أخر الأخبار

تخوف دولي من إنزلاق الاقتصاد العالمي للركود

الاقتصاد العالمى الى هبوط
الاقتصاد العالمى الى هبوط

 

تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد العالمي قد يتجه نحو الركود التضخمي بسبب ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصادات الكبرى واختناقات سلاسل التوريد مع تراجع معدلات النمو المصحوب بارتفاع الإصابات بمتغير دلتا، ففي الأشهر القليلة الماضية شهد الاقتصاد العالمي والأسواق حالة من "الركود التضخمي المعتدل"، وهناك مخاوف من أن يتخطى "الركود التضخمي" مرحلة الاعتدال، وبالتالي يمثل خطرًا على الأسواق والاقتصاد العالمي ككل، وكل هذا يذكرنا بما حدث في السبعينيات، عندما واجهت العديد من الدول زيادة الطلب على البنزين بشكل كبير، وارتفاع الأسعار، وتباطؤ النمو.

فالركود التضخمي: هو عبارة عن حالة من التضخم المتصاعد، بالإضافة إلى انخفاض الإنتاج وارتفاع البطالة، وغالبًا ما يكون الدخل الحقيقي منخفضا؛ حيث تكافح الأجور لمواكبة ارتفاع الأسعار.

وغالبًا ما يحدث الركود التضخمي نتيجة ارتفاع أسعار السلع، مثل النفط، وهي مشكلة صعبة بالنسبة لصانعي السياسات؛ حيث يمكن للبنك المركزي زيادة أسعار الفائدة لتقليل التضخم أو خفض أسعار الفائدة لتقليل البطالة، لكن لا يمكن معالجة كل من التضخم والبطالة في نفس الوقت.

أسباب الأزمة:

- حزم التحفيز المالي التي اتخذتها الحكومات لمواجهة تداعيات الوباء ودعم الاقتصاد: والتي أدت إلى زيادة الطلب من قبل المستهلكين بدرجة كبيرة لدرجة أن المعروض من السلع والخدمات أصبح لا يواكب الزيادة في الطلب، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة الضغط على سلاسل التوريد العالمية التي كانت تعاني من نقص الاستثمار بسبب تداعيات الوباء، فقد بلغ حجم الحوافز المالية التي اتخذتها الحكومات على مستوى العالم نحو10.4 تريليونات دولار، وارتفع الطلب على السلع الإلكترونية خلال فترة الوباء، لكن صعوبة الحصول على الرقائق الإلكترونية بسبب اختناقات سلاسل التوريد أصاب الإنتاج الصناعي بالضعف في بعض الاقتصادات المصدرة؛ وهو ما أدى إلى زيادة معدلات التضخم في الاقتصادات الكبرى، ففي الولايات المتحدة تخطى التضخم هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، مسجلا 5.3% في أغسطس 2021، وهي أسرع وتيرة له منذ حوالي 30 عامًا، وفي أوروبا بلغ أعلى مستوياته في 13 عامًا، وفي اليابان بلغ معدل التضخم أعلى مستوياته منذ 13 عامًا في سبتمبر 2021 وفي الصين ارتفعت تكلفة السلع التي تغادر المصانع الصينية بأعلى معدل على الإطلاق؛ مما أثار مخاوف بشأن الركود التضخمي في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في وقت تواجه الحكومات فيه -بالفعل- أزمة شديدة بسبب تفاقم مشاكل الديون.

.انتشار متغير دلتا: الذي يهدد النمو الاقتصادي، وأدى لزيادة الضغط على سلاسل التوريد، وتسبب في إغلاق مصانع الملابس في أجزاء من آسيا.

- ارتفاع أسعار الطاقة عالميا بشكل كبير: فقد صرح العديد من محللي بنك "جولدمان ساكس" بأنه من المتوقع أن يؤدي الارتفاع الحالي في أسعار الغاز الطبيعي وأسعار الكهرباء إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية الأخرى، خصوصًا مع الانخفاض الكبير في مخزونات معظم السلع الأساسية؛ مما يؤدي إلى حدوث تقلبات شديدة في أسعار السلع الأساسية، حيث أدى الانخفاض في مخزونات الغاز الطبيعي، وانخفاض سرعة الرياح، إلى ارتفاع أسعار الكهرباء في جميع أنحاء أوروبا؛ مما وضع الحكومات الأوروبية تحت ضغوط شديدة، خصوصًا مع احتجاج المواطنين على ارتفاع فواتير الكهرباء قبل بداية فصل الشتاء.

التوجه العالمي نحو إزالة الكربون: حيث أدى التحول من الفحم إلى الطاقة المتجددة في أوروبا، وخاصة بريطانيا، إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي مع التخوف من نقص الإمدادات، كما أدى ارتفاع سعر الكربون في مخطط تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي إلى صعوبة التحول إلى مصادر أخرى من مصادر الطاقة غير المتجددة.

الحمائية: فلم تعد السياسات التجارية للدول تأخذ في الاعتبار عنصر الكفاءة الاقتصادية للموارد، بل تهتم بالسعي وراء أهداف أخرى، بداية من فرض معايير العمل والبيئة في الدول الأخرى إلى معاقبة المعارضين الجيوسياسيين، وفي هذا الصدد فقد أكدت إدارة "جو بايدن" أنها ستُبقي على تعريفات "دونالد ترامب" الجمركية على الصين، والتي تبلغ في المتوسط 19٪، ووعدت بأن الشركات فقط يمكنها التقدم بطلب للحصول على إعفاءات، كما أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى زيادة افتقار بريطانيا لسائقي الشاحنات، كما تعاني الهند من نقص في الفحم بسبب محاولاتها لخفض واردات الوقود.

