ماحكم الرفق بالحيوان وما منزلته في الاسلام ؟ الإفتاء تُجيب 

المفتي
المفتي

 

قالت دار الافتاء  أن البعض يظن أن الاهتمام بقضية أن الرفق بالحيوان " قد بلغ منزلة عظيمة في ظل الحضارة الغربية الحديثة، في حين أن نظرةً خاطفةً لتراث المسلمين تؤكد أن هذا الاهتمام، بل والتطبيق العملي له، نشأ نشأةً حقيقية بين المسلمين من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما تلاه من عهود، كيف لا، وهذه القضية مظهرٌ من مظاهر الرحمة، التي جاء الإسلام ليكون عنوانًا عليها، وجاء الرسول ليكون تجسيدًا لها؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، ليس للآدميين فحسب، بل للعالمين؛ من إنسانٍ، وحيوانٍ، وماءٍ، وهواءٍ، وجمادٍ، ... إلخ.

وأوضحت الدار، أنه  كانت التوجيهاتُ الإسلامية في هذا الشأن واضحةً؛ فقد بيَّن الله تعالى أنه يتولى رزق كلِّ من في هذا الكون؛ فقال: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: 6]، وبيَّن سبحانه أن هذه الدوابَّ والطيورَ مخلوقاتٌ مثل الآدميين، ومن ثمَّ يجب ألا تتعرض لظلمٍ أو تعذيبٍ: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأنعام: 38].

ولفتت الافتاء، إلى أن والرسول صلى الله عليه وآله وسلم أكَّد على هذا المعنى عدَّة مراتٍ في توجيهه وتعليمه لأمته؛ حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» رواه البخاري، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم «أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا» رواه مسلم.

وركبت السيدة عائشة بعيرًا، فكانت فيه صعوبةٌ، فجعلت تُرَدِّدُه (أي: تمنعه وتدفعه بشدةٍ وعنفٍ)، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ» رواه مسلم، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا من النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِحَاجَتِهِ هَدَفًا، أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ، قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ من الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟»، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: «أَفَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا؟، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» رواه أبو داود.

مشيرة الي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن اللهو بالطيور والحيوانات -كما يحدث من بعض قُساةِ القلوبِ ومن يتلذذون بمصارعة الثيرانِ، ومهارشةِ الديوك، واللهوِ بالطيور-؛ فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ" رواه أبو داود والترمذي.

والتحريش هو: الإغراء، وتهييج بعضها على بعضٍ -كما يفعل بين الجمال، والكباش، والديوك، وغيرها، ووجه النهي أنه إيلامٌ للحيوانات، وإتعابٌ لها بدون فائدة، بل مجرد عبث.

وقد مَرَّ ابنُ عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا، وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرَّقوا، فقال ابن عمر: "من فعل هذا، لَعَنَ اللهُ من فعل هذا؟ إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لَعَنَ من اتخذ شيئًا فيه الروحُ غرضًا" رواه مسلم.

ومن هذه الروح وهذا التصور صاغ الفقهاء أحكامًا خالدةً تؤكد على هذه المعاني السامية؛ فلقد نص الفقهاء على أنه تجب النفقة للبهائم المملوكة، سواء كانت مما يؤكل لحمًا، أو مما لا يؤكل، فإذا امتنع مالكها أجبره الإمام أو القاضي على بيعها، ولو كان لها ولد، ولم يكف لبنها سوى إطعامه امتنع أن يحلبها أحد، ولو أجدبت الأرض وصارت غير قابلة للزراعة، وجب على مالك البهيمة أن يبحث عن طعامها، كما يبحث عن طعام أولاده، ويحرم خصاء البهائم؛ لما يلحقها من التعذيب، ولا يجوز حمل الأثقال على ما لم تُخلق للحمل؛ كالبقرة، والجاموسة، والغزالة، ونحوها، ويحرم أيضًا متابعة السفر عليها دون أن ترتاح، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ، فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ، فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ، فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ» رواه مسلم

 

ترشيحاتنا