الجانب المشرق في التغيّر المناخي وما يقدمه من فرص واعدة – فهل سنغتنمها؟

بيتر
بيتر

ضرورة العمل على إعادة صياغة حوار التغير المناخي ليتناسب مع الفرص السانحة

بالتزامن مع دعوة الشركات والحكومات لتلبية تعهداتها المناخية قبيل انطلاق قمة المناخ COP27


بقلم بيتر هيرويك، الرئيس التنفيذي لشركة أڤيڤا 
يجتمع قادة الدول والأعمال في العالم في شرم الشيخ بمصر للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغير المناخ COP27 الشهر الحالي، والذي يعتبره الكثيرون أول نسخة تهتم بالتنفيذ الفعلي من دورات المؤتمر. فسيطلب من الجهات المشاركة إثبات التزامها الفعلي بتعهداتها المتعلقة بالتغير المناخي وتنفيذ الاتفاقيات السابقة التي تهدف إلى تقييد ارتفاع درجة الحرارة بواقع 1.5 درجة مئوية مقارنة بما قبل المستويات الصناعية.
 
ولهذا فإن قمة COP27 هي الفرصة السانحة لاغتنامها في اتخاذ الإجراءات الفعلية لتحسين حياة ما يقارب 3.3 إلى 3.6 مليار شخص يواجهون مخاطر التداعيات الكارثية للأحداث المناخية والحرارية.  
 
ولا شك في أن هدفنا المتمثل في 1.5 درجة مئوية لن يتحقق إلا بالعمل الفوري والدقيق لتخفيض الانبعاثات في كافة القطاعات.  
 
وكما قالت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) فإن اتخاذ الإجراءات بشكل فوري يمكنه أن يخفض انبعاث غازات الدفيئة إلى النصف بحلول العام 2030 ليضعنا على الطريق الصحيح للوصول إلى هدفنا.
 
وقد تساعدنا إعادة رسم مقاربتنا وتأطيرها، إذ إن التغير المناخي يحمل معه العديد من المخاطر الكبيرة ولكن النظر إلى آثاره في هذا السياق وحده قد يجعلنا نركّز على جزء صغير من المشكلة. وعلينا بدلًا من ذلك النظر إلى الصورة الكبيرة للتعامل مع الوضع الكليّ.  
 
من الأساليب الشائعة في التعامل مع الظروف المناخية كالأعاصير والجفاف اعتبارها أحداثًا فردية تترك أثرها مرة واحدة على الأرباح، ولكنها في الواقع جزء من موجة متكررة تفاقمت بفعل التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية، وفقًا لتحليل أجري مؤخرًا على 504 حدثًا جويًا قاسيًا.
 
ويرى قادة الحكومات والأعمال بأن تلك الموجة ستؤدي إلى عواقب طويلة الأمد، حيث يضعون عدم اتخاذ الإجراءات المناخية المناسبة في المرتبة الأولى ضمن الأسباب طويلة الأمد التي تهدد الحياة وسبل المعيشة، وذلك بحسب استطلاع للرأي أجري لإعداد تقرير المخاطر العالمية خلال المنتدى الاقتصادي العالمي 2022.  
 
وبالمقارنة، يمكن لنجاح الإجراءات المناخية أن يساعدنا في قطع شوط كبير لتحقيق النتائج الإيجابية.  
 
لدينا فرصة غير مسبوقة خلال قمة COP27 تتيح لنا دخول حقبة الاقتصاد الأخضر.
 
فالطلب المتزايد على المنتجات والحلول التي تدعم الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية سيخلق فرصًا غير مسبوقة تفوق قيمتها 12 تريليون دولار من المبيعات السنوية بحلول العام 2030، وفقًا لتوقعات نشرتها ماكنزي. وتتحقق المكاسب من خلال تجمعات القيمة الجديدة كالبنية التحتية والنقل والطاقة والكهرباء والمباني.
 
تميل السياسات الحكومية لصالح اقتصاديات الانبعاث الصفري بالفعل. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يقدم قانون تخفيض التضخم استثمارات بقيمة 369 مليار دولار في مجالات المناخ والطاقة، وقد يؤدي إلى إنشاء 1000 شركة جديدة. وعلى الجانب المقابل تهدف استراتيجية Global Gateway التي وضعتها المفوضية الأوروبية إلى حشد 300 مليار يورو في استثمارات مستدامة حول العالم حتى العام 2027. كما تم إقرار قوانين مماثلة أو ما تزال قيد المناقشة في كل من أستراليا و المملكة المتحدة.
 
وتعطي تلك الموجة الجديدة من التشريعات وأولوية للاستثمار في قطاعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية المستدامة والنقل المرن وسلسلة الإمداد وأمن الرعاية الصحية.
 
والآن حان الوقت لاستجابة قطاع الأعمال، فنحن نعيش في العقد الذي وصفته الأمم المتحدة بعقد العمل. وبالنظر إلى ضيق الوقت المتاح، فإن مسؤوليتنا هي العمل لجعل عالم العدالة والانبعاثات الصفرية واقعًا ملموسًا.
 
قد يسبب حجم المهمة رهبة في أشجع النفوس، ولكن بوسعنا هنا أن نستوحي إلهامنا من الأحداث التي شهدناها أخيرًا – إذ علّمتنا جائحة فيروس كورونا أن بوسع البشر التغلّب على أصعب الظروف والتحديات.
 
