ثورة 30 يونيو.. إجهاض سيطرة الجماعة على مفاصل الدولة وإسقاط مشروع التمكين

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

عمرو فاروق

لن ينسى التاريخ المعاصر ما فعلته ثورة المصريين في 30 يونيو 2013، من إجهاض سيطرة جماعة «الإخوان» على مفاصل الدولة، وإسقاط مشروع «التمكين»، وتغيير بوصلة المشهد السياسي في مصر والمنطقة العربية تغييرًا دراماتيكيًا، وإعادة كتابة التاريخ كتابةً مغايرة لما كان مرسومًا ومحددًا له وفقًا لمشاريع وأطماع استعمارية غربية..

 

كانت النتيجة الأولى والأهم لثورة 30 يونيو2013، وقوفها حائط صد أمام المد الإخواني، ومساعي مكتب الإرشاد في الهيمنة المطلقة على مقاليد السلطة، وتحقيق مشروع دولة الخلافة المزعومة، وصولاً الى «أستاذية العالم» التي تضمنتها أدبياتهم الفكرية والسياسية منذ أربعينات القرن الماضي.

 

وضعت جماعة الإخوان وحلفاؤها من مكوّنات الإسلام الحركي، في مقدمة أولوياتهم تدمير مفاهيم الدولة الوطنية القومية، وتعبئة الشارع بمصطلحات الأممية الراديكالية الأصولية، التي تسقط في مضامينها فكرة الولاء للوطن وللأرض في مقابل الإيمان بالانسيابية الحدودية والفكرية بين الدول، تمهيدًا للمظلة الدينية الموحدة، لكنها لم تتوقع انهيار مخططها في ظل انتفاض المصريين، وإطاحة رجال التنظيم من الحكم.

 

أعادت ثورة 30 يونيو، الشارع المصري إلى حضن الدولة الوطنية وقواسم القومية العربية، كما أيقظت مفاهيم الإسلام الوسطي المعتدل، في ظل نشر منهجية فكرية قائمة على الإقصاء والتكفير والعنف والقتل تحت لافتة تطبيق الشريعة.

 

في ظل ثورة 30 يونيو، سقط النقاب عن الوجه الحقيقي لجماعة الإخوان أمام الرأي العام المحلي والعربي، بعد ادعائها الكاذب ممارسة العمل السياسي والاجتماعي السلمي، في ظل انتهاجها العنف المسلح، وتشكيل لجان نوعية تستهدف المدنيين ورجال المؤسسات العسكرية والأمنية، تحت مظلة تأصيلات شرعية واهية، صيغت وفقًا لما يتماشى مع أدبياتها الفكرية الاقصائية التي آمنت بها منذ نشأتها على يد حسن البنا، مرورًا بمنظّرها التكفيري سيد قطب، وتماساً مع أطروحات أبو الأعلى المودودي.

 

أدركت جماعة الإخوان أن الصخرة الصلبة التي تقف أمام مشروعها في الهيمنة يتوقف على قدرتها في استمالة المؤسسات العسكرية والأمنية وإخضاعها، أو تفكيكها واستبدال كيانات تحمي مكتسبات الجماعة السياسية والدينية بها، فانطلقت نحو مخططها، مستعينةً بقيادات الحرس الثوري الإيراني، نظرًا إلى العلاقة التاريخية والفكرية بين الجماعة ونظام الملالي، لكنها فشلت في تحقيق مآربها في تغيير السياسات الحاكمة لتلك المؤسسات، وعقيدتها الراسخة في الحفاظ على أمن الوطن وسلامته ومقدراته مهما كلفها ذلك.

 

فككت الثورة مباشرةً الإمبراطورية الاقتصادية للإخوان، وجففت منابع التمويل الخارجي والداخلي، وأنهت ما يُعرف بـ»التوظيف السياسي» للجماعة، ووضعها ضمن قواعد المعادلة السياسية للدولة المصرية في الحكم منذ سبعينات القرن الماضي.

