كتب : محسن جود
سيد المطعني .. فنان توارث مهارة النحت من أجداده فراعين مصر العظماء، دقته في ما يصنعه كانت سببا في أن شهرته، شهدت له معارض الفنون فى مختلف عواصم العالم، وهو آخر من ينقش الهيروغليفية على الحجر، لوحاته وتماثيله وهداياه موجود لدى معظم ملوك ورؤساء العالم الذين يزورون الأقصر فى الستين عاما الأخيرة، فشهدوا له بالعبقرية والتفرد، ومن قبلهم شهد له أحد أساطين المصريات الدكتور أحمد يوسف الأثرى العظيم الذى أول من اكتشف مواهبه يوم أن كان يعيش فى بيت هيوارد كارتر، قبل أن يقوم بترميم مراكب الشمس، ثم أكد موهبته الأثريون العظام ومنهم الدكتور شحاتة آدم والدكتور لبيب حبشى ..
التقينا بالفنان ليحكى رحلته مع الفن والفنانين وحياته بين كنوز مصر التاريخية بالبر الغربى للأقصر، التى امتدت إلى أكثر من 65 عاما ليكون هذ الحوار.
حدثنا عن بداياتك وتجربتك كيف كانت؟
فى البداية يقول الفنان سيد المطعنى حصلت على الابتدائية العامة عام 59 وآثرت عدم استكمال دراستى بعد أن جذبنى الفن المصرى القديم إلى عشقه كنت أخرج من المدرسة وأجد ضالتى بين مقابر فراعين مصرالعظماء ومعابدهم حيث كانت منطقه البر الغربى مكشوفة للزائرين فما بين سبعة معابد جنائزية يمتلئ بها البر الغربى بمدينة الأقصر وما بين مقابر فرعونية فى وادى الملوك ووادى الملكات ومقابر الأشراف وكلها تحمل بين طياتها كنوزا فرعونية لايوجد لها مثيل فى العالم كله.
ماذا جذبك فى هذه المقطوعات الفنية ؟
جذبتنى هذه الكنوز إلى دراستها والشغف بها ووجدتنى أهيم بين تلك المقابر والمعابد أحاول تقليدها من حيث روعة الفن أو عظمة النقوش والكتابات الهيروغليفيه الموجودة عليها كنت متأثرا فى ذلك بآبائى وأجدادى الذين كانوا يعملون فى المنتجات السياحية ولكنى تأثرت بالفن الفرعونى العظيم وروعة النحت والنقوش الموجودة على هذه الجدران كنت أتمنى أن أتعرف على طلاسم اللغة وكيفية صناعة التماثيل فكنت آتى بالأحجار وأبدأ أقلدهم وفى إحدى هذه الأعمال شاهدنى الدكتور أحمد يوسف الاثرى العظيم الذى قام بترميم مراكب الشمس وقتها كان يقيم فى بيت هيوارد كارتر هو ومجموعة من الاثريين منهم الدكتور شحاتة آدم والدكتور لبيب حبشى وهما من أساطين الفن الفرعونى القديم فأعجبوا بما قمت بنحته فشجعونى وبتشجيعهم بدأت أتعمق فى هذا الفن.
قصة أمونفيس
ما قصة أول نحتة؟
وعندما هممت بنحت أول عمل رسمى لى كان عبارة عن قصة الصيد الخاصة بأمونفيس وهى قصة معروفة فى التاريخ المصرى القديم وهى لوحة جدارية منحوتة على ظهر جعران ومكونة من 16 سطرا مكتوبة باللغة الهيروغليفية القديمة فأثارت إعجاب الدكتور أحمد يوسف إلى حد كبير خاصة ، وعندما قمت ببيعها تهافت عليها تجار الآثار وقت ذاك حيث كانت تجارة الآثار متاحة فى ذلك الوقت ومنها ذاع صيتى بين التجار وعندما أنتهى من لوحة أقلدها أو تماثيل أنحتها وأقلدها من آثار موجودة بالفعل يتهافت عليها التجار والأجانب القادمون لزيارة البر الغربى وذلك بسبب دقة الصنع المتناهية والتى لا تفرق فيها بين العمل الأصلى والتقليدي.
