحرك إدارة المدرسة، ومع الوقت تعرضت رودينا لكثير من العبارات المسيئة مثل «إيه دا هو انتى بتحسي، إنتى إزاى مستحملة شكلك ده، إنتى مش شايفة عاملة إزاي»، وكلما حاولت تجاهل هذا التنمر وذهبت للعب معهم كانوا يرفضون قائلين «انتى مش من مستوانا».


شعرت رودينا بحزن وقهرة شديدين، حتى أنها رفضت الطعام ومكثت عدة ساعات فى غرفتها حزينة، حتى أصابتها أزمة قلبية حادة وهبوط حاد بالدورة الدموية وتوفيت فى الحال، متأثرة بما تعرضت له من تنمر من زملائها ولفظت أنفاسها الأخيرة قبل نقلها إلى المستشفى.

 

داخل وخارج المدرسة
تشكل حالة رودينا جزءاً من الممارسات غير السوية التى تقع داخل الحرم المدرسى وخارجه أيضا، وخلال العام الدراسى الحالى أعلنت العديد من المديريات التعليمية عن حالات كثيرة وقعت فيها اعتداءات من جانب الطلاب بين بعضهم البعض أو من جانب المدرسين بحق الطلاب أو العكس، إلى جانب انتشار تحديات الألعاب الخطرة على أجهزة المحمول والتى كادت تودى بحياة أكثر من طالب، مع انتشار التدخين بصورة كبيرة أجمع عليها عدد من المعلمين الذين تواصلنا معهم فى هذا التحقيق.


أظهرت بيانات تابعة لمنظمة اليونيسيف خلال عام 2019، أن نسبة 70% من أطفال مصر يتعرضون للتنمر من قِبَل زملائهم فى المدارس. علاوة على ذلك، أن تنامى ظاهرة التنمر بدأ يتخذ منحنى أكثر حدة ويخرج عن جدران المدارس وبين الطلاب والأطفال، حتى يصبح بمثابة ظاهرة تبرز على السطح فى المجتمع ما بين الحين والآخر.

 

الاتجاه تصاعدى
وقالت ريحاب سامى معلمة لغة فرنسية بإحدى مدارس المنصورة، إن العنف يأخذ منحى تصاعدياً داخل المدارس منذ بداية الصف الرابع الابتدائى وأن الواقع يشير إلى تزايد السلوكيات العدوانية لدى الطلاب ولم تعد فكرة تقبل الآخر موجودة لدى الكثيرين منهم، وحجم المشكلات التى تقع بين الطلاب تتزايد بشكل مستمر، وأن تحسين أفعالهم بحاجة إلى أنشطة وجدانية يتشارك فيها الطالب والمعلم وولى الأمر.


وأضافت أن تحسين السلوك بحاجة إلى أساليب تدريبية مختلفة للمعلمين وأولياء الأمور على كيفية تدريب الطلاب على التعايش فى المجتمع ولم تعد الكلمات التى يتم ترديدها فى طابور الصباح كافية لترك أثر إيجابى فى نفوس الطلاب، ولابد أن يجيد المدرس التصرف فى تزايد حالات التنمر، وهو أمر لا يتوفر بالنسبة للكثيرين وقد يكون ذلك خاضعًا للفوارق الفردية بين المعلمين.

 

ولفتت إلى أن الأزمة الآن أضحت تتمثل فى أن كل معلم لديه منهج دراسى يستهدف الانتهاء منه وفقًا للخريطة الزمنية دون مراعاة العوامل الأخرى التى بحاجة إلى إرشاد تربوى وتحتاج لمزيد من الوقت لا يتوفر للكثير من المعلمين مع المسؤوليات المتشعبة عليهم، لافتة إلى أن وجود مادة القيم الأخلاقية أمر إيجابى لكن الأهم تحويلها إلى نشاط وتطبيق عملى يقنع الطلاب ويدفعهم للالتزام به.


وأكدت أن المهدد الأكبر للطلاب فى الوقت الحالى يتمثل فى زيادة معدلات التدخين داخل الحرم المدرسى بصورة كبيرة ولم يعد الطلاب يخشون من المعلمين كما كان الوضع فى السابق، وتؤثر حالة التسيب التى تسود بعض المدارس وغياب التربية الأسرية على الجهر بالتدخين دون حسيب أو رقيب.

 

وقبل أيام تقدمت النائبة غادة على، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بطلب إحاطة بشأن منع بيع وتجارة التبغ للأطفال الأقل من 18 عاما، مشيرة إلى أن الدولة تنفق من ميزانيتها الملايين مقابل التعافى من الأمراض المزمنة، وسيتزايد معدل إنفاقها ما لم تسيطر على تعاطى الأطفال للتبغ فى هذه السن الخطرة.


وحذرت الدكتورة غادة علي، من حالة الاستقطاب التى يتعرض لها أطفالنا فى المدارس من قبل عادات وتقاليد غريبة على مجتمعنا المصرى والتى تنعكس بشكل سلبى على سلامتهم الصحية والنفسية والبدنية بل وتفقدهم هويتهم المصرية وترابطهم الأسرى تدريجيا، متابعة: «بيبيعوا السم لأولادنا فى المولات والاحتفالات الجماهيرية الخاصة بالشباب والأكشاك الملاصقة للمدارس، والأمور بتوصل لفجوة أسرية وهروب من المنازل وحالات انتحار وإدمان وسرقة وكذب وخلافه من كل الموبقات الأخلاقية فى هذه السن الصغيرة».

