أبوالغيط يحضر الجلسة الإفتتاحية لتحضيرات القمة العربية

الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية بالجزائر
الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية بالجزائر

 

في بداية كلمة أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية تقدم بالشكر  لعثمان الجرندي وزير الشئون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج للجمهورية التونسية، على ترؤس بلاده أعمال القمة العربية العادية للعام 2019 بتونس، والتي كانت قمة ناجحة بكل المقاييس من حيث تنظيمها وأعمالها وقراراتها.. 

وتقدم ايضا بالشكر لرمطان لعمامرة وزير خارجية الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية على حسن الإعداد والاستقبال وكرم الضيافة الذي أحاطتنا به الجزائر منذ وصولنا، مُتمنياً لأعمال القمة كل النجاح والتوفيق بإذن الله.

وأوضح أبو الغيط بأن القمة العربية  تلتئم بعد ما يقرب من ثلاثة أعوام من الانقطاع بسبب جائحة كورونا.. وفي خضم أحداث جسام على المسرح الدولي والإقليمي على حد سواء.

وغني عن البيان أن القمة العربية هي الآلية الأهم من آليات العمل العربي المشترك.. ذلك أنها تضع إطاره الناظم، وتصوغ الرؤية التي يتحرك في إطارها، والأهداف الاستراتيجية التي يسعى لتحقيقها.

لذلك فإننا نحرص جميعاً كل الحرص على القمة ودورية انعقادها.. ونعتبر احتضان الجزائر لهذه القمة الخامسة والثلاثين إشارةً إلى استئناف ما انقطع.. علماً بأن العمل العربي المشترك قد تواصلت فاعلياته ومساراته المعهودة خلال السنوات الماضية.. في ظروف صعبة نعلمها جميعاً.. بل ونجح مجلسكم الموقر –المجلس الوزاري- في صيانة آليات العمل العربي، وفي الحفاظ على جدية القرارات العربية الصادرة عن المجلس والتي تُشكل الإطار السياسي الذي نتحرك فيه.. وتعبر عن المواقف الجماعية التي نتبناها وندافع عنها في المحافل الدولية.

ولا شك أن لهذا المجلس أهمية محورية في تحقيق التوافقات المطلوبة وبلورة الأجندة النهائية للقمة .. التي أعرف أن الإخوة في الجزائر يعملون بإخلاص وتجرد لكي تكون حدثاً استثنائياً.. يضع خطةً ويرسم طريقاً للعمل العربي المشترك في المرحلة المُقبلة.

ولا يتسع المقام بطبيعة الحال أن أتناول هنا كافة القضايا المعروضة على مجلسكم الموقر، والتي يُنتظر أن تتضمنها أجندة القمة.. ولكني أود التركيز على نقاط مختصرة، أو عناوين سريعة.

أولاً:

إننا نتابع جميعاً تواتر الأزمات العالمية على نحو جعل الأزمة حالة مستمرة، وليست مجرد وضع عابر.. وقد ظهر واضحاً أن الاستعداد للأزمات، وتحصين المجتمعات إزاءها وزيادة قدرتها على الصمود، يقتضي عملاً مؤسسياً وتكاملياً.. ويتطلب نظرة استراتيجية، تنطلق من الواقع ولا تفتقر للخيال في ذات الوقت.. وأتصور أن واقع الأزمة والتعامل معها لابد أن يحتل مكانة مهمة على الأجندة العربية.. خاصة في ضوء التبعات الخطيرة للأزمات العالمية على منطقتنا.

ولا شك أن أزمة الغذاء، وما يتعرض له الأمن الغذائي من تهديد، تُمثل أولوية مهمة .. ونأمل أن تشهد القمة تدشيناً لاستراتيجية الأمن الغذائي العربي.. في وقت تشتد فيه الحاجة لعمل تكاملي وجماعي لمواجهة الفجوة الغذائية الخطيرة التي يُعاني منها العالم العربي.. فضلاً عن الأوضاع الاستثنائية والطارئة في بعض دولنا، ومنها الصومال على السبيل المثال، والذي يقف نحو نصف سكانه على شفا المجاعة.

ثانياً:

يتجه العالم، كما نرصد جميعاً، صوب المزيد من الاستقطاب والتصلب في المواقف والتحالفات.. وتعكس الحرب الدائرة في أوكرانيا ما يُمكن أن تؤدي إليه صراعات القوى الكبرى من تبعاتٍ بالغة السلبية على كافة الدول، حتى تلك التي لا ناقة لها ولا جمل في الصراع.. وتقتضي المرحلة القادمة تنسيقاً مُستمراً بين الدبلوماسيات العربية.. من أجل صياغة مواقف جماعية قوية تعكس الإجماع ووحدة الكلمة، وتُعزز المصالح العربية في بيئة عالمية تتسم بالسيولة الشديدة من ناحية، وبالتكتل والاستقطاب من ناحية أخرى.