 

استطاعت الثورة بجهود أبناء الدولة المصرية المخلصين، وقف حالة السيولة السياسية التي تكوّنت إبان سقوط نظام الرئيس مبارك، وأغلقت كل الثغرات التي تسللت من خلالها العناصر المأجورة والممولة من الأجهزة الاستخباراتية الغربية، لتنفيذ توجهاتها في العمق المصري.


مهدت ثورة 30 يونيو، الطريق أمام مؤسسات الدولة لبسط الأمن على الأوضاع الداخلية، وتثبيت أركان الدولة المصرية في غضون سنوات، وفرض سياستها على المشهد الدولي، ووضع نفسها في معادلة السياسة العالمية، وأوقفت المشاريع التخريبية التي استهدفت جبهتها الداخلية، وأخذت على عاتقها بناء «الجمهورية الجديدة»، وتطوير توجهاتها على المسارات السياسية والاقتصادية والصحية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والفكرية.

 

أنهت ثورة المصريين الحلم التاريخي للجماعات الأصولية بتمصير «الحالة الجهادية»، وتحويل القاهرة مرتكزا للتنظيمات المتطرفة المنشطرة، التي يُكفر ويُقاتل بعضها بعضًا تحت شعار احتكار الإيمان والشريعة، وصناعة بؤر جغرافية مسلحة، تعمل على تمزيق الدولة المصرية وإضعافها داخليًا وخارجيًا من خلال إشعال وتيرة الحروب الأهلية، بما يتيح تغيير هويتها الثقافية ونسيجها الاجتماعي، واستبدال عاداتها وتقاليدها وتدمير تاريخها وحضارتها، لمصلحة دول معادية.

 

بطريقة غير مباشرة، وضعت ثورة 30 يونيو الإدارة الأمريكية في حرج بالغ وشديد بعد عرقلتها مشروع الديمقراطيين (الحليف الاستراتيجي لجماعة الإخوان)، في تنصيب تنظيمات الإسلام السياسي على رأس السلطة (عقيدة أوباما)، وصناعة أنظمة حليفة ومتعاونة يتم من خلالها تمرير مخطط تمزيق المنطقة العربية، وفقًا لمخطط برنارد لويس، صاحب مشروع الشرق الأوسط الجديد، وخرائط رالف بيترز، التي وضعها نائب رئيس هيئة الأركان للاستخبارات العسكرية الأمريكية، ونشرت عام 2006 تحت مسمى «خرائط الدم»، ضمن كتاب «لا تترك القتال أبدا  Never quit the Fight لإعادة هيكلة الشرق الأوسط، وتحويله مجموعة من الجيوب والدويلات ذات التوجهات الدينية والمذهبية والطائفية التي يمكن السيطرة عليها.

 

أوقفت الثورة مطامع الرئيس التركي رجب أردوغان، (الوكيل الرسمي لمخطط سايكس بيكو)، في النفوذ والهيمنة السياسية والاقتصادية على المنطقة العربية والشرق الأوسط، مدعيًا أنها إرث تاريخي لأجداده، وتحقيقًا لمشروع «الدولة العثمانية الجديدة»، أو «تركيا الكبرى»، ومساعيه للاستيلاء على النفط الليبي والغاز في البحر المتوسط، وكانت سببًا في صناعة ما يعرف بـ»الخط الأحمر»، بين سرت والجفرة الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو 2020، محذرًا تركيا من تدخلاتها في شرق المتوسط والعمق الليبي.

 

مكّنت الثورة الدولة المصرية من تأسيس منتدى شرق المتوسط في يناير 2019، بمشاركة 7 دول، فضلاً عن إعادة ترسيم حدودها البحرية بين كل من قبرص واليونان، وفقا لضوابط الاتفاقية الأممية للبحار.

