بعد تأجيل معرض القاهرة: خيارات محدودة أمام قطاع النشر المصرى

معرض القاهرة الدولى للكتاب
معرض القاهرة الدولى للكتاب

محمد البعلى

بعد أيام من انتهاء فعاليات معرض الشارقة للكتاب وعقب انطلاق معرض الأوبرا الأول فوجئ الناشرون المصريون والعرب بخبر تأجيل دورة معرض القاهرة الدولى للكتاب الـ 52 إلى صيف 2021 بسبب المخاوف من «تطورات جائحة كورونا» من جهة، والقلق من ضعف المشاركة الدولية من جهة أخرى.


يبدو القرار مفاجئًا لعدة أسباب؛ أولًا لأنه جاء بعد تأكيدات من قيادات بالهيئة المصرية العامة للكتاب أن الدورة الـ 52 من معرض القاهرة ستقام فى موعدها المعتاد وسيتم الافتتاح يوم 27 يناير 2021، وكذلك يأتى هذا التأجيل وسط تساهل عام مصرى (شعبى وحكومى) فى التعامل مع جائحة كورونا، فلم تتجنب الحكومة أى إغلاق كلى أو جزئى فحسب بل إن المدارس والجامعات ما زالت تستقبل يوميًّا الملايين من الطلاب، وما زالت المطاعم والمقاهى تعمل كالمعتاد، بل وحتى قاعات الأفراح -التى تشكل مكانًا مناسبًا جدًّا لنقل أى عدوى تنفسية وفى الوقت نفسه لا تمثل نشاطًا اقتصاديًّا رئيسًا- تعمل بكامل طاقتها تقريبًا، وبالتالى أصبح من غير المفهوم بل ومن المفاجئ إصدار قرار بتأجيل الحدث الثقافى الأهم فى مصر رغم أهميته الكبرى لصناعة نشر الكتاب المحلية إحدى أذرع القوى الناعمة لمصر.


كما أن مسألة القلق من تراجع مشاركة الناشرين العرب والأجانب تبدو غير مستندة إلى بحث حقيقى فى أسباب هذه الظاهرة، فلو قام منظمو المعرض باستطلاع رأى الناشرين العرب لتلقوا شكوى عامة من ارتفاع أسعار أجنحة الناشرين العرب مقارنة بأسعار أجنحة الناشرين المصريين رغم تساوى الخدمة التى يحصلون عليها، هذا فى مقابل تراجع المبيعات فى المعرض عامًا بعد عام، بالنسبة للناشرين العرب على الأقل.


آثار سلبية
لا أستطيع أن أحدد بدقة التأثيرات الاقتصادية السلبية لقرار تأجيل معرض القاهرة على قطاع النشر المحلى، ولكن من المؤكد أنها ستعمق أزمته، فقطاع النشر فى أزمة ممتدة منذ أكثر من عام بسبب انكماش سوق الكتاب العربى جراء تراجع الأوضاع الاقتصادية وتباطؤ النمو فى العديد من الدول وشدة المنافسة وعدم وجود آليات مستقرة لتوزيع الكتاب العربى خارج المعارض الدولية التى تقام فى الحواضر العربية الكبرى.


وسيشكل تأجيل معرض القاهرة ضربة لشبكات توزيع الكتاب المصرى التى تعتمد على المعرض بشدة، كما سيجعل خطط الناشرين للعام 2021 أكثر تعقيدًا، فعائدات المبيعات المباشرة المتوقعة التى تتم خلال المعرض عادة، والتى كان القطاع فى أشد الحاجة إليها أصبحت غير متوقعة قريبًا، وستمر شهور عديدة قبل أن يشهد قطاع النشر دفعة للمبيعات المحلية مثل التى يحققها معرض القاهرة.


كما أن هناك جانبًا آخر لتأجيل الدورة الـ 52، فأحد الملامح المميزة لمجال النشر العربى، هو أنه يرتبط بفترات اعتدال المناخ ويخاصم الصيف، فموسم النشر والقراءة يمتد تقريبًا من أكتوبر إلى أبريل وربما مايو، ولكن شهور الصيف تكون فترات هدنة المكتبات وقاعات المعارض، وعقد معرض القاهرة فى الصيف ستكون مغامرة نخشى أن خوضها فى فترة قلق اقتصادى ستكون مخاطرة كبيرة بسمعة ومكانة المعرض.