ثالثاً:

لا زالت الأزمات العربية في عدد من دولنا تُمثل جراحاً نازفة.. تستهلك الموارد والإمكانيات، وتأتي على الحاضر والمستقبل، وتُضعف الأمن الجماعي وتزيد من انكشاف المنطقة... وأقول بصراحة إن انخراط المنظومة العربية في معالجة الأزمات، على نحو جماعي وفي إطار الجامعة العربية، لا زال أقل من المأمول والمطلوب... وأن العالم، في خضم انشغاله بالأزمات الضاغطة قد ينسى أزماتِنا أو يتناساها.. وهو ما يفرض علينا واجب العمل بالجدية الكاملة من أجل إنهاء هذه الأزمات السياسية والأمنية الخطيرة في كل من سوريا واليمن وليبيا.

إن هذه الأزمات لم تُثقل كاهل المنطقة بكلفة إنسانية واقتصادية تفوق التصور فحسب، ولكنها وفرت كذلك ثغراتٍ نفذت منها قوى إقليمية غير عربية، لتُمارس أدواراً تخريبية من أجل الهيمنة على بعض المجتمعات العربية، والاستفادة من واقع الأزمة لتحقيق مصالحها.. وأود التأكيد هنا على أن معالجة هذه الأزمات، والتوصل إلى تسويات سياسية توقف نزيف الدم والحروب في الدول التي تُعاني منها، يظل المفتاح الأهم لإنهاء هذه التدخلات الضارة والمُزعزعة للاستقرار التي تُمارسها الأطراف الإقليمية في الشئون الداخلية للدول العربية.

رابعاً:

تمر القضية الفلسطينية بمرحلة صعبة تُنذر بما هو أسوأ وأشد خطراً ... إن الاحتلال الإسرائيلي يُمارس هوايته المعهودة في اللعب بالنار، غير عابئ بأن سياسات العنف والقمع ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة تمحو كل أثر لاتفاق أوسلو، وتقوض الأساس الذي يُمكن أن ينهض عليه حل الدولتين في المستقبل.  

وفي المقابل، نرى أطرافاً دولية لا تُدافع عن هذا الحل سوى بالكلام الإنشائي والخطب الرنانة، من دون أي خطة عملية لإطلاق عملية سلمية جادة، أو أي عمل فعلي لصيانة حل الدولتين أو منح الفلسطينيين ضوءاً في آخر نفق الاحتلال الطويل. 

وأقول من دون مبالغة أو رغبة في شحن الأجواء إن الأوضاع في الأراضي المحتلة، كما نتابعها يومياً، على شفا الانفجار.. وأن الرهان على استمرار الوضع القائم إلى مالا نهاية، رهانٌ خاطئ ومُضلَل.

إن المرحلة الحالية تقتضي منّا عملاً جاداً من أجل تعزيز الصمود الفلسطيني، على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية.. ولا شك أن توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية بالجزائر مؤخراً يُمثل خطوة على الطريق الصحيح.. ونتطلع جميعاً إلى ترجمة عملية لهذا الاتفاق، والتزاماً من جانب الفصائل الفلسطينية بتطبيق بنوده.

​خامساً وأخيراً:

​تظل الجامعة العربية، ولكي تستمر في أداء رسالتها، في حاجة إلى دعمكم جميعاً.. سواء بالإيفاء بالمُساهمات بحسب الحصص المُقررة للدول، أو بالانخراط النشط في أعمالها، في كافة المجالات وأوجه النشاط التي تنتظم تحت مظلتها.. وأقول بكل إخلاص إن هذه المنظمة الإقليمية لديها من الإمكانية والقدرات والخبرات البشرية، ما يُمكنها من القيام بأدوار أوسع وأكثر تأثيراً في إطار العمل العربي المشترك ومجالاته المختلفة.

​وفي المحصلة، تبقى الجامعة معبرةً عن مجموع إراداتكم.. وقوتها وفاعليتها مستمدة من هذه الإرادة الجماعية وحدها.. ونتطلع جميعاً إلى أن تكون هذه القمة علامة فارقة على طريق تنشيط العمل العربي المشترك، وتجديد دمائه، وتعزيز فاعليته.