مبادرة شبابية تضم 4500 متطوع لتنظيف النيل من المخلفات البلاستيكية

مبادرة شبابية لتنظيف النيل
مبادرة شبابية لتنظيف النيل

آية فؤاد 

المخلفات البلاستيكية زادت فى مياه النيل، ماشكل خطر كبير خلال السنوات الماضية، فالمخلفات البلاستيكية تشكل خطر على صحة الإنسان، والكائنات البحرية، لذلك قام مجموعة من الشباب بحملة تنظيف وإزالة المخلفات البلاستيكية من نهر النيل، من خلال مبادرة تضم 4500 متطوع، و65 صياداً يشاركون فى تنظيف النيل بعدة جزر منها «القرصاية» و«الوراق»، وتعمل المبادرة خلال الفترة المقبلة على التوسع فى تنظيف النيل بكافة المحافظات التى يمتد فيها نهر النيل بمصر..

 

قمنا باستقلال مركب صغير والوصول لجزيرة «القرصاية»، وهناك جدنا مصنعا صغيرا يحتوى على آلاف الكيلوجرامات من البلاستيك المرفوعة من النيل والتى يقوم العمّال بضغطها وتحويلها إلى «باله»،  فالجزيرة مقر لمشروع يعمل القائمون عليه بجدية مع صيادى الجزيرة لتنظيف النيل، وإعادة تدوير المخلفات البلاستيك من خلال ورشة تعمل بها السيدات لتتحول المخلفات على أياديهن لمنتجات صديقة للبيئة.

 

فكرة المبادرة
يقول هانى فوزي، مدير مشروع تحسين أحوال الصيادين بمبادرة «Very Nile»: بدأنا مشروعنا بفريق عمل من الشباب لديهم فكرة بأهمية نظافة النيل وتطهيره من جميع المخلفات، ولتوصيل الفكرة للآخرين نظمنا فعاليات شاركت فيها مدارس وجامعات مختلفة وعدد من الممثلين والشخصيات العامة، للتعريف بأهداف المبادرة، ووجدنا أن أكثر الذين تتأثر حياتهم بالنيل هم الصيادين لأنه مكان عملهم، فالتلوث الذى يحدث بالنيل يؤثر سلباً فى الصياد، نتيجة التأثير فى الثروة السمكية وانخفاضها، بالتالى ينخفض دخل الصياد، ورغم ذلك كان توصيل الفكرة للصيادين صعبًا، إذ لم تكن لديهم قناعة بأهمية إزالة المخلفات من النيل، ولكن مع إدراكهم أن هذا سيؤدى لزيادة الثروة السمكية بما يعود عليهم بالنفع أصبح الموضوع أكثر سهولة.

 

يتابع: كانت البداية مع 4 صيادين فقط حتى وصل عددهم حالياً إلى 65 صيادا أغلبهم من جزيرة القرصاية، وآخرون من جزيرتى الوراق والمعادى يرفعون المخلفات البلاستيكية من النيل، وبعد جمعها يتم وزنها، من ثم  إفرازها حسب اللون سواء أبيض أو أخضر أو شفاف، ثم يقوم العمال بكبسها لتصبح «باله»، ويأخذ الصياد حافزا ماديا مقابل الكيلو الواحد من المخلفات الذى يصل سعره إلى 14 جنيهاً فى حالة الزجاجات البلاستيكية الشفافة، لأنها يسهل إعادة تدويرها، بعكس الزجاجات الملونة التى نتعاون مع إحدى شركات الإسمنت لاستخدامها كمصدر للوقود بعد حرقها، ولكن يحدث ذلك مع توفر عدد كبير من الفلاتر حتى لا تسبب أى ضرر بيئي.
أما النوع الشفاف فنعطيه لمصنع بمدينة 6 أكتوبر يقوم بتحويله لكرات صغيرة يتم إرسالها بعد ذلك لمصنع بإسبانيا متخصص فى إعادة تدوير المخلفات البلاستيك، وإدخالها ضمن الماركات الكبيرة فى العديد من المنتجات كالأحذية والملابس مقاعد السيارات، لافتاً إلى أنه طوال فترة العمل بالمبادرة تم رفع حوالى 170 طنًا من المخلفات البلاستيكية من النيل، حيث يرتفع حجم المخلفات البلاستيكية بموسم الصيف، فتتراوح من 10 إلى 12 طنًا، أما فى الشتاء فتتراوح بين 6 و7 أطنان.

