مقاربه للقصه القصيره (غيمة) للكاتب شرقاوي حافظ بنادي أدب مصر الجديدة   

الكاتبة والناقدة المهندسة هبة السهيت
الكاتبة والناقدة المهندسة هبة السهيت

 

تقول الكاتبة والناقدة المهندسة هبة السهيت في مقاربة للقصة القصيرة "غيمة" وهى سردية تضمنتها المجموعة القصصية ( حتى منتصف الليل) والتي تمت مناقشتها بنادي أدب مصر الجديدة أن هذه القصة تنتمي لنوع  ( الفانتازيا).


حيث تستهل السردية بجملة نفي الاستيقاظ  وهي " لن أستيقظ "، وفيها تناص مع قول الله تعالى : 
{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الزمر: 42]
ويقول الراوى بنص السردية  : لن أستيقظ، سأسافر، بل سافرت،  ممتطيا غيمة ظاهرها قطن ناصع البياض يسر الناظرين، وباطنها قطرات تذوب قطر ة قطرة حتى تسقطك أسفل السافلين.


وتعلق السهين هنا بأن الراوي يخبرنا انه سيسافر ، وهي رحلة ما بعد الموت، ويكرر كلمة "سافرت" ثلاث مرات ، إشارة إلى بعد الغاية ، ولابد للمسافر من وسيلة لسفره تتناسب مع نوع السفر ، وحيث أنه في عالم الأرواح فستكون الوسيلة غيمة ، والغيمة كائن هلامي يستظل به الناس وينزل المطر بالبركات ، لكن غيمتنا هنا اختلط اسمها بواقعة الموت فكان وصفها خليط بين الكفن في الظاهر وبين الغيمة المتوهمة .ثم الغيمة لا تضمن السلامة للمسافر فقد تصعد بك إلى أعلى عليين ، وقد تهبط بك إلى أسفل السافلين .


 وأدار الراوي المشارك حوارا مع الغيمة نتيجة نوع من التجاذب أي الميل القلبي 
كما يقول المؤلف  حدث بيننا تجاذب فهمست لي: إن الشمس تبدد أوصالي، وأخاف أن أرميك رغم أنفي متناثرا في المجهول .


وتوضح السهيت ان المؤلف هنا قدم  تحذير ان الغيمه لا تقوى على حمله في صعوده ، فالامر ليس لها او بارادتها ، فقد تذيبها الشمس فتسقطه إلى المجهول او أسفل سافلين .  ، فالارادة للشمس وليست لها . ثم يقول الراوي
فقلت لها: أى  قال للغيمه 
لا بد أن أذهب إليه 
فردت باستعجاب:
 هو قريب منك؛ فلماذا ترهق نفسك بالصعود ؟
ولكن الراوى في السردية  أصر على الصعود إلى الله، وتعجبت الغيمة من ذلك الإصرار، 
وهنا تناص مع الآية القرآنية: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ سورة ق: 16آيه ]
ليجيب الراوي أنه يصر على الصعود لأن غيره أرهق نفسه وصعد ، والاشارة هنا لا يجوز أن تكون لمعراج الرسول صلوات الله عليه وسلامه ، لأن الرسول كان (مرادا لا مريدا )، فتكون الإشارة هنا إلى معارج الصالحين ، مثل معراج ابن عربي وأبي يزيد وغيرهم وهي معارج مناميه روحية  . 


فتقول الغيمه : "سأرفعك كرد فعل لقطرة مني تجمدت فانعكس عليها شعاع من الشمس- فاصعد به"
تقول الغيمة شارحة كيفية رفعها له: أنها سترفعه عبر شعاع من الشمس قد انعكس على قطرة ماء منها قد تجمدت، وهنا نلاحظ أن الصعود يتم عبر النور أيضا، فالقدرة كلها للنور أو لانعكاس النور، كما لا يكون الانعكاس إلا من قطرة بالغة النقاء والشفافية مما يشير إلى أن الصعود يحتاج إلى هذه الصفات وهنا تتأكد الدلالة الرمزية   للشمس على الألوهية في السردية بجامع النور.

ونتذكر فورا الآية: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35]، كما يستحضر الذهن كتاب مشكاة الأنوار لأبي حامد الغزالي، بكل حمولاته المعرفية. 