 

المناهج جيدة
وأشار على زيدان وهو معلم بإحدى المدارس التجريبية فى الجيزة، إلى أن توزيع أنصبة المعلمين التى تولى اهتماماً بوجود عدد أكبر للمعلمين فى المراحل الابتدائية الأولى على حساب المرحلتين الإعدادية والثانوية يعد جزءاً من الأزمة فى ظل حالات العجز التى بحاجة لأن يتم سدها بما يساعد على أن يسود الانضباط داخل المدرسة.

 

ولفت إلى أن مناهج الصفين الرابع والخامس الابتدائى جيدة ويمكن البناء عليها لتحسين سلوكيات الأطفال من خلال القيم التى تبرزها لكنها بحاجة أكثر إلى تفعيل عملية الاستفادة منها من خلال تحويل القيم إلى أنشطة يتدرب عليها الطلاب، إلى جانب الاستغلال الأمثل لحصص الأنشطة والألعاب التى لم يعد لديها وجود فى كثير من المدارس ما ينتج عنه حالة من الفراغ تؤدى لارتكاب سلوكيات العنف والتنمر.


وطالب باستحداث وحدات دراسية تحمل اسم «سموم قاتلة» لتعريف الطلاب بالآثار السلبية للتدخين والمخدرات وغيرها من العادات الضارة بالصحة، على أن يتم تدريسها فى فترة زمنية طويلة ويخوض فيها الطلاب نقاشات موسعة مع المعلمين والأخصائيين بما يساهم فى إحداث تغيير فى سلوكياتهم.

 

المسئولية جماعية
وأكد الدكتور تامر شوقي، أستاذ علم النفس التربوى بجامعة عين شمس، أن علاج مشكلة التنمر يتطلب تضافر جميع مؤسسات المجتمع (الأسرة، والمدرسة، ودور العبادة، ووسائل الإعلام وغيرها) ولما كان للأسرة الدور الأكبر فى تنشئة ورعاية الأطفال وتشكيل سلوكهم منذ السنوات الأولى من العمر، فتقع على عاتقها المسؤولية الأبرز فى مواجهة التنمر.

 

وأضاف أن أولياء الأمور مطالبون بتقديم النموذج والقدوة للطفل فى عدم التنمر على الآخرين سواء الأصدقاء أو الجيران أو الأقارب، ما يكسب الطفل بشكل لا شعوري  قيمة احترام الآخرين، إلى جانب أهمية إشغال الطفل بالأنشطة المفيدة مثل القراءة أو الهوايات المختلفة، ومراقبة استخدام الطفل لشبكة الإنترنت مثل يوتيوب وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعى على رأسها «تيك توك» وتوعيته بأن هذه الأدوات قد تتضمن محتويات ضارة مثل الإساءة للآخرين.


وشدد على أهمية تدعيم ثقة الطفل بنفسه، وتوعيته بكيفية التصرف حال تعرضه للتنمر من قبل آخرين سواء من الأطفال أو غيرهم (مثل إبلاغ الوالدين أو معلمه فى المدرسة) حى يمكنه التعامل مع مثل تلك المواقف بفعالية.


وفى المقابل أكد أن المدرسة أيضًا عليها أدوار مهمة فى مقدمتها أهمية إتاحة الأنشطة المختلفة سواء الفنية أو الرياضية أو الثقافية للتلاميذ داخل المدرسة ما يتيح لهم الاندماج فيها وتفريغ طاقاتهم بدلاً من توجيهها نحو زملائهم وتفعيل دور الأخصائى النفسى فى مراقبة والتعامل مع الأطفال الذين يظهرون تنمراً تجاه زملائهم، وعقد ندوات لاستضافة رجال الدين لتوضيح تحريم الأديان لسلوكيات التنمر وتقديم مكافآت للتلاميذ الذين يلتزمون بالسلوكيات الخلقية ومنحهم شهادات تقدير ليكونوا قدوة لزملائهم الآخرين.

 

تحديد الأدوار
وقالت الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها، إن المدارس يجب أن تعيد النظر فى أدوار الأخصائى الاجتماعى والنفسى للتعامل مع سلوكيات الطلاب الخاطئة وعليهم أن ينخرطوا مع الطلاب فى ممارسة الأنشطة المختلفة دون أن يقتصر دورهم على حل المشكلات التى تطرأ، وأن الإدارة المدرسية تتحمل الجزء الأكبر من حالة التسيب التى تشهدها العديد من المدارس لأنها مسؤولة عن انتظام العملية التعليمية وضمان سلامة اليوم الدراسى بما يشمل من أنشطة علمية ورياضية واجتماعية.


وأوضحت أن علاقة الطلاب بالمعلمين تحدد إلى حد كبير اتجاهات سلوكياتهم داخل المدرسة، ولابد أن تكون تلك العلاقة فى إطار خطة تعليمية واجتماعية وتربوية تضعها وزارة التربية والتعليم وتشرف على تنفيذها من خلال الموجهين على مختلف تخصصاتهم داخل المدرسة وذلك فى إطار أدوار مخصصة لكل طرف بمن فيهم الطلاب بحيث لا تكون علاقة الطالب بالمدرس حرة وأن تحكمها حقوق وواجبات يتم الالتزام بها.


وشددت على ضرورة وجود علاقة سوية بين المدرسة وأولياء الأمور من خلال تفعيل عمل مجالس الآباء ووضع استراتيجية مشتركة لتقويم سلوكيات الطلاب تنفذ فى البيت والمدرسة على حد سواء، مشيرة إلى أن الأسرة عليها أدوار تربوية خارج المدرسة فيما تتحمل وزارة التربية والتعليم والإدارات التعليمية مسؤولية تقويم سلوكيات الطلاب داخل المدرسة.

 

اقرأ أيضا : مرصد الأزهر: التنمر المدرسي.. خطر يهدد الطلاب

ترشيحاتنا