كيف أكملت مسيرتك؟
بعدها قمت بتأدية واجبى الوطنى فى القوات المسلحة وعندما خرجت منها بدأت تتدفق على الطلبات والأعمال وكلما أقوم بنحت قطعة أجد الكثير يتهافت عليها ، بعدها وأنا فى أواخر العشرينيات دعيت إلى أول مؤتمر دولى أحضره ، كان يقام بمدينة بازل بسويسرا ويومها عرضت بعضا من أعمالى التى حازت إعجاب خبراء ذلك الفن فى العالم كله وحصلت على المركز الأول بين النحاتين فى العالم كله وهذا التكريم كان بداية الانطلاق الحقيقية لى ومعرفتى بكل الدول وحصلت على المركز الأول بين 60 دولة بعدها تلقيت دعوة لحضور معرض أقيم بمدينة ميونخ بألمانيا ومنها تعددت المعارض مابين نيس ومونت كارلو وديجول وتولوز وهناك قضيت عاما كاملا فى فرنسا أتنقل ما بين جميع الدول الاوروبية بدعوات من محافظى المقاطعات ومن تكريم إلى تكريم أصبحت أشهر النحاتين فى العالم .
محاضر بجامعة سيدنى
حدثنا عن أطرف المواقف التى واجهتك؟
من أطرف ما حدث معى عندما جاء إلى بيتى مجموعة من السياح كانوا يركبون الدراجات العادية وبملابس بسيطة جدا ووقفوا بجانبى وطلبوا منى شرح عملى لكيفية عمل إحدى القطع الأثرية وكانت لـ «رأس تمثال» كانت الأفران أمامى وفوجئت بهم يراقبون كل حركة من حركاتى والمقاسات واستمر مجيئهم لى بصورة يومية حتى اكتملت الأعمال المطلوبة فاخذوها وأخبرونى أنهم متجهون الى مدينة الغردقة بعدها وبحوالى شهر عادوا إلى واخبرونى بأنهم اساتذة فى جامعة سيدنى فى استراليا وطلبوا منى الذهاب للعمل كمحاضر فى الجامعة ، العرض كان مغريا جداً يمنحنى إجازة شهرا كل ثلاثة أشهر عمل مع صرف جميع البدلات وتذاكر السفر مع مرتب كبير بالتأكيد كان الأمر مغريا كثيرا بالنسبة لى ولكنى رفضت لارتباطى بعائلة عملها الاساسى هو النحت وأنا واحد من اعمدتها الرئيسية حيث لى بيت واسرة واولاد وان دخلى من هذه الاعمال أحقق به رغبتى أولا وثانيا هو مورد رزق ابنائى واهلى وعائلتي.
دكتوراة فخرية
ما قصة الدكتوراة الفخرية والجوائز؟
فى الحقيقة تهربت منهم واعتذرت بحجج واهية بدعوى أنى لا أحتمل ركوب الطائرة كلها كانت اسباب واهية إلا انهم استجابوا لرغبتى وبعدها بحوالى ثلاثة شهور جاءنى تليفون من استراليا بان أحد اساتذه الاثار يريد مقابلتى وقال نحن حجزنا لك فى فندق شيراتون مطار القاهرة وذهبت وهناك فوجئت بهم يقومون بالاحتفال بى ويمنحوننى الدكتوراة الفخرية يومها لأول مرة ألبس روب الجامعة وانا بالجلباب البلدى وكرمونى فى حفل كبير تناقلته الصحف المصرية والعالمية وقتذاك صحيح اننى لم أسافر الى استراليا ولكنهم كرمونى فى بلدى وهذا أعظم تكريم صادفته بعد ذلك. فوجئت بمن يرشحنى لزيارة الهند فأخذت المنتجات المصرية واعمالى وطرت بها الى الهند أنا ومعى بعض من ابناء القرنة وهناك حصلنا على المركز الاول فى معرض نيودلهى سواء الرسم على القماش او الرسم على البردى او النحت ومعروف ان الهند تعتمد على السياحة الخارجية بوجود تاج محل والحديقة الدولية الا انه بمجرد دخولنا ذاع صيتنا فالفن كما تعلم لا يقدر بثمن.
مدرسة الفن والهندسة
قلت للشيخ سيد المطعنى وما الذى يشغل بالك حاليا ؟
قال أخشى أن تندثر هذه القيمة الفنية فانا الوحيد فى العالم الذى يكتب اللغة الهيروغليفية على الحجر بصورة صحيحة جدا وكل أمل أن انشئ مدرسة لتعليم هذا الفن فانا لا يمكن لنحات أن يقلدنى أبدا وهدايا اقدمها باسم مصر لكل ضيوف مصر ولقد كنت معى يوم ان جاءت الملكة صوفيا وقلدتها الهدية الخاصة بها وكذلك هدية الرئيس الأمريكى والرئيس الصينى فانا الوحيد الذى أكتب الكتابة الهيروغليفية كما هى على الحجر واكتبها على جعران واكتبها على خرطوش وبها بعض الكلمات الفرعونية المتداولة وكلى امل قبل ان اموت ان اعلم الشباب بطريقة علمية دقائق هذا الفن.
