أوزبكستان تنتهج سياسة استراتيجية  لإنشاء ممر النقل العابر لأفغانستان

رئيس اوزبكستان
رئيس اوزبكستان


في إطار السياسة الإقليمية الجديدة التي تنتهجتها أوزبكستان في السنوات الخمس الماضية فى إطار إقامة الروابط البناءة والمفيدة للطرفين مع البلدان المجاورة، تم تحديد تطوير العمل المشترك مع أفغانستان، باعتباره أحد المجالات ذات الأولوية. وقد اتخذت أوزبكستان دائما موقفها من أجل الاستقرار السريع للأوضاع في هذا البلد، والذى يمثل شرطا هاما لضمان الأمن الإقليمي، ويخلق المزيد من الفرص المواتية لتنمية الاقتصاد الأوزبكي، وجذب الاستثمارات وتعزيز الأنشطة الاقتصادية الخارجية.

 


في هذا الإطار، فقد تحققت خطوات جذرية بالنسبة لأفغانستان، التي يزداد النظر إليها أكثر فأكثر باعتبارها جزءا لا يتجزأ من آسيا الوسطى. وفى الوثيقة الختامية للاجتماع التشاوري لرؤساء بلدان آسيا الوسطى، والذى عُقد في طشقند عام 2019، تم التأكيد بالإجماع الإقليمي الموحد، على دعم عملية السلام، وإشراك أفغانستان في العلاقات الإقليمية ومشاريع البنية التحتية.
في مارس 2018. تم عقد المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول أفغانستان في طشقند، وذلك بعنوان: "عملية السلام والتعاون فى مجالى الأمن والتفاعل الإقليمي". وفي كلمته بالمؤتمر، أكد رئيس أوزبكستان السيد شوكت ميرومونوفيتش ميرضيائيف على أهمية تنفيذ مشروعات النقل والاتصالات عبر أفغانستان، في أراضى أفغانستان، وذلك لتطوير ممرات النقل العابرة للقارات من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب من خلال أقصر الطرق.
في عام 2020. حدد رئيس أوزبكستان مهمة تعزيز التعاون مع دول جنوب آسيا، والعمل على إنشاء ممر النقل العابر لأفغانستان. وفي فبراير لعام 2021، تم عقد جلسة مجموعة العمل الثلاثية في طشقند، وذلك بمشاركة الوفود الحكومية من أوزبكستان وباكستان وأفغانستان، حول تنفيذ مشروع إنشاء خط سكة حديد مزار شريف - كابول - بيشاور.
من أجل حل هذه المهام، تم المبادرة بعقد المؤتمر الدولي “وسط وجنوب آسيا: الترابط الإقليمي. التحديات والفرص"، والذى أقيم في يوليو لعام 2021 في طشقند. وفي خطابه بالمؤتمر، أبرز رئيس أوزبكستان اهتماما خاصا لمسألة بناء البنية التحتية للنقل واللوجستيات، التي سوف تربط بشكل فعال وسط وجنوب آسيا. في هذا الإطار، كما تم التأكيد على أن بناء خط سكة حديد ترميذ - مزار - شريف - كابول – بيشاور، سوف يحقق إمكانات العبور للمنطقتين بالكامل، ويشكل أقصر الطرق لذلك، ويقلل لأقصى حد من الوقت والتكلفة الخاصة بشحن ونقل البضائع.
ومن الجدير بالذكر أن جلسة المؤتمر قد جمعت أيضا ممثلون عن البنك الدولي، والبنك الآسيوي للتنمية، والبنك الأوروبي للإنشاء والتنمية، وبنك الاستثمار الأوروبي، والبنك الإسلامي للتنمية، والبنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية، ومؤسسة التمويل الدولية للتنمية (الولايات المتحدة الأمريكية)، والذين أكدوا على اهتمامهم بالتنفيذ المشترك لهذا المشروع. وطبقا لنتائج الجلسة، تم اعتماد خطة العمل المشتركة لمشروع سكة حديد مزار شريف- كابول- بيشاور، وجرت الإشارة إلى أهمية تنفيذ المشروع على أساس مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وينبغى الإشارة إلى أن وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، لم يقوض سعى أوزبكستان نحو تطوير التعاون المشترك مع أفغانستان. وهكذا، فإن رئيس أوزبكستان قد أولى مرة أخرى اهتماما خاصا للمشكلة