 

وأكد أن المبادرة تلقى دعما من شركات خاصة كثيرة تتبنى أفكار إعادة التدوير ولديها اهتمام بالبيئة، ويقوم متطوعون منهم بالمشاركة فى رفع المخلفات من النيل وتوعية الناس بالفكرة، كما قام بالعمل مع المبادرة ما يقرب من 4500 متطوع فى أكثر من جهة، بالإضافة إلى بروتوكول تعاون مع جهاز شئون البيئة يسمح للمبادرة بتنظيف النيل من القاهرة إلى أسوان، وخلال الفترة المقبلة سيتم التوسع لتشمل المبادرة كافة المحافظات.

 

مشاركة الصيادين
ويعد صيادو جزيرة «القرصاية» شركاء أساسيين وسببًا فى نجاح المبادرة، حيث إن لديهم المهمة الأصعب وهى رفع المخلفات يومياً من النيل. يقول عمرو حسنين، وهو من أوائل الصيادين الذين شاركوا بالمبادرة: اقتنعت بفكرة المبادرة من البداية لما أجده فى النيل من مخلفات كثيرة أثناء عملي، كما أنها تمثل فائدة لى من حيث زيادة الدخل وتقاضى الحوافز نظير الكيلوجرامات التى أجمعها يومياً من المخلفات البلاستيكية،  التى تتراوح بين 30 و35 كيلو، ما دفعنى لتشجيع غيرى من الصيادين للمشاركة فى المبادرة التى تقدم لنا منفعة وفى نفس الوقت نحفاظ على البيئة.


بينما يقول زميلة عبده إن المبادرة ساهمت فى زيادة الثروة السمكية، ما انعكس إيجابيًا على دخولهم بشكل مباشر، لافتاً إلى أنه بعد مشاركة معظم صيادى الجزيرة فى رفع المخلفات أصبحوا فى كثير من الأحيان لا يجدون مخلفات بالنيل، ولكن فى المقابل لاحظوا زيادة السمك أثناء الصيد.

 

ورش إعادة التدوير
كمــــا توفـــر المــبادرة إمكانيـــة مشـــاركــة الصيادين، إذ توفر للسيدات فـــرص عـمــل من خـــلال ورشـــة لإعـــادة تدويــر الأكـيـاس البلاستيكية.. تقول فاطمة محمود، المسئولة عند تدريب السيدات بالورشة: إن الورشة تتبنى فكرة إعادة تدوير الأكياس البلاستيكية التى تأتى كتبرعات من بنك الكساء لاستغلالها والتصدى للتلوث البيئي، وفى البداية تتولى السيدات تنظيفها وتعقيمها، تمهيدًا لإعادة تدويرهــا عــبر إدخـــالها كعنصــر أســاسى فى العديد من المنتجات كالحقــــائب وأكـــياس الشراء وغيرها، لنقوم بتسويقها «أونلاين»، ونشارك بها فى المعارض.

 

وتوضح أن الورشة تستهدف سيدات «القرصاية» لتوفير فرص عمل لهن داخل الجزيرة، لأنهن ليست لديهن فرص عمل سوى فى مجال الصيد، موضحة أن الورشة وفرت 20 فرصة عمل للسيدات بجانب مشاركة أخريات فى العمل من المنزل، وهناك سعى لاستيعاب أعداد أكبر منهن، بالإضافة لتوفير فرص تدريب بالورشة للسيدات على أعمال الخياطة والأشغال اليدوية.

 

تقول أم هنا: التحقت بالعمل فى الورشة منذ عام تقريبًا بعد أن عرفت أن فكرة العمل تقوم على إعادة تدوير الأكياس البلاستيكية، حيث قام فريق من المبادرة بتوصيل الفكرة لنا، وفى البداية لم تكن لدى فكرة عن الخياطة والأشغال اليدوية، ولكن الورشة وفرت لنا مدربين كانوا داعمين لنا حتى أصبحنا فريق عمل واحدا، حيث نتبادل الآراء والخبرة ونصنع منتجات من الأكياس البلاستيكية تعود علينا بعائد مادى يساعدنا فى نفقات المعيشة.


