شهر رمضان مناسبة عظيمة لإظهار تكافل المجتمع العُماني

عمان
عمان

 

 

من المبادئ المهمة التي حافظ عليها المجتمع العماني ولم تستطع المدنية والحداثة أن تؤثر فيها مبدأ التكافل الذي يتحول فيه المجتمع إلى لحمة واحدة بالمعنى الحقيقي للكلمة. والقارئ لتاريخ المجتمع العماني يستطيع أن ملاحظة حضور هذا المبدأ وهذه القيمة الإنسانية في المقام الأول والدينية التي حث عليها الإسلام.

وإذا كانت المحن والكوارث الطبيعية التي مر بها المجتمع العماني قد كشفت معدن المجتمع وكشفت تلاحمه وتكافله وبشكل خاص ما جرى في أكتوبر الماضي بعد مرور الإعصار المداري «شاهين»، فإن شهر رمضان المبارك من المناسبات التي يظهر فيها تكافل المجتمع العماني بعيدا عن أضواء الإعلام وبعيدا عن أي ضجيج اللهم إلا إن كان بغرض التشجيع على الفضيلة وحث الناس عليها.

ومن بين المبادرات المهمة التي تكشف عن تكافل المجتمع العماني المبادرة التي تتبناها سنويا في مثل هذا الشهر الفضيل جمعية المحامين العمانية التي توجه جهودها في «فك كربة» عبر الإفراج عن المعسرين المحبوسين أو الذين صدرت بحقهم أوامر حبس في قضايا مدنية وعمالية وشرعية. وتمكنت المبادرة هذا الشهر من الوصول إلى الإفراج عن 447 حالة معسرة، لتستطيع أن تقضي أيام الشهر الفضيل وسط أسرتها وبين أحبابها. وهذه النسخة التاسعة من المبادرة وقد حققت خلال السنوات الماضية نجاحات كبيرة ووصل علمها إلى أغلب أفراد المجتمع العماني، بل إنها حظيت هذا العام بحضور كبير وأسهمت فيها شخصيات كثيرة.

على أن هذه المبادرة ليست المسار الوحيد من مسارات التكافل في المجتمع العماني في مجال فك كرب المعسرين، فهناك مسارات كثيرة تدور الكثير منها داخل العائلة الصغيرة، أو داخل الأسرة الأكبر أو في إطار القرية أو الولاية بعيدا عن أي حديث حولها وهذا المسار هو المسار الأوسع ولا يقتصر على شهر رمضان المبارك ولكنه مستمر طوال العام، ومتأسس على فكرة الترابط داخل العائلة الواحدة أو القرية.

وبشكل عام فإن هذا الأمر يدل على قوة المجتمع العماني وترابطه، وهو وإن أراد الناس جعله مخفيا لأسباب كثيرة ولكن لا بد أن يجد التعزيز من أجل أن يستمر ومن أجل أن ينتقل الإيمان به من الآباء إلى الأبناء والأحفاد حتى تستمر مسيرة المجتمع العماني القوي في كل الأوقات.

 وعلى صعيد متصل

أضحى القطاع اللوجستي فى سلطنة عمان  أحد أهمِّ القطاعات الاقتصاديَّة التي تعوِّل عليها السَّلطنة في رغبتها نَحْوَ التنويع الاقتصادي، لذلك يُعدُّ واحدًا من أبرز وأهمِّ القطاعات الاقتصاديَّة غير النفطيَّة، فهو يُمثِّل أهميَّة كُبرى لأيِّ اقتصاد حيَوي، حيث إنَّ وجود شبكة خدمات لوجستيَّة متكاملة عَبْر الأرض والجوِّ والبحر مهمٌّ لتمكين الأعمال التجاريَّة وتسهيل تدفُّق المنتجات ونقل الأشخاص، وقد استفادت السَّلطنة من العوائد النفطيَّة طوال عصر النهضة المباركة، وأقامت شبكة خدمات لوجستيَّة بحريَّة وبريَّة وجويَّة، وأنشأت عددًا من المطارات والموانئ المميَّزة ذات الموقع الجغرافي الفريد، على إحدى التقنيَّات العالميَّة، وربطت بَيْنها بشبكة طُرُق قادرة على تحقيق الإنجاز في هذا القطاع اللوجستي الواعد؛ إيمانًا منها بأنَّ كفاءة المنظومة اللوجستيَّة هي الدعامة الرئيسيَّة لتسهيل التجارة، وهي الضَّمان لاستمرار تدفُّق البضائع من مصادرها حتى تصل إلى المستهلك النهائي بالكميَّة والوقت المناسب، لذا فإنَّها تمتلك خطَّة استراتيجيَّة طموحة تسعى لأن تكُونَ أحدَ أهمِّ المحاور اللوجستيَّة للتجارة العالميَّة.