الأفغانية، وذلك في كلماته التى ألقاها في: اليوبيل الخاص بقمة منظمة شنغهاي للتعاون، واللقاء فى شكل "منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي"، والدورة الـ 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي عُقدت في سبتمبر لهذا العام. كما دعا الى عدم السماح بعزل افغانستان. وعلى الرغم من الأوضاع الصعبة، فإن أوزبكستان لم توقف تشغيل محور النقل الأوزبكي الأفغاني، الذى يمثل الشريان الأهم لتزويد ذلك البلد بالمواد الغذائية والنفطية، فضلاً عن الإمداد المستمر بالكهرباء للبلد المجاور.
وفي الوقت نفسه، جرى تكثيف الاتصالات التى تقوم بها أوزبكستان مع السلطات الأفغانية الجديدة، وذلك من أجل إقامة التعاون الاقتصادي الثنائي. وفى 7 أكتوبر لهذا العام، جرت في كابول المفاوضات بين وفد أوزبكستان برئاسة وزير الخارجية أ. كاميلوف، وبين أعضاء في الحكومة الأفغانية المؤقتة.
وفى 16 أكتوبر لهذا العام، جرت في مدينة ترميذ المفاوضات بين وفدي حكومتي أوزبكستان وأفغانستان على مستوى نواب رئيس الوزراء، بمشاركة الممثلين عن مختلف الوزارات والهيئات. وقد تناولت هذه الاجتماعات قضايا ضمان أمن الحدود، والتعاون في مجالات الاستثمار، والتجارة المتبادلة، والطاقة، والنقل الدولي للبضائع والعبور.
وأبدى الطرفان اهتماما خاصا لتنفيذ مشاريع البنية التحتية، ولا سيما خط السكك الحديدية العابر لأفغانستان "ترميذ - مزار شريف - كابول - بيشاور". وفي هذا الإطار، أعرب الجانب الأفغاني عن استعداده لضمان سلامة الخبراء الأوزبك المشاركين في تنفيذ هذا المشروع.
يرى الخبراء أن هذا الخط الحديدي يمثل مشروعا ذا أهمية استراتيجية، وأنه سوف يربط مناطق وسط وجنوب آسيا، وكذلك الشرق الأوسط. وسوف يتيح أمام أوزبكستان ودول آسيا الوسطى الأخرى إمكانية الوصول إلى الموانئ الباكستانية في المحيط الهندي، ويزيد بشكل كبير من فرص العبور لآسيا الوسطى.
وطبقا للتقديرات الأولية، فسوف يبلغ طول الطريق حوالى 600 كيلومترا. ويمكن أن تصل مدة تنفيذ المشروع إلى 5 سنوات، ويبلغ حجم القروض الإئتمانية المطلوبة 4.8 مليار دولار. وسوف يقلل المسار بشكل كبير من الوقت والتكلفة الخاصة بنقل البضائع بين دول جنوب آسيا وأوروبا عبر آسيا الوسطى، بالإضافة إلى زيادة حجم حركة المرور العابر عبر أوزبكستان. وعند التنفيذ الكامل للمشروع، فإن نقل البضائع من باكستان إلى أوزبكستان قد يستغرق من 3 إلى 5 أيام، بدلا من 35 يوما، كما يمكن تقليل تكلفة نقل الحاوية سعة 20 قدما، بأقل من ثلاث مرات. وطبقا للتوقعات، فقد يصل حجم نقل البضائع إلى 10 ملايين طنا.
كما أن المشروع سوف يسهم في تطوير شبكة النقل في أفغانستان التي لا تزال في حالة سيئة. ويبلغ طول السكك الحديدية الأفغانية حوالي 100 كيلومتر، حيث تمتد في المناطق الحدودية مع أوزبكستان وتركمانستان وإيران. وتتطلب شبكة الطرق أيضا المزيد من التوسع والاستثمارات الكبيرة. 
وارتباطا بهذا الأمر، فإن مقترحات أوزبكستان الهادفة إلى تطوير البنية التحتية للنقل في أفغانستان، بما فيها بناء خط السكك الحديدية مزار شريف - كابول - بيشاور العابر لأفغانستان، تحظى بدعم السلطات الجديدة في البلاد، ويمكن أن يتم تنفيذها. 