أما أم محمد وهى من أولى المشاركات بالورشة، فتقول: «العمل بالورشة له عدة مَيزات، فهو أولاً فرصة عمل مناسبة وداخل الجزيرة، حيث إن المهنة الأساسية داخل الجزيرة الصيد وهى غير مناسبة للسيدات، بالإضافة إلى أنها تحد من التلوث البيئي، كما أوضح القائمون عليها، وساعدت سيدات كثيرات فى الجزيرة فى الحصول على دخل لمساعدة أفراد أسرهن من خلال المشاركة فى الورش والمعارض الخارجية.

 

ومثلما توفر الورشة فرص العمل للسيدات، هناك أيضًا فتيات داخل الجزيرة وجدن فى المبادرة متنفسًا لهن بعد الانتهاء من التعليم وفى الإجازات الدراسية، من بين هؤلاء إسراء التى وجدت فرصة عمل مناسبة بعد حصولها على دبلوم تجارة، وتقول: شعرت بالسعادة عندما جاءتنى فرصة العمل بالورشة، حيث كانت لدى رغبة فى التعرف على أشخاص جُدد، وخوض تجربة جديدة بعد الانتهاء من الدراسة، وأعجبت بفكرة الورشة فى إعادة تدوير المخلفات من الأكياس البلاستيكية، خاصة أننى أعلم مدى ضررها على البيئة، بالإضافة إلى أن لدى هواية التفصيل والخياطة وأشغال الكروشيه التى تعلمتها بالمدرسة وأتقنتها أكثر بعد قدومى للعمل بالورشة، لافتة إلى أن العمل ساعدها فى الاعتماد على نفسها بعد الخطوبة وشراء مستلزمات الزواج.

 

مؤتمر المناخ
وشارك فريق عمل المبادرة فى مؤتمر المناخ كإحدى المنظمات المهتمة بالبيئة، كما توضح فرح عبدالباقى مسئولة التوعية بالمبادرة: تواجدنا فى المؤتمر من خلال تقديم ما يُسمى «الموضة المستدامة»، بمجموعة من التصاميم المُعاد استخدامها من شِباك الصيادين والأكياس البلاستيكية، بالإضافة للتواجد مع الشركات التى لديها نفس اهتماماتنا فى البحر المتوسط ومن مختلف محافظات الجمهورية وقمنا بعرض أعمالنا وأفكارنا، وطرحنا بعض التوصيات التى وضعناها معاً على أجندة الدولة لحماية البيئة.


وكان من بين هذه التوصيات أهمية وجود 1000 متر مكعب فى كل حى ومنطقة من الحدائق العامة والأشجار، حيث يعمل ذلك على تنقية الجو، والحفاظ على ضغط الدم، والصحة عمومًا، كما أوصينا بالحفاظ على المياه والصرف الصحى من التلوث وتفعيل القوانين ضد المتعديين على البيئة.

 

ومن واقع عملنا كمبادرة مسئولة عن الحد من أضرار المخلفات البلاستيكية، قدمنا توصيات بمنع أنواع البلاستيك المسرطنة، أو التى يصعب تدويرها ومنها البلاستيك الأخضر والملوّن، وتحديد كثافة معينة لاستخدامات الأكياس البلاستيكية، واستبدالها بأنواع أخرى، تماماً كما منع الاتحاد الأوروبى تداول الأغراض البلاستيكية أحادية الاستخدام.


لفتت فرح إلى أهمية تواجدهم بمؤتمر المناخ التى انعكست بشكل إيجابى على المبادرة، وجعلت فكرتهم مسموعة أكثر لدى المسئولين، مشيرة إلى زيارة الدكتور هانى سويلم وزير الرى والموارد المائية لمقر المشروع، وتأكيده على دعم الوزارة لخطط توسع المشروع لتغطية جميع المحافظات، ومدى استجابته لتوصيات المبادرة بالتصدى لأى مصدر مسئول عن تلوث النيل، وبالفعل تم اتخاذ إجراء حاسم بوقف تصريح تسيير عائمة ألقت مخلفات صلبة فى النيل بعد ساعات قليلة من إرسال الفيديو المتداول بواقعة التعدى للوزارة، كما تم نشر بيان بما حدث والعقوبة التى وُقِّعت على المركب بالصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء مع تخصيص الخط الساخن 01555994343 للإبلاغ عن أى حالة تعدٍ على النيل.

 

اقرأ أيضا: المخدرات الرقمية.. الأسباب والعلاج| إنفوجراف 

 

احمد جلال

محمد البهنساوي

ترشيحاتنا