من فرانكفورت إلى الشارقة: هل تقدم المعارض الافتراضية بديلًا أفضل؟!

معرض فرانكفورت
معرض فرانكفورت

شريف بكر

فى أكتوبر الماضى أقيم معرض فرانكفورت افتراضيًا لأول مرة فى تاريخه، وحاول نقل كل أنشطته إلى الفضاء الإلكترونى ممثلًا فى موقعه الرسمى على الشبكة العنكبوتية. فى السطور التالية، يقيم الناشر المصرى شريف بكر، مدير دار العربى وعضو لجنة حرية النشر بالاتحاد الدولى للناشرين، هذه التجربة، كما يقيٍّم الدورة الأخيرة لمعرض الشارقة للكتاب، التى انقسمت إلى شقين أحدهما افتراضى والآخر فعلي.


من ناحية أخرى يكتب الناشر والكاتب محمد البعلي؛ مؤسس دار صفصافة لـ«بستان الكتب» عن الخيارات المحدودة لسوق النشر المصرى بعد تأجيل الدورة القادمة من معرض القاهرة الدولى للكتاب إلى 30 يونيو القادم، بدلًا من 27 يناير.

انقسم معرض فرانكفورت الافتراضى فى دورته الأحدث التى جرت معظم وقائعها على موقعه الإلكتروني، إلى جزأين، الأول مفتوح للعامة ويمكن لأى شخص أن يتابع الأنشطة والندوات الثقافية من خلاله. ويتضمن هذا الجزءالأنشطة الخاصة بالمناقشات مع المؤلفين، أو بطرح أفكاراً ومبادرات وغيرها من فعاليات مفتوحة للجمهور. والجزء الثانى والذى من المفترض إنه الأهم ويمثل قلب المعرض، خاص بالبرنامج المهنى وتواصل الناشرين مع بعضهم البعض. وتمت المشاركة فيه من خلال التسجيل المسبق على الموقع الإلكتروني، بحيث يكون مخصصًا فقط للمتخصصين، وتتم فيه ندوات لمناقشة آخر تطورات عالم النشر، مثل مناقشة وضع الكتب الصوتية ومستقبلها، أو تأثير كوفيد -19 على صناعة النشر، أو الاتجاهات الجديدة فى القراءة، وفى النشر التعليمي. أى أنه يضم كل الأشياء والموضوعات المتخصصة فى كل المجالات التى تهم الناشرين. وهذا هو القسم الذى طرحنا فيه مبادرة «أصوات عربية»، التى افتتحنا بها الثلاث ندوات التى خُصصت للمنطقة العربية، وقد لاقت هذه المبادرة اهتمامًا كبيرًا.


ضم الجزء المتبقى من الموقع الإلكترونى محاولة لإنشاء منصة لتبادل حقوق النشر كبديل إلكترونى لمركز الحقوق الخاص بالوكلاء الأدبيين فى المعرض الفعلي، لكن هذه المحاولة لم تكن موفقة، لأن هذا الأمر يحتاج إلى اللقاء وجها لوجه مع الناس، وإلى أن تتناقش الأطراف المشاركة فيه بتوسع واستفاضة. يرغب المسؤولون عن المعرض حتى فى عمل قاعدة بيانات مجانية تظل متاحة للناشرين حتى شهر يونيو القادم كى يتابعوا من خلالها كل جديد.حتى الجزء الخاص بالتواصل الإنسانى والاجتماعي، حاولت إدارة المعرض تحقيقه إلكترونيا عن طريق حفلة افتراضية، فيها عزف بيانو وفيولين، ويلتقى المشاركون فى المعرض فيها ويتحادثون، ثم تدخل مجموعات منهم فى غرف دردشة «زووم»، لكن هذه الفكرة لم تكن ناجحة بدرجة كبيرة. بشكل عام كانت هناك محاولات عديدة لمحاكاة الواقع بشكل افتراضي.


وقد قرر معرض فرانكفورت دعوة 100 ناشر أو خبير ممن يتعاملون معهم من حول العالم كله لإجراء لقاءات ومناقشات، ليسألهم أحد ممثلى المعرض خلالها بشكل تفصيلى عن تقييمهم لتجربته الأخيرة من كل النواحي؛ ورؤيتهم لمستقبل المعارض. وكنت من المئة المدعوين للمشاركة فى إحدى جلسات التقييم هذه. الجلسة التى شاركت فيها ضمت ناشرين من روسيا وبولندا والصين والتشيك. كنا نتلقى سؤالًا واحدًا موجهًا للمجموعة كلها وأسئلة أخرى لكل مشارك. واستمرت الجلسة لساعة ونصف أو ساعتين، وكان السؤال الأساسى الموجه لنا هو: ما الذى نريده من المعرض؟ وما الذى نجح من فعاليات هذا العام وما الذى لم ينجح؟ وخلصت أجوبتنا إلى أن فكرة المعارض الإلكترونية لا تغنى إطلاقًا عن المعارض الفعلية، وأن اللقاء وجها لوجه لا غنى عنه، لكن فى نفس الوقت، هناك أشياء كثيرة فى المعرض الفعلى يمكن انتقالها إلكترونيًا بدون مشاكل، بل على العكس يمكن أن يكون هذا أفضل، منها الندوات والأنشطة الثقافية والمتخصصة. فقد كنا نشكو دومًا فى فرانكفورت من عدم توفر الوقت لحضور معظم الندوات الثقافية، لذا ففكرة اتاحتها أونلاين طوال الوقت، تزيد من فرص متابعتها من قبل جمهور أوسع، كما تتيح لمن فاتته متابعتها أثناء المعرض الفعلى أن يتابعها لاحقًا عبر الإنترنت.