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا المشروع يمكنه أن يعود بالفائدة أيضا على البلدان الأخرى في المنطقة، بل وعلى القارة الأوراسية بأكملها، حيث أن شبكة النقل المتطورة على طول الطريق من الشرق إلى الغرب، يمكن استكمالها من خلال بناء شبكة للنقل والخدمات اللوجستية، المتصلة في اتجاه الشمال والجنوب مع أقصر طرق الوصول إلى أسواق جنوب وجنوب شرق وغرب آسيا. كما يمكن أن يؤدي تطوير النقل العابر لأفغانستان، إلى المساهمة فى تنفيذ عدد من المبادرات الضخمة للربط المشترك، وذلك على أساس المنفعة المتبادلة، بما في ذلك المبادرة الروسية "الشراكة الأوروآسيوية الكبرى"، والمشروع الصيني "حزام واحد، طريق واحد"، واستراتيجية الاتحاد الأوروبي لربط أوروبا بآسيا.
تتناول مبادرات طشقند تطوير العمل المشترك بين المنطقتين فى دائرة واسعة من القضايا، بما في ذلك خلق الظروف المواتية لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية، وزيادة الاستثمارات المتبادلة، وتطبيق نظام المنصات الرقمية، والبحث المشترك عن سبل ضمان الأمن الغذائي، وتحفيز التنمية "الخضراء"، والكشف عن الإمكانات السياحية للمنطقتين، والتعاون الثقافي والإنساني.
وما يمثل أهمية خاصة لتنفيذ مشروع بناء السكك الحديدية، التنشيط المشترك للتعاون التجاري والاقتصادي، وتطوير العلاقات التجارية المستدامة بين المنطقتين، بما في ذلك الزيادة التدريجية في النقل التجارى وحركة المرور العابر عبر أفغانستان، وذلك باستخدام البنية التحتية القائمة بالفعل للنقل واللوجستيات. وفي هذا الصدد، فمن الضروري مواصلة العمل على تشكيل الإطار القانوني للاتفاقات التجارية الثنائية ومتعددة الأطراف بين بلدان وسط وجنوب آسيا، وكذلك إقرار مجموعة التدابير اللازمة لتسهيل التجارة، وضمان تسريع حركة البضائع وعبور الحدود.
سوف يحفز كل هذا زيادة حركة نقل البضائع بين المنطقتين، وارتفاع الطلب على عبور البضائع عبر أفغانستان، وهو الأمر الضروري لجذب اهتمام المستثمرين للمشاركة في تنفيذ هذا المشروع الضخم للبنية التحتية.
في سياق تطور الوضع في أفغانستان، فإن استئناف العمل في وضع مشروع ممر النقل العابر لأفغانستان يكتسب كذلك أهمية سياسية حيوية. ومن حيث الجوهر، فإن أوزبكستان والمشاركون الآخرون في المشروع، بما في ذلك السلطات الأفغانية الجديدة، عندما يواصلون دراسة تصميم وبناء خط السكك الحديدية الجديد، يكشفون بذلك عن الرغبة والسعى نحو التفاعل الإيجابي، الهادف إلى تحقيق الأهداف والغايات طويلة الأجل لتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وتحقيق الاستقرار والتنمية في أفغانستان، وانخراطها في العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية الإقليمية المستقرة.
تتيح الاتصالات مع ممثلي الحكومة المؤقتة لأفغانستان حول تصميم خط السكك الحديدية، تعزيز التفاهم المتبادل، وتهيئة الظروف الملائمة لتوسيع دائرة التعاون المشترك بين أوزبكستان والدول الأخرى مع النظام الجديد في كابول، والمساعدة في المصالحة الوطنية في أفغانستان، واستقرار الوضع في ذلك البلد والمنطقة بأكملها. ويمثل حل هذه المهام، ضرورة حيوية لتشكيل البيئة المواتية لتمويل وتنفيذ هذا المشروع الضخم.
إجمالا، فإن بناء خط السكك الحديدية العابر لأفغانستان يمثل مشروعا رئيسا للبنية التحتية، يلبي مصالح جميع بلدان القارة الأوراسية، ويمكنه التأثير على نحو إيجابي هائل على التنمية فى دول آسيا الوسطى، وعلى العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول الآسيوية وترابطها الأقليمي المشترك، وسوف يساهم في بناء آليات للتفاعل طويل الأمد بين الدول. في الوقت نفسه، لن تصبح أفغانستان عائقا، بل جسرا لتعزيز التعاون ذى المنفعة المتبادلة بين وسط وجنوب آسيا، والبلدان والأقاليم الأخرى المعنية.

ترشيحاتنا