ومن غير المعروف ما إذا كان "الركود التضخمي" مؤقتًا، أم أن المشكلة ستتفاقم، ويتوقع محللو وول ستريت ومعظم صانعي السياسة نموا قويا بجانب تضخم معتدل، بما يتماشى مع هدف البنوك المركزية البالغ 2٪. ووفقًا لوجهة النظر هذه، فإن حلقة الركود التضخمية الأخيرة مدفوعة إلى حد كبير بتأثير متغير دلتا، وبمجرد أن يتلاشى، ستختفي أيضًا اختناقات العرض، بشرط ألا تظهر سلالات جديدة من فيروس كورونا، عندها سيتسارع النمو بينما ينخفض التضخم، وتشير التقديرات لوجود أربعة سيناريوهات، تعتمد على اتجاهات معدلات النمو ومعدلات التضخم، وهي كما يلي:

السيناريو الأول":

يتوقع السيناريو الأول انحسار التضخم، مع إبقاء توقعات التضخم ثابتة عند حوالي 2٪، وارتفاع عوائد السندات تدريجيا جنبًا إلى جنب مع أسعار الفائدة الحقيقية، وستكون البنوك المركزية في وضع يمكنها من تقليص التيسير الكمي دون التأثير في أسواق الأسهم أو السندات.

السيناريو الثاني:

يتوقع السيناريو الثاني تسارع النمو مع إزالة اختناقات العرض، ولكن التضخم سيظل مرتفعًا، لأن أسبابه لن تكون مؤقتة، وفي ظل ارتفاع المدخرات غير المنفقة والطلب المكبوت بالفعل، فإن استمرار السياسات النقدية والمالية المتساهلة للغاية من شأنه أن يعزز الطلب الكلي بشكل أكبر، وقد يكون النمو مرتبطًا باستمرار التضخم فوق المستهدف، مما ينفي ادعاءات البنوك المركزية بأن زيادات الأسعار مؤقتة فقط.

السيناريو الثالث:

يتوقع السيناريو الثالث حدوث حالة "الركود التضخمي المستمر "، مع ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو على المدى المتوسط، وفي هذه الحالة، ستستمر زيادة التضخم بسياسات نقدية وائتمانية ومالية فضفاضة، وستكافح البنوك المركزية التي وقعت في فخ الديون بسبب ارتفاع نسب الدين العام والخاص، علاوة على ذلك، يمكن لمجموعة من صدمات العرض السلبية المستمرة على المدى المتوسط أن تحد من النمو بمرور الوقت وتزيد من تكاليف الإنتاج؛ مما يزيد من الضغط التضخمي، ويمكن أن تنبع مثل هذه الصدمات من كل من زيادة الحمائية، واختناقات سلاسل التوريد العالمية، والشيخوخة الديموغرافية في الاقتصادات النامية والناشئة، وقيود الهجرة، والصراع الصيني الأمريكي، وتأثيرات تغير المناخ على أسعار السلع والأوبئة والحرب الإلكترونية ورد الفعل العنيف ضد عدم المساواة في الدخل والثروة.

السيناريو الأخير:

حيث يتوقع حالة "تباطؤ النمو"، وفي ذلك الوقت قد يتضح أن ضعف الطلب الكلي لن يكون مجرد قلق عابر ولكنه سيكون الوضع الطبيعي الجديد، خاصة إذا تم سحب التحفيز النقدي والمالي في وقت مبكر، وفي هذه الحالة، سيؤدي انخفاض الطلب الكلي وتباطؤ النمو إلى انخفاض التضخم.

وتشير التقديرات لوجود حالة من القلق؛ خوفًا من أن يكون السيناريو الثاني هو الأكثر بروزًا، فمع وجود السياسات النقدية والمالية والائتمانية المتساهلة حاليا، فإن تلاشي متغير دلتا واختناقات العرض المرتبطة به سيؤدي إلى زيادة النمو، وسيترك البنوك المركزية عالقة في مواجهة الديون واستمرار التضخم المرتفع.

ولكن على المدى المتوسط، إذا كانت هناك مجموعة متنوعة من صدمات العرض السلبية المستمرة في الاقتصاد العالمي، فقد ينتهي الأمر إلى أسوأ بكثير من الركود التضخمي المعتدل، بل قد يتطور إلى تضخم مصحوب بركود كامل مع نمو أقل بكثير وتضخم أعلى، كما أن فكرة تخفيض القيمة الحقيقية لنسب الديون الكبيرة ذات السعر الثابت من شأنها أن تدفع البنوك المركزية إلى التكيف مع التضخم، بدلا من محاربته والمخاطرة بحدوث انهيار اقتصادي وسوقي.

وجدير بالذكر أن نسب الدين حاليا (الخاصة والعامة) أعلى بكثير مما كانت عليه في السبعينيات التي شهدت ركودًا تضخميا. وسيواجه الوكلاء في القطاعين العام والخاص الذين لديهم ديون ضخمة ودخل منخفض، الإفلاسَ بمجرد أن يدفع علو مخاطر التضخم أسعار الفائدة الحقيقية إلى أعلى؛ مما يمهد الطريق لأزمات الديون التضخمية التي تم التحذير منها.

وختامًا، يجب على صانعي السياسات توخي الحذر والاستعداد جيدًا لتفادي العقبات، فحتى الآن، الرؤية غير واضحة وكل التوقعات محتملة؛ فالركود التضخمي أزمة تهدد كل مظاهر الانتعاش التي حققها الاقتصاد

ترشيحاتنا