خيارات محدودة
على الجانب الآخر يناقش العاملون فى مجال النشر مجموعة اقتراحات ويدرسون عدة تجارب لمواجهة الوضع، فهناك مقترحات بمعارض محلية ونوعية، ومقترح بتنظيم معرض «افتراضى» للكتاب، كما أن هناك ترقبًا لانطلاق بعض المعارض فى العواصم العربية باعتبارها منفذًا ومتنفسًا للناشرين وربما مقامرة.


فقد أعلن اتحاد الناشرين المصريين نيته التعاون مع الجهات المعنية لإقامة عدد من المعارض الصغيرة والنوعية فى النوادى والجامعات سواء فى القاهرة أو المحافظات لتنشيط حركات مبيعات الكتاب محليًّا ومحاولة التغلب على مشكلة قلة عدد منافذ التوزيع، وبالفعل هناك اتفاقات لإقامة معارض أعلن عنها الاتحاد مؤخرًا، ولكن هذه الخطة لن تخلو من العقبات، فقد ألغت السلطات معرضًا لكتاب الطفل كان من المفترض إقامته بالتعاون مع مكتبة مصر العامة، كما أن معرض الأوبرا الأول للكتاب يعانى من ضعف الإقبال، ومعارض الجامعات والنوادى ستكون صغيرة ومحدودة ولن تستطيع استيعاب عدد كبير من الناشرين الذين يزيد عددهم (المسجلين فى اتحاد الناشرين) على 600 ناشر، وحتى المعارض المحلية التى تنظمها «الهيئة المصرية العامة للكتاب» فى عواصم المحافظات فإنها كانت تعانى عادة من ضعف الإقبال وآخر النماذج معرض المنصورة، الذى تكبد فيه بعض الناشرين خسائر واضحة.


وفيما يتعلق بفكرة المعرض «الافتراضى» فإن المبدأ الخاص بتوحيد جهود التسويق الإلكترونى لمبيعات الكتب المصرية عبر بوابة معرض إلكترونى واحد يبدو رائعًا، ولكن حتى الآن ليس من المؤكد مدى نجاحه، وبدأت الكويت أول تجربة فى هذا النطاق، حيث يقام فى الفترة من 29 نوفمبر إلى 28 ديسمبر 2020 معرض الكويت الافتراضى للكتاب، وتتميز الكويت بصغر مساحتها ما سيسهل تنظيم لوجستيات توصيل الكتب للمشترين، وفى كل الأحوال إذا نجحت هذه التجربة ستكون بداية مرحلة جديدة لمعارض الكتب العربية.


وفى النهاية تبقى الخطوة الأهم التى سيقوم بها أغلب الناشرين المصريين -دون إعلان أو ضجة- فى سبيل التأقلم مع ضربات الكورونا وتأجيل المعرض هى خفض النفقات، بما قد يشمل تسريح جزء من العمالة وتأجيل نشر كتب جديدة وغيرها من آليات تخفيض الإنفاق، ومن المتوقع أن يكون لذلك أثره السلبى على الأنشطة المرتبطة بالنشر مثل الطباعة.


ما العمل؟
يبقى  الإجراء الذى لم يتم بحثه لمواجهة تداعيات تأجيل معرض القاهرة للكتاب هو تحمل الدولة لمسئولياتها تجاه قطاع النشر الذى يمثل أحد مصادر القوة الناعمة لمصر، وذلك عبر دعم الناشرين الصغار كما فعلت فى بداية أزمة كورونا مع قطاعى السياحة والبورصة، وكما فعلت العديد من الدول مع ناشريها، ومنها إيطاليا مثلًا التى رصدت عشرة ملايين يورو دعمًا مباشرًا لصغار الناشرين، ومبلغًا أكبر بكثير فى صورة دعم غير مباشر لمنتجى المحتوى الثقافى والترفيهى عبر دعم مشتريات الشباب من هذه المنتجات.


هناك بالطبع ظروف خاصة بكل دولة تجعل خطواتها متفردة، ولكن طبيعة الأزمة الحالية لقطاع النشر تحتم على الدولة المصرية النظر إلى تجارب الدول الأخرى فى التعامل مع هذا الوضع وأن تتخذ رد فعل يجعلها قادرة على المحافظة على عناصر قوتها الناعمة على المدى القريب والمتوسط.

احمد جلال

محمد البهنساوي

ترشيحاتنا