وأضاف صحيح اننى اقوم بتدريب المرممين والفنيين ولكن انا اريد التعليم الفنى المجدول وخاصة أن فخامة الرئيس قام بتشجيع الحرف اليدوية خاصة وان هذا الفن بدأ ينقرض فى ظل الظروف الحديثة كما أن معالى رئيس مجلس الوزراء كان حريصا خلال زيارته لنا على تشجيعنا بعد أن أبدى إعجابه الكبير بما نقدمه من فنون ولا أنسى دور المحافظ المستشار مصطفى ألهم الذى يشجعنى لحظة بلحظة على تدريب المتدربين ولقاء كبار الزوار وتقديم الهدايا لهم من خلال مؤسسة نداء حيث نقوم بتدريب المتدربين فى القرى الأكثر فقرا .
ففى قنا وحدها قمنا بتدريب أكثر من 40 قرية على الألاباستر وكذلك فى القرنة وعلى النسيج والرسم على النسيج والرسم على البردى والتدريب على النحت قرى قنا كان الرسم على القماش وعلى الخشب والزجاج أما فى القرنة فالأمر يختلف حيث نقوم بالتدريب على النحت والنقش على النحاس وعلى الأركست حيث أن منطقة الاقصر غنية بسياحها وبمواردها وبامكاناتها التى لو أحسن استغلالها تكفى لجعل مصر من أعظم الدول اقتصاديا.
بالاتفاق مع المنافذ
كيف نفرق بين الأصلى والتقليد؟
هذا بالاتفاق مع المنافذ لابد من وضع بعض الأخطاء أو خطأ بسيط حتى لا أجهد مفتشى الاثار فى المنافذ سواء المطارات أو الموانئ عند اكتشافهم قطعة اثرية مع أحد السياح وهو فى طريقه إلى خارج البلاد ومنذ فترة قصيرة اتصل بى أحد مفتشى الآثار الموجودين فى الغردقة عندما تم ضبط احد التماثيل مع أحد السياح فعرفتهم انها من أعمالى وانى اعطيت السائح شهادة منى بذلك وعموما حتى اقنن الإجراءات فانا كلما قمت بنحت قطعة اعرف انها سيتم خروجها للخارج اعطى السائح شهادة بذلك وهذا بالاتفاق بينى وبين الدولة فكل منا ملزم بهذه الشهادة سواء انا أو السائح حتى نحافظ على اثار مصر وكنوزها.
وقال شيخ النحاتين أن من أطرف المواقف التى صادفتنى هو دعوة عمدة فرنسا لتكريمى فى الكونكورد كما عرضت على رئيسة وزراء الدنمارك مبلغا من المال مقابل الهدايا التى قدمتها لها ولزوجها فرفضت بشدة قدمت لها بعض الجعارين واسمها منقوش وفازات للورد نالت إعجابها تماما وقلت لها انت ضيفة مصر ولا يجوز لى ان اتقاضى أى مبالغ مقابل تلك الهدايا فانا اقدم الهدايا لأى ضيف يأتى إلى مصر مجانا.
سفير الفراعنة
ما حقيقة سفير الفراعنة؟
وفى الهند اطلقوا على لقب سفير الفراعنة وفى فرنسا كان كل محافظ يأتى الى المعرض المصرى هناك يصر على دعوتى وإقامة الاحتفالات فى محافظته ومنها تولون وتولوز ونيس ومونت كارلو وكان الدكتور عاطف عبد الشافى قد قام بعمل متحف هناك وقال لقد زرت معظم دول العالم تقريبا كل اوروبا وامريكا والهند كنت حريصا على زيارة كل دولة فيها متحف مصرى فى ألمانيا زرت دوسلدورف وميونخ لأشاهد تمثال الملكة نفرتيتى .
كيف يمكن أن تحول الهواية إلي علم ودراسة؟
وقال إن السياحة مربحه وتستطيع ان تقضى على البطالة تماما فالشباب يحتاج الى التدريب وصقل المهارات بدلا من التسكع على القهاوى هنا الشاب لو تعلم عمل مفتاح الحياة مثلا او القطه يستطيع ان يكسب ما لا يقل عن 20 أو30 دولارا فى اليوم اننى ابكى على البلد واتمنى أن أرى شبابها مثل شباب كل الدول المتقدمة فى العالم يجرى وراء موهبته وعنده تاريخ كبير من الفنون والحضارة نحن فى مؤسسة نداء كنا نمنح الطالب مكافأة 1000 جنيه فى الشهر وعموما المدرسة تتكلف حجارة ومعدات ولكن انتاجها سيكون اعظم مما تتخيل على الاقل سنحافظ على الفن المصرى القديم.
اقرأ أيضا : بعد الكشف عن مقبرة ملكية بالأقصر.. خبير آثار يكشف تفاصيل عصر "التحامسة"