وتدرك السَّلطنة أنَّ إقامة منظومة لوجستيَّة تلبِّي الطُّموحات الوطنيَّة المتمثِّلة في رؤية عُمان 2040، تحتاج إلى قطاع لوجستي يتَّسم بالتنوُّع، ويلبِّي احتياجات الحركة المحليَّة والدوليَّة المرتبطة به، لذلك سَعَتْ إلى بناء ميناء برِّي مميَّز يكُونُ حلقة ربط بَيْنَ الموانئ البحريَّة والمطارات والمنافذ الحدوديَّة البريَّة، حيث بدأت في العمليَّات التشغيليَّة لميناء خزائن البرِّي في عام 2021م، وهو الأوَّل من نوعه في البلاد، ويعمل ضِمْنَ مجموعة أسياد التي تُعدُّ المطوٍّر الرئيس للقطاع اللوجستي في السَّلطنة عَبْرَ تقديم مختلف المشروعات والمبادرات بما يتماشى مع أهداف رؤية “عُمان 2040” لترسيخ مكانة السَّلطنة كمركز لوجستي عالمي، حيث يُحقِّق عددًا من المزايا والمنافع منها دَوْره المِحْوَري كحلقة وصْل مهمَّة بَيْنَ الموانئ البحريَّة والمنافذ البريَّة والجويَّة مع المناطق التجاريَّة والصناعيَّة والاقتصاديَّة في السَّلطنة، ما يعمل على تسهيل عمليَّات الاستيراد والتصدير وإعادة التصدير للبضاعة كافَّة، كما يعمل هذا الميناء البرِّي الواعد كحلقة وصْل تربط بَيْنَ السَّلطنة ودُوَل الإقليم، بالإضافة إلى أنَّه يشتمل على خدمات ومرافق لوجستيَّة متعدِّدة، منها منطقة انتظار الشاحنات وكُلُّ خدمات التخزين للبضائع معلَّقة الرسوم والبضائع العامَّة، وعمليَّات إفراغ وتخزين الحاويات النمطيَّة والمبرَّدة، كما يتمتَّع الميناء بمساحات تخزينيَّة لفترات طويلة، بالإضافة للمعدَّات والآلات لعمليَّات المناولة وتحريك البضائع والحاويات، وغيرها من الخدمات اللوجستيَّة المميَّزة.

وتوسيعًا للخدمات التي يطلقها الميناء، فقد أطلق ميناء خزائن البرِّي خدمة تقديم حلول الشَّحن الجزئي عَبْرَ مختلف الموانئ التجاريَّة والمنافذ البريَّة في السَّلطنة، وقد استقبل ميناء خزائن البرِّي مجموعة من الحاويات بنظام الشَّحن الجزئي لصالح عددٍ من شركات القطاع الخاصِّ قادمةً من الموانئ الإيطاليَّة عَبْرَ ميناء صحار، وتابع تخليصها وتسيير إجراءاتها، وصولًا إلى تفريغ البضائع وتخزينها في محطَّة شحن الحاويات بميناء خزائن البرِّي، حيث توفر الخدمة الجديدة الدعم لمختلف أنواع الصِّناعات والأعمال التجاريَّة للمؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة وروَّاد الأعمال، عَبْرَ إتاحة حلول لوجستيَّة تتَّسم بأعلى معايير الجودة وبأقلِّ تكلفة ممكنة، كما سيؤدي إلى رفْع مؤشِّر سهولة ممارسة التجارة وتعزيز تنافسيَّة السَّلطنة وموقعها على الخريطة التجاريَّة العالميَّة.

إنَّ تلك الخدمة الجديدة وما يُماثلها من أفكار تطوِّر العمل داخل الموانئ العُمانيَّة البريَّة والبحريَّة والجويَّة، سيكُونُ لها مردود كبير على إقامة منظومة لوجستيَّة متفرِّدة تمتلك المُقوِّمات والمُؤهِّلات الجغرافيَّة والبَشَريَّة، وإحدى التقنيَّات الحديثة، ليكُونَ لها الريادة إقليميًّا وأنْ تكُونَ مٍحْورًا للتجارة على مستوى العالم أجمع. ولعلَّ هذه الخدمة الجديدة قد برهنت على كفاءة الكوادر العاملة في الميناء، والتي قامت بإنجاز جميع مراحل الخدمة بتميُّز، بدءًا من تخليص إجراءات الشَّحن، ثمَّ نقْل الحاويات من ميناء صحار، وانتهاءً بعمليات تفريغ البضائع وتخزينها في محطَّة شحن الحاويات بميناء خزائن البرِّي.