أنا مثلًا أشاهد حاليًا ندوات من فرانكفورت فاتتنى مشاهدتها خلال أيام المعرض. بعضها لم أكن مهتمًا به، لكن حين تفرجت عليها وجدتها مهمة جدًا. وهذا من مزايا الندوات الإلكترونية، لكن علينا أن ننتقى بدقة ما يهمنا. من النواحى السلبية أن المعرض الإلكترونى لا يتيح للمشاركين فيه التعارف على نحو معمق كما هو الحال فى المعارض الفعلية، ففى الأخير، قد أبدأ وأنا أعرف شخصًا واحدًا وتنتهى أيام المعرض وقد تعمقت معرفتى بعشرة مثلًا، حيث تتوالد العلاقات من بعضها البعض.


كان السؤال الأخير الموجه إلينا: ما الذى تريدون قوله لمعرض فرانكفورت؟ وما الذى تتوقعونه منه؟  وكان سؤالى الواضح والصريح: ألا تخشون أن يختفى معرض فرانكفورت فى وقت ما؟ أن تنتفى الحاجة إليه مستقبلًا لأن العاملين فى صناعة النشر من ناشرين ووكلاء أدبيين وغيرهم أصبح التواصل بينهم أسهل دون وسيط بسبب توفر قاعدة البيانات المتاحة إلكترونيا؟ وكانت الإجابة أن التجربة الفعلية أثبتت أن هذا غير وارد. فمهما حدث، قد يستطيع أطراف عملية النشر العمل على هذا النحو لمدة سنة أو أكثر قليلًا ولا حاجة للتواصل وجهًا لوجه على أرض الواقع، لكن فى النهاية عليهم أن يتواصلوا بالطريقة التقليدية، لأن هذه هى الطريقة التى تباع بها الكتب وتتم من خلالها المناقشات المثمرة.


نحن نتصرف الآن فى حدود الظروف الحالية، لكن بمجرد انتهاء هذه الظروف، سوف يتدفق الناشرون على مدينة فرانكفورت من جديد. لقد أُضيرت المدينة اقتصاديا جدا، ودعمتها الحكومة الفيدرالية للمقاطعة بالمال هذه السنة، وتم توجيه هذا المال كله للناشرين، فكانت كل الأنشطة مجانية، ومن بينها المؤتمر الذى كان يُكلِّف الناشر حوالى 1000 يورو كى يحضره. كل هذا كان مجانيا هذا العام دعمًا للناشرين، لكن هم قالوا إن الحكومة لن تدعمهم العام القادم. بشكل شخصى أعجبنى جدا توقفهم لتقييم أنفسهم وتجربتهم، وتقبلهم نقدنا العنيف لهم برحابة صدر. كنا عنيفين جدا فى نقد الموقع والمشاكل التقنية مثل صعوبة البحث، وكثرةالتفاصيل إلى درجة تسبب التوهان. لإحساسى بأننا انتقدناهم بحدة، اعتذرت لمسؤولة المعرض عن قسوتنا، لكنها قالت إنها سعيدة بهذه الانتقادات، وإنهم يدركون وجود مشكلات عديدة فى الموقع مما ذكرناها، بعضها يستطيعون تغييره وبعضها الآخر لا، لكن يجب أن يسمعوا ويتحدثوا، وشكرتنا على مدهم برأينا. ليس مثلما يحدث أحيانا من كون الناس لا تحب أن تُنتقَد حتى لو كان النقد بنّاءً.


بالنسبة لمعرض الشارقة الدولى للكتاب، فيُحسب له كمعرض، أنه المعرض الوحيد تقريبًا فى العالم، الذى صمم على إقامة معرض فعلى بهذا الحجم فى مثل هذه الظروف، وهذا تفكير رائد ومثَّل مخاطرة كبيرة، لكنها نجحت. بالنسبة لنا نحن كناشرين، كان مثل حقنة أنعشتنا فى وقت المرض، لأن رغم أن الإقبال لم يكن بالشكل الطبيعي، ولكن من حضروا كانوا قراءً راغبين فى الشراء، والحكومة وجهت جهات عديدة كى تشترى كتبا من الناشرين، وهذا ساعد جدا فى إنعاش الناشرين، كما ألغوا ما يدفعه الناشرون للاشتراك فى المعرض، وهذا أحدث فرقًا إيجابيًا كبيرًا فى أرباح الناشرين. طبعا كانت هناك تكاليف إجراء مسحة، وتكاليف الإقامة لمن اضطروا للبقاء فترة أطول، لكن هذا تم تعويضه بالمبادرات التى قدمتها إمارة الشارقة، وهذا شيء محترم ويُحسب لهم. كما يُحسب له أنهم استطاعوا إقناع أكثر من 60 ناشرًا أجنبيًا بأن يشاركوا فى المعرض، صحيح أن بعضهم أصيب بالكورونا، لكن ما فهمته أن نتيجة مسحتهم كانت إيجابية، لكن بدون أعراض. وتم التعامل معهم بشكل جيد جدًا وكل شيء كان على حساب إدارة المعرض.


لكن من ناحية أخرى، لم أتمكن من متابعة الندوات التى أقيمت ضمن برنامج المعرض، كما أن البرنامج المهني، كان من الممكن تنظيمه افتراضيا، لكن أعتقد أن ضيق الوقت لم يمكنهم من تحقيق هذا.

 

ترشيحاتنا