 

حجّمت الثورة التغلغل الإخواني داخل أكبر مؤسسة دينية عالمية متمثلة في الأزهر الشريف، ومحاولة تطويعها بهدف السيطرة والهيمنة على العالم الإسلامي، وتحويلها كيان مدافع عن المشروع الإخواني وتوجهاته ومخططاته عامةً، وأوقفت التطبيع مع نظام الملالي الإيراني سياسيًا واقتصاديًا وشعبيًا، والذي بدا واضحًا بقوة خلال فترة حكم الإخوان، في إطار تحقيق مشروع «المد الشيعي»، واختراق مؤسسات الدولة المصرية والهيمنة على الأزهر الشريف والعالم الإسلامي، وتحجيم دور المملكة العربية السعودية (الممثل الشرعي للإسلام السني) في المنطقة العربية.

 

أجهضت الثورة مساعي الإخوان في اختراق المؤسسات السيادية والاستيلاء على وثائق الأمن القومي المصري وأسراره، بهدف تركيع القاهرة لمصلحة المشروع الإخواني، فضلاً عن محاولاتهم السيطرة على المنظومة القضائية، من خلال وضع قانون جديد، ينص على خفض سن التقاعد للقضاة من 70 سنة إلى 60، يمكنهم من عزل أكثر من 3500 قاض، واستبدال عناصر تدين بالولاء للجماعة ومرشدها بهم، إلى جانب محاولاتهم تقزيم مكانة مصر خارجيًا، وإضعاف دورها كقوة إقليمية ذات نفوذ داخل  منطقة الشرق الأوسط، بما يخدم دول محور الشر في الاستحواذ على مقدرات شعوب المنطقة العربية وخيراتها.

 

كانت الثورة سببًا جوهريًا في تطوير المنظومة العسكرية المصرية ووضعها في المرتبة الأولى عربيًا، والثالثة عشرة عالميًا، وفقًا لتصنيف «غلوبال فاير باور» عام 2021، تم خلالها بناء قواعد بحرية جديدة في ثلاثة مواقع استراتيجية على البحر المتوسط والبحر الأحمر، مثل قاعدة «راس بناس» البحرية في برنيس المطلة على البحر الأحمر جنوب شرقي مصر، وقاعدة «شرق بورسعيد» البحرية المُشرفة على المدخل الشمالي لقناة السويس على البحر المتوسط، وقاعدة «3 يوليو» أو قاعدة «جرجوب» البحرية في مطروح والمسؤولة عن تأمين الجزء الغربي من الساحل الشمالي على البحر المتوسط.

 

تحولت ثورة 30 يونيو حائط صد مانع أمام استكمال مخططات تدمير باقي دول المنطقة العربية، ومساعي الإخوان في تحويل السودان والجزائر ولبنان معسكرات للقتال المسلح، والانجراف بها إلى سيناريوهات التقسيم على غرار ما تم في سوريا والعراق واليمن وليبيا، فضلاً عن مطامعهم داخل دول الخليج وأفريقيا ومقدراتها.

 

أعادت الثورة الدولة المصرية إلى حضن القارة الأفريقية والاعتزاز بالانتماء إليها، واستعادة دورها الفاعل والمؤثر على المستوى السياسي والدبلوماسي والاقتصادي أفريقياً، بعدما تعثر واختفى لسنوات طويلة، ومشاركتها في تنفيذ العديد من برامج التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والزراعة والري والبيئة والشباب والرياضة والصناعة وبناء الكوادر والقدرات البشرية، من خلال إطلاقها منتدى «إفريقيا 2019»، للترويج للفرص الاستثمارية في القارة، وتوقيع 13 اتفاقية تنموية واستثمارية بقيمة 3 مليارات دولار بين شركاء التنمية والدول الأفريقية، وإطلاقها على الصعيد الأمني، مبادرة «إسكات البنادق» في القارة الإفريقية 2020.

 

اقرأ أيضا: البدوي : 30 يونيو .. ثورة اصطفاف وطنى يقف أمامها التاريخ


 

احمد جلال

محمد البهنساوي

ترشيحاتنا