وتوضح الناقدة هنا أن  العبارات تحمل دلالات كثيفة فقد شابها بعض التعقيد في الصياغة
ثم يقول الراوي :
صعدت، قابلته ، سألته فابتسم ، وسألني دون أن أ راه :
 ما ذلك الذي بيدك ؟
هذا اختراع اسمه المحمول، أتكلم من خلاله، وأقر أ ، وأشاهد، ولي فيه مآرب  أخرى 
ويحكي الراوي 
 أنه أتم الصعود وقابل الله ،لكنه لم يره ، وهنا نلاحظ التناص بين قصة السارد وقصة النبي موسى عليه السلام حيث ورد في القرآن: 
{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143]
ثم وصف الراوي الله تعالى بالابتسام ، والابتسام تأويل للرضي والقبول من الله تعالى . 
ويظهر التناص مرة ثانية في قول الراوي 
"وسألني : ما ذلك الذي بيدك؟
 وهو تناص مع قول الله تعالى في قصة موسى: 
- {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 17، 18]
- وطبعا لم تكن مقابلة موسى لله وكلامه معه بعد معراج كما حدث لنبي الإسلام. فالتماثل هنا غير كامل، لكنه يفي بغرض السردية ، وبالحمولات النفسية والعاطفية المطلوبة لتوصيل الرسالة الأخيرة التي هي لُبّ الموضوع وبؤرة الدلالة في السردية وهو سؤال الله تعالى :
-  » ؟ وهل تعرف كيف يعمل، أو نظرية وميكانيزم عمله
- وقبل أن نستطرد نجد ان كلمة ميكانيزم كلمه أجنبيه وفنيه ومتخصصه ولا تناسب النص الأدبي وكان يمكن استخدام كلمة آليه  
وبعد أن أن أجاب الراوي على سؤال الله عن الذي بيده؟ بأنه موبيل ولا يعرف آلية عمله 
جاءت الجملة الأخيرة المستهدفة :
 فضحك ساخرا وقال :
إذا كنت لا تعرف صناعة من صنعته أنا ؛ فكيف تريد أن تعرفني؟ اذهب  وحاول أن تعرف عنه شيئا، وبعدها ستعرف عني." 
ونلاحظ ان وصف الله بجملة: " فضحك ساخرا" غير مستقيمة من حيث الاستخدام العقدي، وإن كانت تخدم المعنى الأدبي، فالضحك لله يفيد الرحمة والقبول ، والسخرية تفيد الطرد والعذاب .   لكنها أدت دورها على المستوى الأدبي، 

ملاحظة خاصة :عندما ترد صفة لله توهم التشبيه أو تستلزمه فإن العلماء لهم في فهم ذلك مسالك وطرق ، أشهرها وهي للمتأخرين من الأشاعرة حيث يقومون بتأويلها أي صرف اللفظ عن   ظاهره الموهم للتشبيه إعمالا لقول الله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وللتأويل قواعد يلتزمون بها ، ويقولون حيث أن ذات الله لا تشبه الذوات ، فصفاته بالضرورة لا تشبه الصفات ، فإن صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته ، فيقولون معنى الاستواء : الاستيلاء، واليد والقدرة ، ومن هنا ، فالضحك في الحديث الذي أخرجه الشيخان  : "يضحك الله إلى رجلين...الخ".

يقول الخطابي كما ورد في فتح الباري : " الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح أو الطرب غير جائز على الله ، وإنما معناه : الإخبار عن رضى الله لهذا الصنيع  الاعجاب عند البشر ووافقه ابن حجر على ذلك ( وهذا شائع ومعروف فى كتب علم الكلام عند متأخرى الأشاعره)

 أما السخرية: فقد وردت في القرآن في: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [التوبة: 79]

فقال المفسرون: (فتح القدير للشوكاني) 
قَوْلُهُ: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَيْ:
جَازَاهُمْ عَلَى مَا فَعَلُوهُ مِنَ السُّخْرِيَةِ بِالْمُؤْمِنِينَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَسَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ بِأَنْ أَهَانَهُمْ وَأَذَلَّهُمْ وَعَذَّبَهُمْ، وَالتَّعْبِيرُ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ في علم البلاغه
وتوضح السهيت ان  الجملة المهمة في هذا النص 
"إذا كنت لا تعرف صناعة من صنعته أنا؛ فكيف تريد أن تعرفني؟ اذهب وحاول أن تعرف عنه شيئا، وبعدها ستعرف عني".

وكأن الراوى يقول  :
 الله تعالى ينبهنا إلى أن معرفة الله طريقها الأهم هو معرفة مصنوعاته وقوانينه في الكون المنظور ، وليس مطالعة الكتب الدينية – فقط- والتبحر فيها، فمعرفة مصنوعات الله والغوص في قوانين الكون هي الطريق الصحيح لمعرفة الله تعالى.


وتقول السهيت ان النص تميز بتعبير  السارد عن المعنى بشكل فانتازى متسق كما استطاع أن يوصل الرساله في نص متماسك منسجم ( بحسب النص النقدى) واستخدم التناص ببراعه ليخدم فكرته فى الحمولات العاطفيه والمعرفيه للنص المقدس.


  وكذلك استطاع أن يصنع مقابله مدهشه بين الموت في بداية السرديه وبين الحياه في نهايتها
واستخدم الرموز في السرديه كان أكثرها واضحا يسيرا بما سمح باسترسال القارىء في متابعة الفكره دون تعقيد إلا فيما ندر فكان نصا تواصليا بامتياز.

ترشيحاتنا