بوسعنا أن نكون على قدر التحدي وأن نحقق الانتصار إذا عملنا انطلاقًا من مقصد استراتيجي ونفذنا إجراءات صارمة لا حياد عنها.  
 
ويمكن لاستراتيجية ثلاثية أن تساعدنا في فتح آفاق الفرص المستدامة:
 
1. التعامل مع التزامات المناخ من خلال عقليّة إدارة الأعمال: فقد تعهدت العديد من الشركات حول العالم بالوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية وبدأت الإجراءات المتخذة في هذا السياق تظهر واضحة قبيل انطلاق فعاليات قمة المناخ COP27. وبهذا يكون الوقت قد حان لتقسيم تلك التعهدات إلى مستهدفات محددة وقابلة للتحقيق للربع المقبل ثم العام المقبل ثم السنوات الخمسة المقبلة. فنحن في عالم الأعمال نستخدم خططًا استراتيجية من صفحة واحدة، كتلك التي اقترحها الاستشاريون الإداريون جيم كولينز وفيرن هارنيش، لتحديد أهدافنا والنهج المتبع في الوصول إليها ووصف الوضع الراهن. وبوسعنا استخدام استراتيجية مماثلة لتحديد واستهداف انبعاثات النطاق الأول والثاني والثالث وما بعدها.
2. تسطيح المنحنى عبر اتخاذ الإجراءات الفورية. وكما تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC ، فإن التخفيض الفوري والعميق للانبعاثات في كافة القطاعات هو السبيل الوحيد لتقييد الاحتباس الحراري بدرجة ونصف. وتتوفر الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك بالفعل بشكل تقنيات منافسة ومتوفرة أثبتت فعاليتها، ترتبط العديد منها بالاستثمار في الرقمنة والكهربة. على سبيل المثال، أثبتت التقنيات الرقمية المدعومة بالبيانات للقادة في شركتي هنكل و BP وعدد من الشركات الأخرى المدرجة في قائمة فورتشن 500 قدرتها على تحديد مسارات واضحة لتخفيض الانبعاثات سريعًا وعلى نطاق واسع. وكما تدرك الشركات تمامًا، فإن إدارة التغيير عملية مستمرة، ولا بدّ لنا من الاستثمار اليوم كي نحصد النتائج غدًا.
3. تضافر الجهود لتسريع النتائج: تعدّ الشراكات عاملًا بالغ الأهمية لتحقيق التقدم - سواء كان ذلك في تسريع النمو أو تعهيد عمليات الأعمال. ونرى أن الشركات ذات الرؤية المستقبلية الثاقبة بدأت بالفعل بمواجهة تحدي انبعاثات النطاق الثالث عبر إشراك صانعي السياسات وتسريع جهودها لدعم تخفيض الكربون في سلاسل الإمداد الخاصة بها، بما في ذلك العمل في كافة إدارات الشركة وعبر نماذج التعاون في القطاع. ويظهر أحد الأمثلة في شركة رائدة بقطاع الكهرباء، والتي قررت كسر حواجز البيانات التنظيمية لتشارك البيانات ضمن اقتصاد صناعي مترابط لتشجع وترسخ كفاءة النظام وتدعم نقلة الطاقة. فالعمل التشاركي استراتيجية أثبتت نجاحها في تحقيق مكاسب الأعمال ويمكن تطبيقها من أجل الوصول إلى الانبعاثات الصفرية.
 
لدينا فرصة حاسمة كي نوائم نماذج أعمالنا مع العمل المناخي.
تتبنى المزيد من الشركات مستهدفات المناخ القائمة على العلوم من أجل الوصول إلى عمليات أكثر استدامة وإثبات مسؤوليتها. فاليوم تقوم أكثر من 80 بالمائة من الشركات الدولية الكبرى بنشر تقارير الاستدامة، وهو تطور مهم للغاية إلا أنه ليس بنفس أهمية مواءمة استراتيجية الأعمال مع الانتقال إلى انبعاثات الكربون المنخفضة، أو البحث عن سبل تسريع العمل المناخي عبر أنشطة العمل الجوهرية.
 
ندرك بأن تحقيق الأثر المتواصل يتم من خلال المنتجات التي نطرحها في الأسواق وكيفية دعمنا لعملائنا في مسيرتهم لتخفيض انبعاثات الكربون، كما ندرك بأن قياس وإدارة البصمة الكربونية أمر مهم لأية شركة. ولكننا كقادة أعمال نرى بأن الوقت الراهن هو الوقت الأمثل للنظر إلى المستقبل وتحديد كيفية مساهمة الشركات في تأمين مستقبل أفضل للبشرية وللكوكب. ننظر في أڤيڤا إلى هذه المساهمة الإيجابية تجاه الاستدامة عبر الأنشطة والشراكات مثل بصمة الاستدامة التي سنتركها في العالم، ونستلهم جهودنا من الإمكانات غير المحدود التي تتوافق مع ثقافتنا الداخلية المرتكزة على الأثر والابتكار.
 
ولهذا فإن إعادة تأطير الحوار المتعلق بالفرص السانحة أمامنا يمكن أن يجمع الأطراف المعنية حول مائدة الحوار، بينما يدعم الاستدامة لدينا جميعًا. فقمة المناخ المقبلة COP27 تشكّل لحظة فارقة يمكن من خلالها تغيير الواقع الراهن للتغير المناخي وتنفيذ وعودنا على أرض الواقع من أجل مستقبل مستدام للجميع. فهل سنغتنم الفرصة؟

ترشيحاتنا